صحيفة عكاظ – بيروت – زياد عيتاني ، راوية شحمي
نص الحوار:
• يزداد الحديث عن الفتنة المذهبية وحصانة المجتمع الإسلامي بوجه هذه الفتنة بسبب ما يحدث في سوريا .. هل هل ما زال عندكم هذا الإطمئنان أم أنتم متخوفون الان ؟
ـ لا شك أن ما يجري على الأراضي السورية من دخول أطراف عديدة من حزب الله وغيره في القتال الدائر
هناك، هذه سيؤدي إلى مزيد من الاحتقانات الطائفية والمذهبية في المنطقة التي وجدت بفعل أحداث العراق سابقاً وبفعل بعض الأحداث التي حصلت في لبنان.
لكن الآن من خلال الوضع الدائر على الأراضي السورية، هذا سيزيد طبعاً الإحتقان المذهبي خصوصا مع غياب أصوات المرجعيات الدينية في عالمنا العربي والإسلامي وبذلك تزداد مخاوفنا عندئذٍ وأنا أستغرب هذا الصمت فأبناؤنا يتقاتلون على الأراضي السورية ويقتلون ثم يعودون إلينا ونصلي عليهم ولا نسأل لماذا قتلوا وأين ذهبوا؟! هذا أمر وكأنه يراد لهذا الاحتقان أن يزداد. فلذلك كلما اشتد الوضع الآن في سوريا وكان هناك انغماس أكثر للعناوين الطائفية والمذهبية ستزداد مخاوفنا خصوصاً في ظل عدم وجود القوى الرادعة على مستوى الدول والمرجعيات الدينية.
• تورط حزب الله في المعارك في سورية أخذ العالم الإسلامي كله نحو المواجهة .. من يتحمل هذه المسؤولية ؟
ـ حزب الله دخل على خط المواجهة منذ شهور في المعارك بسورية وتحت عناوين متعددة كما أن هناك أطرافا أخرى قد دخلت على خط هذه المواجهات من مختلف العالم الإسلامي، وكأنه يراد لسورية أن تكون ساحة يتقاتل فيها المسلمون من مختلف المذاهب ومن مختلف الإنتماءات والقوميات.
لا شك أن كل الذين يتدخلون على الأراضي السورية هم يتحملون المسؤولية مباشرة، حزب الله يتحمل المسؤولية وغير حزب الله يتحمل المسؤولية، والمسؤولية الأهم يتحملها النظام السوري الذي أوصل الأمور إلى حد أن تصبح فيه الأراضي السورية أرضا للتقاتل والصراع مع أنه كان بالإمكان من أول الأمر حلها إبتداءً قبل سنتين، فمطالب الشعب السوري لم تكن مطالب تعجيزية، بل كانت كأي مطالب يريدها شعب، يريد حرية ، يريد إصلاحاً سياسياً محدوداً ، فكان يمكن الإستجابة لها من دون الإنجرار إلى هذه الويلات كلها والكوارث.
• هناك بعض التبريرات التي سيقت لتبرير التدخل في سورية منها مسألة المقامات، ظهر المقاومة، النفير للجهاد من بعض المرجعيات السنية .. كيف تنظرون إليها من موقعكم الديني ؟
ـ كل هذه التبريرات نراها باطلة وواهية، وكلها لا تساوي قطرة دم مسلم تسفك في غير محلها.
في بعض الروايات كان رسول الله (ص) يطوف بالكعبة ويقول: ( ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ..)
فكل هذه التبريرات الواهية، تارة نريد ان ندافع عن المقامات الدينية، وتارة نريد ان ندافع عن لبنانيين في قرى سورية وارتقى الامر الان الى الدفاع عن سند المقاومة فكل هذه التبريرات لا تساوي شيئا أمام النصوص الدينية القطعية التي اتفق عليها المسلمون وهي حرمة سفك الدماء (( ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)) إضافة إلى ما ذكرته مراراً أن المقامات الدينية هي عبارة عن رموز لمدرسة احترمت الإنسان وقيمه ومبادئه واحترمت حياته فكيف يمكن ان تكون سبباً لأن يسفك بعضنا دماء بعضنا الآخر .
• سماحة السيد لوحظ وكأن هناك نفيراً في العالم الإسلامي مقاتلون من ايران ، من العراق ولبنان وكأنه يصور أن هناك حملة شيعية ضد السنة ، هل هي برأيك حملة إيرانية سياسية أم هي بالفعل حملة شيعية؟ وما هي رسالة الإطمئنان التي ترسلها سماحتك؟
– لا شك بأن اصل الصراع ليس طائفياً أو مذهبياً . الشيعة والسنة هم أمة واحدة و ليسوا أمماً متعددة. ( وإن هذه أمتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) .
فلا شك بأن المسلمين هم أمة واحدة بكل طوائفهم وبكل مذاهبهم وهذه المذاهب هي عبارة عن اجتهادات فقهية وقد عاش السنة والشيعة قروناً عديدة وهناك روابط ونسيج يتألف منهما في معظم البلاد العربية والإسلامية، فليس هذا الصراع صراعاً مذهبياً في أصله برأيي وإنما هو صراع نفوذ.
فهل دخول روسيا على خط الصراع هل لأنها شيعية أو سنية؟ هي لا شيعية ولا سنية طبعاً .
لكن لا شك أن دخول إيران في دعم النظام بهذه الطريقة يعطي انطباعاً وكأن الصراع له صفة مذهبية بينما هي إيران حقيقة في وجهة نظري أنها تريد ان تحافظ على نفوذها كما أن روسيا هي بدعمها للنظام تريد ان تحافظ على نفوذها في المنطقة فكذلك إيران من خلال بقاء النظام السوري ومن خلال حزب الله فهذا يبقي نفوذها في المنطقة ويعطيها حضوراً دولياً لحل قضاياها ومشاكلها مع المجتمع الدولي من خلال دخولها على خط الصراع العربي الاسرائيلي وغير ذلك.
هذا في الأصل ولكن طبعاً إنما اكتسب هذا الصراع النكهة المذهبية أو الطائفية باعتبار أن هناك شعارات دينية ترفع في الأثناء فذاك يرفع شعار السيدة زينب وذاك شعارات مذهبية عن السنة و الشيعة ، فهناك فريق يحاول أن يعطيها هذه الصبغة .. ولكن بكل الأحوال الصراع الدموي سيفتح الباب على الصراعات الطائفية والمذهبية ولن يقف عند حدود السياسة، فمثلا ما يقوله السيد نصر الله أو غيره أو إيران من أن صراعنا صراع سياسي هو صحيح ولكن لن يقف عند السياسة .. ثم إنه إذا كان عنوان الصراع سياسياً فهل هذا يجيز القتل والقتال؟ القتل والقتال سواء كانا تحت العناوين السياسية أو تحت العناوين الطائفية يجب أن يكون من المحرمات بين أبناء الأمة الواحدة. وفي كل الأحوال يجب أن يسعى العقلاء والمسلمون لوقف هذا الشلال من الدماء التي تجري على الأراضي السورية.
• ما هي الخطوة العملية التي تطالب بها لوقف هذا الشلال من الدماء ؟
– برأيي أن اجتماع العلماء ومراجع الدين وأهل الرأي والفكر هو مهم من مختلف المذاهب الإسلامية ليبطلوا الحجج الدينية لمثل هذا الصراع وسحب الغطاء الشرعي و الحجج الدينية لمن يقول أنه يدافع عن الدين ولمن يقول أنه يدافع عن المذهب. فلا شك عند اجتماعهم يحدثون ثغرة في هذه الثقافة المنتشرة التي يحاول مطلقوها أن يستغلوا عواطف شبابنا من أجل أن يذهبوا إلى القتال أما الحلول السياسية الثانية فطبعا تحتاج إلى الدول العربية والمجتمع الدولي في هذا الأمر.
• مجلس التعاون الخليجي اتخذ قرارا ضد مصالح حزب الله في الخليج، من يتحمل هذه المسؤولية؟
ـ يتحمل المسؤولية دون أدنى شك أداء حزب الله ، حيث هو في أدائه وقع في مخالفة هذا المحيط العربي ككل من خلال اعتماده للسياسة الايرانية فعندما يصل الأمر بمجلس التعاون الخليجي أو غيره إلى هكذا أمر فحزب الله يتحمل الأمر نفسه و سياسته التي جعلته خارجاً عن هذا المألوف في علاقات العرب بعضهم مع البعض الآخر.
• سماحة السيد هل أنت خائف على لبنان في هذه المرحلة؟ فقد سمعنا السفير عسيري حذر من الفتنة وبعض المرجعيات الدينية، والحوادث المتنقلة والاشتباكات التي دخلت الى لبنان ..
– كما قلنا طالما بأن منسوب التدخل على الأراضي السورية في ازدياد، يزداد خوفنا على لبنان خصوصاً في ظل عدم قيام الدولة بمسؤولياتها ببسط سلطتها على كامل اراضيها خصوصاً في ظل هذا السلاح المنتشر وكأننا أصبحنا عبارة عن دويلات أحزاب وطوائف والدولة لا يعنيها الأمر! فبطبيعة الحال نحن خائفون في ظل هذا الوضع من أن تزداد الأمور سوءاً على الأراضي اللبنانية إذا لم تقم الدولة بما يجب عليها من مسؤولية في بسط سلطة القانون وإذا كانت هذه الدولة عاجزة عن ذلك كما يقال فلتطلب المساعدة من المجتمع الدولي .
• ما هي رسالتك إلى الشباب الشيعي في هذه المرحلة الدقيقة في لبنان؟
ـ كما قلت مراراً متعددة رسالتنا إلى أبنائنا من الطائفة الشيعية هو أننا جزء لا يتجزأ من شعوبنا العربية والإسلامية و سياستنا لا يجوز ان تكون نابعة من مصالح دول إقليمية وخارجية وإنما يجب أن تكون سياسة الأحزاب التي تمارس السياسة أو الشخصيات التي تمارس السياسة، يجب ان تكون منبثقة من مصلحة شعبها ووطنها وتطلعاته وليست مرتبطة بسياسة إيران أو غير إيران، نحن هذا ما يعنينا. وكما قلت سابقا بأن ساحة جهادنا ليست في القصير ولا في غير القصير وإنما ساحة جهادنا هي في بناء وطننا وفي المحافظة على عيشنا المشترك مع مختلف الطوائف اللبنانية والمحافظة على وحدتنا الوطنية . هذا هو جهادنا. وأن نكون كلبنانيين كلنا يداً واحدة من أجل أن نحافظ على هذا الوطن الذي يشكل رسالة في المنطقة كما كان في الماضي، رسالة في التسامح والإنفتاح والتعايش. وأما أن يُزين لنا بأن هناك جهاداً لنا خارج الأرض اللبنانية على الأرض السورية ، فهذا لا يكون جهاداً. الجهاد لا يكون إلا في مواجهة الأعداء الذين يجتاحون الأمة ، الغزاة، العدو الإسرائيلي . أما عندما يكون هناك قتال بين الأشقاء فليس هناك جهاد إنما يجب أن يكون هناك السعي لوقف نزف الدماء لا للمشاركة في القتال ونسأل الله أن يبعد عن هذه الأمة الفتن ما ظهر منها وما بطن.