مجلة أزاهر – 2013 نيسان – الصادرة عن أزهر البقاع
1- أشرتم في غير مناسبة لضرورة الحاجة إلى إعادة النظر في مناهج الإجتهاد وتوسيع العمل المشترك بين المذاهب، فما هي برأيكم مواطن الضعف في الإجتهاد الحالي؟ وما السبيل لصياغة مناهج ملائمة لاجتهاد معاصر؟
– إنّ من أهم مواطن الضعف التي نراها في المناهج الدراسية المعتمدة تتمثل في الابتعاد عن الغاية من الإجتهاد نفسه، حيث إنّ الإجتهاد في الأصل كان للبحث عن الأحكام الشرعية التي جاءت بها الشريعة وهذا كان يتطلّب سعة في البحث عنها في مختلف المصادر والآراء وأدلّتها ولذلك عرّفوا الإجتهاد بأنه بذل المجتهد وسعه في سبيل حصول الظنّ بالحكم الشرعي. وقد اصبحت عملية الإجتهاد منحصرة في العصور المتأخرة بمحاولة المجتهد معرفة رأي المذهب الذي ينتسب إليه المجتهد دون الرّجوع إلى مصادر الاراء الأخرى ومناقشتها حتى غدا المجتهد مجتهدا في فقه مذهبه وليس مجتهداً في الفقه الإسلامي بشكل عام وفي الغالب تتأثر عملية الإجتهاد المذهبية بمصطلحات نابعة من نفس المذهب تلقي بظلالها على فهم النّصوص العامّة وهذا ما يجعل عمليّة الاجتهاد غير شاملة. ولذلك فإننا نقترح التوسعة في المناهج العلميّة لتشمل مختلف الإتجاهات والمذاهب وهذا ما يساعد على تخريج المجتهد ذي الآفاق الواسعة التي لا تقف عند حدود المذهب.
2- كيف تنظرون إلى الضوابط المعتمدة لدى علماء الحديث السنة من حيث قبول الرواية وردها؟ وهل من سبيل لضوابط موحدة تتفق عليها المذاهب الإسلامية كافة؟
– لقد أبلى علماء الحديث البلاء الحسن في تتبع رواة الأحاديث ووضع الضوابط في الرفض والقبول والجرح والتعديل والهدف هو الحفاظ على السنّة والتحقّق من صدورها. وقد بالغ بعضهم في تلك الضوابط ممّا جعلنا نخسر كثيراً من الرّوايات، واعتقد أن الرجوع إلى قواعد علم أصول الفقه في إثبات حجيّة الخبريمكن أن يزيل بعض المعايير غير الموضوعية التي جعلت من بعض المصطلحات موضوعاً لقبول الرواية والرّاوي كالصّحيح والحسن والموثوق وغيرها من العناوين التي لم ترد في الكتاب والسنّة.
3- يوماً بعد يوم تشتد الدعوات لإصلاح النّظام التعليمي في المؤسسات الدينية عموماً وفي الحوزة خصوصاً برأيكم ما هي ملامح النظام التعليمي للمجتمع الإسلامي المعاصر؟
– إنّ الناظر في برامج التّدريس المعتمدة في المعاهد الدينية والحوزات العلمية يرى فيها جموداً على كثير من الكتب التي مضى على تأليفها قرون عديدة وهي في الأصل لم توضع للدراسة التي تؤهل طالب العلم للتدرّج في مراحل التعلّم وإنّما دخلت إلى عالم الدراسة لمكانة مؤلفيها العلميّة والحاجة إلى معرفة آرائهم في المسائل وهي في الغالب لا تراعي مستوى الطالب الفكري عند عرضها لان المؤلف كان يناقش فيها آراء كبار العلماء والمحققين. ولذلك يجب إعادة النّظر في وضع الكتب الدراسية التي تتناسب مع الطالب ومع المتطلّبات الثقافيّة والمعرفيّة للمجتمع الإسلامي المعاصر ومن المهم ان تشكّل لجنة من كبار العلماء والباحثين لتحديد الأهداف الأساسية المطلوب تحقيقها للشريعة والمجتمع وأن توضع البرامج التي تخدم تلك الأهداف وهذا ما سوف ينعكس على تنظيم السلك الديني عموماً وعلى إنتاجه العلمي.
4- ما العلاقة بين تطور العلوم الإنسانية والإستنباط الفقهي؟
– لا شكّ بأنّ العلوم الإنسانيّة وتقدّمها في الكشف عن كثير من القضايا المتعلّقة بالإنسان وحياته تساهم إلى حدّ كبير في النّظرة الفقهية المستنبطة من النّصوص الشرعيّة لأنّ تلك الإكتشافات سوف تعطي فهماً جديداً للنّصوص ممّا ينعكس سعة في عمليّة الإستنباط.
5- ما أثر تغيير الموضوعات في تغير الأحكام؟
– المعروف أن العلاقة التي تقوم بين الموضوع وحكمه هي علاقة تلازم وارتباط وقد يعبّر عنها بعضهم بشكل فلسفي فيقول بأنّها بمثابة العلاقة بين العلّة والمعلول وهي كما تدلّ على الترابط بين الحكم والموضوع في مقام التحقق و الثبوت ، كذلك تدلّ على الإرتباط في مقام الإرتفاع والسقوط ، فإذا وجد الموضوع وجد الحكم ، وإذا ارتفع الموضوع ارتفع الحكم.
6- هل يعود القصور في فقه النظم والمجتمع إلى قصور القواعد الأصولية الموروثة؟
– إنّ الوجهة الأساسية المرسومة لعلم أصول الفقه هي البحث فيه عن القواعد التي تساعد على فهم النصوص الشرعية واستنباط الأحكام المتعلقة بالأفراد ولذلك اقتصرت معظم المسائل فيه على مباحث الألفاظ وغيرها ممّا له علاقة بالغاية الموضوعة له من قبل العلماء الباحثين فيه ولم ينظروا إلى غير ذلك إلا على نحو الإستطراد.
7- قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم) ما معنى أولي الأمر؟ وهل يدخل فيهم الخلفاء الراشدون الأربعة؟ أم أن المقصود الإمام علي رضي الله عنه على وجه التحديد؟
– الآية المباركة (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) هي خطاب للمؤمنين بصدد إرشاد جماعتهم إلى لوازم إيمانهم بالله ورسوله بما ينتظم به أمرهم ويحفظ تماسكهم ويعزز الروابط الإيمانية التي تجمعهم. وفي أولويات هذا التنظيم لجماعة المؤمنين تعيين مرجعية لهم يأخذون منها الأوامر والنواهي والإرشادات والتّعليمات ويرجعون إليها في حلّ الخلافات الطارئة والنزاعات المنتظرة التي لا تخلو منها جماعة بشرية. ولكي تكون مرجعيّة فاعلة ومؤثرة فلا بدّ من إعطاء الولاية لها بالطاعة والإنقياد. وقد أعطت الآية المباركة هذه الولاية للرّسول باعتبار ارتباطه بالله سبحانه وتعالى فهو المرجعيّة الناطقة باسم التّشريع ولها سلطة التنفيذ بلا اعتراض وأما طاعة أولي الأمر فهي مقيّدة بطاعة الرسول وليست مرجعيّة مستقلّة ولذا أمرت الآية عند النّزاع بالرجوع إلى الله ورسوله وليس إليهم. وكلمة (أولي الأمر) الواردة في الاية المباركة هي عامّة تشمل كلّ من انطبق عليه عنوان (أولي الأمر) من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين ومن غيرهم وليست خاصّة بهم أو ببعضهم كما هو ظاهر الآية المباركة. وقد ذكرت في بعض المقالات أنّ الولاية الثابتة لأولي الأمر ليست ولاية مطلقة وأنّ النّزاع قد يحصل معهم وفيما بينهم والمرجع في حلّ الخلاف حينئذٍ تكون هي السلطة العليا المتمثّلة برسول الله في حياته وبالرجوع إلى كتاب الله وسنّته بعد وفاته ولذلك يمكن إطلاق عنوان الطاعة النّظامية أو الإداريّة على الولاية الثابتة لأولي الأمر باعتبار ارتباطها بنظم الأمر في المجتمع وهي كما -تقدّم القول فيه- مشروطة بعدم مخالفة الكتاب والسنّة.
8- هل مسألة الخلافة والسلطة من الموضوعات الدنيوية ام الدينية؟ وهل يجوز تكفير المنكر لها؟
– الخلافة والسلطة راجعة إلى تنظيم أمور الإنسان وإدارة شؤونه وليس لها علاقة بأصل الكفر والإيمان. والتنظيم وإن كان ضرورة في الإجتماع البشري ويقره الشرع والدّين ولكنّه يبقى من مسائل الفروع الإجتهادية التي يعذر فيها المختلفون.
9- كيف تنظرون إلى جدلية الشورى والبيعة؟ وكيف تفسرون بالتالي تأخر الإمام علي رضي الله عنه عن بيعة الإمام أبي بكر رضي الله عنه؟
– اتفق المسلمون على ضرورة ملأ الفراغ بعد وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام ولزوم البيعة للحاكم الّذي لا بدّ منه لنظم الأمر في البلاد، واختلفوا في صدور التعيين من الرسول في حياته للحاكم أم أنّه ترك الأمر شورى بينهم والّذي يبدو من قراءة الأحداث في تلك المرحلة أنّ هناك خلافاً آخر حصل أيضاً ليس في أصل الشورى نفسها بل في الآلية التي اعتمدت لتحقيقها واختيار الحاكم بواسطتها. وهذا ما نرى أنّه كان من دواعي الإختلاف والغياب للإمام علي وغيره عن بيعة أبي بكر رضي الله عنهم. وعلى كلّ حال فإنّ الذي حصل فيما بعد- مهما كانت الأسباب لحصول الغياب- أنّ الإمام علياً قد وافق على نتيجة الشورى ودافع عنها وشارك مع جيش الخلافة في مواجهة حركة الإرتداد التي ظهرت كما روي عنه ( فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله) … فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأنّ الدّين وتنهنه) وقال عن الخليفة أبي بكر في تلك المرحلة (.. فصحبته مناصحاً واطعته فيما اطاع الله فيه جاهداً، فلما احتضر بعث إلى عمر فولاّه، فسمعنا وأطعنا وبايعنا وناصحنا ) .
10- من هي المرجعية الصالحة للبت في قضايا الخلاف والنظر الفقهي والسياسي والعقيدي بين المسلمين سنة وشيعة؟ وهل هناك آلية ترونها مناسبة يمكن التعويل عليها؟
– المرجعية الصالحة هي القرآن الكريم والسّنّة الجامعة. والآلية المقترحة لذلك يمكن أن تكون من خلال تشكيل مجلس فقهاء مشترك من مختلف المذاهب الإسلامية ينظر في المسائل المختلف فيها والمسائل المستجدّة التي يحتاجها المسلمون في هذا العصر وهذا مما يساعد على التقريب بين المسلمين ويساهم في الحد من استغلال الإختلافات الفقهية في إثارة النعرات الطائفية.
أجرى الحوار :