الجمعة , أكتوبر 11 2024
الامين | لا رقأت دمعة الفاسدين ولا هدأت رنتهم

لا رقأت دمعة الفاسدين ولا هدأت رنتهم

لا رقأت دمعة الفاسدين ولا هدأت رنتهم

بقلم السيد حسن علي الأمين

يروون في السيرة أن الإمام الحسين عليه السلام أرسل إلى عمر بن سعد :

إني أريد أن أكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك.
فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج إليه الحسين عليه السلام في مثل ذلك.

فلما التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحوا عنه، وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحوا عنه وبقي معه ابنه حفص وغلام له.

فقال له الحسين عليه السلام:
ويلك يا بن سعد أما تتقي الله الذي إليه معادك؟
أتقاتلني وأنا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم وكن معي، فإنه أقرب لك إلى الله تعالى.

فقال عمر بن سعد: أخاف أن يهدم داري.

فقال له الحسين عليه السلام: أنا أبنيها لك.

فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي ( أي بستاني)

فقال الحسين عليه السلام: أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز.

فقال: لي عيال وأخاف عليهم، ثم سكت ولم يجبه إلى شيء.

فانصرف عنه الحسين عليه السلام، وهو يقول:
مالك، ذبحك الله على فراشك عاجلا، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إني لأرجو ألا تأكل من بر العراق إلا يسيرا.

فقال ابن سعد: في الشعير كفاية عن البر. مستهزئا بذلك القول.

وعندما دنا عمر بن سعد من الحسين (عليه السلام) بعد مقتله ، قالت له زينب العقيلة (عليها السلام): ” يا عمر أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر؟ فبكى وصرف وجهه عنها! “.

بعد الواقعة الفجيعة سار ابن سعد بالسبي ، فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن ، وأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت :

من أيّ الأسارى أنتنّ ؟.. فقلن : نحن أسارى آل محمد ، فنزلت من سطحها وجمعت ملاءً و إزراً ومقانع ، فأعطتهن فتغطين .

وكان مع النساء علي بن الحسين (ع) قد نهكتْه العلة ، والحسن بن الحسن المثنى ، وكان قد واسى عمه وإمامه في الصبر على الرماح ، وإنما ارتث ( أي ضُرب في الحرب ) وقد أُثخن بالجراح ، وكان معهم أيضا زيد وعمرو ولدا الحسن السبط (ع).

فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون ، فقال علي بن الحسين عليهما السلام :

أتنوحون وتبكون من أجلنا ؟.. فمَن قَتَلنا ؟..

بعضهم يبكي ويقيم مجالس العزاء للإمام الرّضا عليه السلام الغريب المهجّر إلى أرض طوس، ويغرّب الناس ويهجّرهم من ديارهم، وآخرون يبكون ويقيمون مجالس العزاء للإمام موسى الكاظم عليه السّلام نزيل السّجون ويسجنون الناس ويضعونهم تحت الإقامة الجبرية، وبعضهم يشارك في الفساد وبعضهم في إيذاء المواطنين و المؤمنين و بعضهم يغلق الطرقات وبعضهم يقطع الطريق وبعضهم يخاف أن يقول كلمة الحق من أجل معاملة إدارية وبعضهم يمنع الناس حقوقهم وبعضهم يسرق مال الدولة وبعضهم يسرق “الفيول” ليبيعه للمولدات والأفران وبعضهم يأكل مال اليتيم والأرملة والفقير والمسكين ويبني بها المحطات والمسابح والمطاعم، وبعضهم يبخس الناس وبعضهم يؤخر معاملات المواطنين وبعضهم يمنع الناس الاستشفاء والتعليم وبعضهم يقرصن حقوق المواطنين وبعضهم يستخدم أولاد الناس في الحرب ويرسل أولاده للخارج وبعضهم يستغل وظيفته لمصالح خاصة وبعضهم ينهب الناس في الدوائر العقارية وبعضهم يرتشي في القضاء ويحكم بغير الحق ويؤجل قضايا وبعضهم يزين للسياسي ألاعيبه وفساده وبعضهم يغير حكما لأجل منفعة سياسي وبعضهم يسلب أرض جاره وأرض قريبه وبعضهم يقطع المياه عن المواطنين ليبيعهم إياها وبعضهم يأكل الربا والسحت والمال الحرام وبعضهم يزوّر وبعضهم يرتشي وبعضهم يرمي القمامة في طريق الناس ليؤذيهم وليربح المشاريع وبعضهم يعتدي على حرمات الناس لأجل منصبه ومنصب غيره وبعضهم يسكت عن الظلم ورضي بالشعير ويمني نفسه ليرى أين تميل الكفة فيميل، وبعضهم يطمع طمع الغراب …ثم يبكي على الإمام الحسين عليه السلام كما بكى عمر بن سعد … هؤلاء أخطر على رسالة الإمام الحسين ممن قتله.

وكما قالت زينب عليها السلام:

أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة.

وهذا أمر ينسحب على كل مدعي الالتزام برسالات السماء لأن الفاسدين رسالتهم مشتركة وهي الفساد وليست الرسالة التي حملها موسى وعيسى ومحمد عليهم وعلى أنبياء الله جميعا صلوات الله وسلامه، وهم الذين دعوا إلى رفض الظلم والفساد والإستعباد وشتى أنواع الموبقات والرضى بها ورفض الإستئثار والطمع والنميمة والغيبة ودعوا إلى العدل والرحمة وحسن السلوك والعمل ومكارم الأخلاق.

المصدر: نيو ليبانون