المؤتمر الدولي في موسكو – غروزني: الإسلام رسالة الرحمة والسلام
كلمة سماحة العلامة السيد علي الأمين، عضو مجلس حكماء المسلمين، في موسكو في المؤتمر الديني الدولي ” الإسلام رسالة الرحمة والسلام” الذي أقامته رابطة العالم الإسلامي وإدارة الشؤون الإسلامية والإفتاء في الشيشان بين 27 و 31 آذار.
العلامة الأمين في مؤتمر الإسلام رسالة الرحمة في موسكو :الإيمان ليس مجرد لقلقة لسان إنما انعكاسه على العمل مع غيره من بني البشر
المسلمون ومجتمع التراحم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وجميع عباده الصالحين وحسن أولئك رفيقا.
إن من أهم غايات ومقاصد الرسالات السماوية التي حملها الرسل والأنبياء إلى البشر من الله الخالق هو إقامة العلاقات في المجتمع البشري على أسس وقواعد من الأخلاق الحميدة التي ترسخ عرى التواصل والترابط بين أعضائه، والتي تقربهم من بعضهم البعض وتبعدهم عن الصراعات والنّزاعات.
وقد جاء في رسالة الإسلام التأكيد على ترسيم نهج أخلاقي في العلاقات بين البشر أفراداً وجماعات وشعوباً ومجتمعات، ويمثل هذا النهج في تعاليمه الجانب العملي للإعتقاد بالإسلام، فلا يصح الإنتساب إليه بالقلب فقط، أو بالإقتصار على بعض العبادات والأقوال دون الإنعكاس لذلك الإعتقاد على العمل والسلوك، لأن حقيقة الإيمان في منظار الدين هي ذات بعدين متلازمين:
أحدهما يتحقق بعلاقة الإنسان بربه، والآخر في علاقته بغيره.
ولا تؤتي تلك الحقيقة الإيمانية ثمارها بمعزل عن العمل المجسد لها في التّصرّفات والممارسات.
وقد جاء في النص الديني أن ( الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل).
وهذا المعنى للإيمان العملي هو ما فهمه المسلمون الأوائل عندما ذهبوا إلى ملك الحبشة النصراني فراراً من اضطهاد قومهم بطلب من الرسول عليه الصلاة والسلام الذي قال لهم:
إذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكاً عادلاً لا يظلم عنده الناس .وقد جاء في كلمة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أمام الملك عندما سأله عن سبب إيمانهم وفراراهم من قومهم:
(…أيها الملك…إنا كُنَّا قوماً أهل جاهلية جهلاء، نعبد الاصنام، ونأكل الميتة، ونسئ الجوار، ونقطع الأرحام، ونأتي الفواحش، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منَّا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا لنوحد الله ونعبده، ونخلع ما كُنَّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدّقناه وآمنا به…)
فهذه هي القيم والمبادئ التي تصنع المجتمع المتراحم والمتماسك، وليست من الإيمان التجريدي البعيد عن مقام العمل والتطبيق.
وقد اعتمد الإسلام في ذلك على منظومة من القيم والمبادئ التي تزرع الوئام والإحترام بين الناس، والتي تهيّء المناخ لسلامة البعد الإنساني في العلاقات التي يجب أن تقوم بين الأفراد والجماعات والشعوب والمجتمعات، وقد خاطبهم الله تعالى بالقول بأنكم متساوون في الخلق، فلا امتياز ولا تفاضل إلا بالعمل الصالح،كما جاء في القرآن الكريم:
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباًوقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وهو خطاب من الله لكل الناس على اختلاف أعراقهم وأديانهم، وهذا ما جاء في بعض نصوص الحديث: (الخلق كلهم عيال الله، وأحبُّهم إليه أنفعهم لخلقه) وفي بعضها أيضاً: (أفضل المؤمنين إيماناً، أحاسنهم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، ثم قال: لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحبّ للناس ما يحب لنفسه، وحتّى يأمن جاره بوائقه)(والمهاجر من هجر السوء. والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبدٌ لا يأمن جاره بوائقه) و ( المسلم من سلم الناس من يده ولسانه، والمؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ).
فالإيمان ليس مجرد لقلقة لسان ببعض الكلمات ولا في شكل اللحية واللباس، وإنما هو في انعكاسه على العمل مع غيره من بني البشر، وقد ورد في الحديث: (لا تنظروا إلى كثرة ركوع الرجل وسجوده،ولكن انظروا إلى صدقه في الحديث وأدائه للأمانة) وفي آخر: (ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانا وجاره جائع،..)..
فكل هذه النصوص تذكر في تعاليمها كلمة (الناس) وكلمة (الجار) وهما من الكلمات التي يشتمل معناهما على عموم أبناء المجتمع البشري على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وانتماءاتهم، وهذا يعني أن التعاليم المذكورة في هذه النصوص، هي تكليف للمسلمين يجب عليهم أن يعملوا به مع شركائهم في أوطانهم، ومع شركائهم في الإنسانية في كل البلاد التي يتواجدون فيها، ومع كل المجتمعات التي يعيشون فيها، فالناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلْق، وهي تؤكد على أن الإيمان يدعو إلى التراحم وإلى إزالة عوامل الفرقة والبغضاء بين أبناء هذا المجتمع البشري، وتقول لنا إن الإيمان يجب أن ينعكس في العمل بمكارم الأخلاق التي بعث النبي عليه الصلاة والسلام لإتمامها كما جاء في الحديث عنه: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ومن هذه النصوص وغيرها، ندرك أن المطلوب الديني، هو إقامة المجتمع البشري المتعاون بعضه مع البعض على القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية الجامعة بين البشر، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وقد نهاهم عن السخرية والتنابز بالألقاب، فكيف يجيز لهم القتل وسفك الدماء!، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)وقال تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
فليس من الدين كل تلك الدعوات التي تزرع الفرقة في المجتمع والتي تحدث الصراعات، وتسفك الدماء، وتنشر الكراهية بين البشر باسم الله والدين، قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.