مصادر التقية
التّقيّة والتّقاة والتقوى ألفاظ لمعنى واحد وهو الوقاية والإحتراز، وهي مأخوذة من فعل(اتّقى) المشتق بدوره في الأصل من الفعل الثلاثي(وقى).
ومن الآيات القرآنية التي يستدل بها على تشريع التقية قول الله(لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)آل عمران-٢٨-.وهذا التشريع لها في الآية المباركة لم يحدث شرخاً ولا مشكلة في علاقات المسلمين مع غير المسلمين قديماً وحديثاً، فقد قامت بين شعوب ودول الفريقين العلاقات الحسنة في مراحل عديدة وهي مستمرة إلى زماننا هذا وعلاقات العيش المشترك في بلادنا العربية والإسلامية تشهد لذلك ناهيك عن عيش ملايين المسلمين في دول غربية عديدة يحملون جنسياتها الوطنية وما ذلك إلا لأن العلاقات في المجتمع البشري تقوم على أساس ظواهر الأقوال والأعمال وليس على أساس البواطن والمعتقدات.وإذا كانت التقية بالمعنى القرآني لم تمنع من قيام تلك العلاقات الحسنة بين المسلمين وغيرهم فبطريق أولى أن لاتمنع من ذلك بين المسلمين أنفسهم بعضهم مع البعض الآخر!.وهذا ما حصل فعلاً في حياة أئمة أهل البيت وخصوصاً الإمام جعفر الصادق الذي رويت عنه روايات كثيرة تحكي إيمانه بالتقية وقد كان الإنفتاح في عهده قائماً على أئمة المذاهب الإسلامية وسائر المدارس الفقهية وكانت علاقة الأخوة الإسلامية راسخة فيما بينهم على رغم تعدد الآراء الفقهية وتباينها أحياناً ولم يحصل تشكيك في ذلك كما تشهد له علاقات الدرس والمصاهرة وغيرها.ولكن الفهم المشوّه للتقية من قبل بعضهم عن قصد أو غير قصد يريد أن يجعل منها عائقاً أمام تقارب المسلمين وحاجزاً يمنع من ثقة بعضهم بالبعض الآخر مع أنها كانت موجودة بالطريقة التي اعتمدها الإمام الصادق كما بيّناها في بحثنا عنها وتفسيرنا لها بأنها كانت صيغة عملية لتقديم المشترك على الخاص وترجيح جانب الموافقة والإئتلاف على جانب الإختلاف في المسائل الفقهية مما يكشف عن اتساع الشريعة السمحاء لمختلف الآراء من الناحية العملية .
ومن المفارقات التي يقع فيها بعض المعترضين عليها والجاعلين منها سدّاً بين المسلمين-أنهم إذا أساء المسيؤون في أمر من الأمور فهم بالتقية لهم لا يَتّهمون! وإذا أظهر بعضهم الإنكار للإساءة قالوا عنهم بالتقية يعملون!.
قال الله تعالى:وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ.
نقول لهؤلاء: إن كان الموافقون لكم في رأي أو فعلً صادقين فهذا ما تريدون ! وإن كانوا كاذبين فيما يقولون أو يفعلون فأنتم من ذلك لا تتضرّرون ! والله تعالى وحده يعلم من الناس ما يبطنون وأنتم لاتعلمون!.
والفخر الرازي في كتابه (مفاتيح الغيب)عند تفسير آية التقية التي أشرنا إليها في البداية نقل رواية عن عوف عن الحسن أنه قال: التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة. وقال الرازي بعد ذلك وهذا القول أولى،لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان.
العلامة المجتهد السيد علي الأمين