الجمعة , أكتوبر 11 2024

مقابلة مجلة المسيرة : العلامة المجتهد السيد علي الامين: لا مجتمع مقاوم من دون مرجعية الدولة

المصدر : المسيرة ، 30 ايار 2008

لا مجتمع مقاوم من دون مرجعية الدولة.

الأمين: للخروج من الشغب.

وعودة امل وحزب اللـه عن الاستقالة.

لبنان ليس لحزب اللـه ولا الشيعة.

 تمكن مفتي صور وجبل عامل العلامة السيد علي الأمين من خلال خطبه الوطنية ومواقفه المسؤولة من فك عقدة الألسن لدى أبناء الطائفة الشيعية، في جعله النقد والاعتراض على سياسة حزب الله وحركة أمل في كل بيت وعلى كل شفة ولسان، والأهم أنه استطاع أن يواصل مسيرة الإمام موسى الصدر والإمام شمس الدين في الحفاظ على ثوابت الطائفة الشيعية من نهائية الكيان اللبناني إلى إعلاء العيش المشترك والانخراط في مشروع الدولة والمؤسسات.

ماذا تبدل على المستوى الوطني عموما والشيعي خصوصا، بين انطلاق انتفاضة الاستقلال في 14 آذار 2005 والذكرى الثالثة لهذه الانتفاضة؟

– ثمة رأي عام أوسع عددا وأعمق رؤية على المستوى الوطني، وقد ترجمت هذه الرؤية المعمقة في الوثيقة التي أعلن عنها في 14 آذار، وهي وثيقة لبنانية بامتياز نالت رضى كل اللبنانيين الذين يطمحون إلى الدولة المدنية، دولة المؤسسات والقانون التي تبسط سلطتها وسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية. أما على مستوى الطائفة الشيعية، فكان هناك شيء من الحضور في مناسبة 14 آذار وغيرها من المناسبات. وقد بدأت في الحقيقة تتبدل النظرة التي كان فيها شيء من العداء أو البعد نتيجة هيمنة قوى الأمر الواقع والضخ الإعلامي، إنما بعد معايشتهم ظروف المرحلة الأخيرة، وخصوصا بعد حرب تموز، بدأت النظرة لدى الطائفة الشيعية تستعيد تلك الثوابت التي أطلقها الإمام موسى الصدر والإمام محمد مهدي شمس الدين، وتتعلق بالدولة القائمة على العيش المشترك والتواصل. لا يمكن أن تكون هناك حماية ذاتية لطائفة في معزل عن حماية الدولة للجميع، وعندما يقرأون بنود الوثيقة السياسية لقوى 14
 آذار، لن يجدوا اختلافا بينها  وبين البنود التي أعلنها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في وثيقته في زمن الإمام الصدر، وهكذا أيضا في ما طرحه الإمام شمس الدين. وقد بدأت حال من الحراك النقدي داخل الطائفة تتسع في شكل أصبح النقد والاعتراض في كل بيت على سياسة الواجهة الشيعية الموجودة التي أدت في السنوات الماضية إلى عزل الطائفة الشيعية وطنيا وعربيا وإلى جعلها في العالم العربي والإسلامي في موضع شك وريبة من اخوانها في المواطنية وفي العيش، وهذا كله بسبب أداء الواجهة السياسية التي تمثلت في حزب الله وحركة أمل الذي كان أداء متعثرا ولا ينسجم أبدا مع مصلحة الوطن ككل، ولا مع مصلحة الطائفة الشيعية التي تتمثل مصلحتها دائما في الاندماج بشعبها وإيمانها بمرجعية دولة المؤسسات والقانون.

هل تشاطر المآخذ التي تسوقها بعض الأصوات الشيعية على قوى 14 آذار لتخليها عن حلفاء طبيعيين لها وسط هذه البيئة، لمصلحة التحالف الرباعي؟ 

– لم يكن للصوت الشيعي في تلك المرحلة ذلك العمق الشعبي داخل الطائفة، ولم يكن حتى مؤهلا لأن يخوض استحقاقا يوصله إلى النجاح، خصوصا أن الهيمنة كانت شديدة ولا تزال، وقوى الأمر الواقع كانت تستخدم لغة المحادل في المناطق والمحافظات. ولذلك لا أرى أن ثمة عملية استبعاد لهذا الصوت الشيعي. لم يكن ربما احتضان، إنما لم يكن ينبغي أن يخمد هذا الصوت نتيجة عدم احتضان 14 آذار له، لأنه ينطلق من مصلحة الوطن والطائفة بغض النظر عمن يؤمن به من الفريق الآخر أو لا يؤمن به. هل أسكت عما يجري على أهلي وشعبي ووطني إذا لم تحتضنني قوى 14 آذار؟ يجب أن يبقى هذا الصوت سواء حصل تحالف ضده أو لم يحصل، فلا يجوز أن يكون هناك أحادية تمثيل في الطائفة الشيعية، خصوصا أن هذا التمثيل له ارتباطات خارجية ويمكن أن يأخذ الطائفة الشيعية إلى حيث لا تريد. ولكن في مطلق الأحوال، لا يجوز أن نبقى نبكي على تلك المرحلة.

ألم يحن الوقت لمقاربة التمثيل الشيعي داخل الحكومة والإدارة من دون العودة إلى الثنائية الحزبية؟

– هناك شيء من التغيير والتبديل الذي يجب أن يحصل على هذا الصعيد. وقد ذكرنا في الماضي لجملة من المسؤولين في الحكومة وقوى 14 آذار وجوب استبدال الوزراء المستقيلين أو على الأقل إذا لم يكن ثمة استبدال، فلتكن هناك دعوة إلى عودة هؤلاء عن الاستقالة، لا سيما أن الحجة التي يحتجون بها وهي أن الحكومة غير ميثاقية وتتناقض مع العيش المشترك بعد استقالة الوزراء الشيعة وهم غير مستقيلين، هي حجة واهية لأن الذي لا يريد العيش المشترك هو الذي خرج من الحكومة واستقال منها. ولكن وجهة نظر بعض المسؤولين آنذاك كانت في حال تمت الموافقة على الاستقالة ورشحنا وزراء جدد لن يوقع الرئيس لحود المرسوم، قلنا عندئذ تصبح المشكلة لدى الرئيس لحود والفريق الذي يرفض التوقيع على المرسوم. 

هناك كلام عن توسيع حكومي يقتصر فقط على وزير ماروني وآخر أرثوذكسي من دون أن يشمل الوزراء الشيعة؟  

– النقص الحاصل في الحكومة اللبنانية أصبح كبيرا، وبالتالي إذا أردنا أن نسترجع فقط وزيرين، ويبقى حال الحكومة على ما هو عليه، فسيكون الترقيع دون الخرق الواسع الحاصل، فإذا كان الخرق قد اتسع على الراقع، فلا ينفع مثل هذا الترقيع بوزير أو وزيرين. يجب أن تكون هذه الرقعة بحجم الخرق الحاصل حتى تنطلق الحكومة مجددا في مهماتها.

ماذا تتوقع أن تكون ردة فعل الثنائية الحزبية في حال لجوء الحكومة إلى هذا الخيار؟

– ثمة مطالبة عامة بعودة وزراء حركة أمل وحزب الله عن هذه الاستقالة وأن يخرجوا من حال الشغب المتمثلة في هذه الممارسة، هذا ما أسميه حال الشغب لأنه مستقيل وليس مستقيلا، ويعود عندما يشاء ويخرج عندما يشاء، هذا الشغب سيؤدي إلى ضرب هيبة القانون والسلطة في كل موقع وفي كل مكان، يمكن أن يقوم بهذا الدور مدير عام في المستقبل تحميه سلطة حزبية معينة وتقول له استقل واخرج وعاود عملك. لا يمكن أن يصدر الشغب من مواقع السلطة التي يجب أن تكون في موقع القدوة للمجتمع والشعب. من هنا أنا مع عودتهم عن هذه الاستقالة، وعندئذ يتم الأمر بهم أو التوسيع مثلا إذا أمكن، أما ألا يقبلوا بالعودة الكاملة ولا ببدائل منهم، فهذا أمر غير معقول، وفي حال قيامهم بأي ردة فعل على قبول استقالاتهم فلتكن حالاً انقلابية أمام الرأي العام اللبناني والرأي العام العربي والدولي، وإذا كانوا يتحملون مثل هذا الأمر، فليقدموا عليه.

ماذا يريد حزب الله أن يحقق من وراء المسار التعطيلي الذي يقوم به؟ 

– أعتقد بأن حزب الله يريد نظاما سياسيا يحفظ له ثلاثة أمور: سلاحه، ومكاسبه الداخلية ومكانته، وصداقاته الخارجية. يريد أن يبقى السلاح في يده وأن يتدفق عليه السلاح وأن يتنقل بهذا السلاح من موقع إلى آخر، وأن يبقى له وزراؤه ونوابه ومكانته السياسية وكل المكاسب وأن تبقى له علاقاته الخارجية، هذا أمر غير معقول.

ما تعليقك على قول الشيخ نعيم قاسم أنه يجب أن نحول المجتمع اللبناني مقاومة؟  

– المجتمع المقاوم يحتاج إلى الدولة سواء كان مجتمعا مقاوما أو مجتمعا غير مقاوم. لا يمكن أن يكون هناك مجتمع مقاوم من دون مرجعية، المرجعية لهذا المجتمع ولهذا الشعب هي دولة المؤسسات والقانون. المقاومة في كل تاريخ المقاومات هي عمل يومي، لا عملا احتياطيا للمستقبل. العسكر الذي يعد احتياطا للمستقبل هو الجيش التابع للدولة. إن حزب الله لا يقوم بأي عمل مقاوم منذ العام 2000 باستثناء حرب تموز التي حصلت بعد هذه العملية وجرت ما جرت على البلاد من ويلات. ماذا صنعتم من عمليات منذ العام 2000 إلى 2008 غير عملية تموز التي أحدثت ما أحدثته؟ المقاومة الاحتياطية هي مهمة الجيوش التابعة للدولة، أما مقاومة غير خاضعة للدولة فلا يمكن استمرارها.

ماذا عن العمليات التذكيرية التي كان يقوم بها الحزب بين الخروج الإسرائيلي في العام 2000 وحرب تموز 2006؟ 

– المقاومة ليست عملاً تذكيريًا، المقاومة عمل تحريري، والعمل التحريري هو عمل يومي، والمقاومة لا تكون احتياطية. لا يمكن أن تجمع الشباب وتنشئ لهم معسكرات التدريب وتقول لهم نقاوم عندما تعتدي علينا إسرائيل في العام 2010. بعض المقامات قال إن لا عدواناً إسرائيليًا قبل ثلاث سنوات، وكأنه يقرأ في الغيب. من يرد العدوان في كل الأحوال، هو الدولة والجيش  الذي يحمي الحدود، فليندمجوا عندئذ في هذا الجيش اللبناني.

قال السيد نصرالله أن ضعف الدولة اللبنانية هو الذي أفسح المجال أمام وجود مقاومة، وعندما تقوم الدولة القوية والقادرة تعالوا وتكلموا معنا؟ 

– لقد تخلت الدولة منذ اتفاق القاهرة عن واجبها في بسط سلطتها على الجنوب نتيجة الوجود الفلسطيني والأحزاب، وكان المطلب الثابت للجنوبيين وللإمام الصدر أن يصعد الجيش إلى الجنوب من أجل أن يمسك بالوضع ويبسط سلطة الدولة، وبقي هذا التخلي إلى العام 1990 عندما صعد الجيش اللبناني، وطالبناه بأن ينتشر إلى الحدود الدولية  حتى في منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية، ولكن بعض قوى الأمر الواقع وغيرها حالت دون انتشاره، فاكتفى بالوجود في منطقة صور وغيرها إلى أن تحررت الأرض الجنوبية في العام 2000 وبقي إشكال على مزارع شبعا وهو في طريقه إلى الحل عبر الأمم المتحدة وما شابه ذلك. لماذا رفضت القوى التي تولت أمن الجنوب تحت شعار أنها تملأ فراغ السلطة، مثل حركة أمل التي كانت تقول لم نحمل سلاحا من أجل أن نغتصب سلطة، إنما من أجل أن نملأ فراغ السلطة، صعود الجيش اللبناني في العام 2000؟ وطالما أن السلطة وجدت وملأت الفراغ، عليهم أن يفسحوا في المجال أمام الجيش اللبناني للإمساك بالوضع في تلك المنطقة. جملة من الأحزاب اندمجت في الجيش وسلمت سلاحها، لكن بقي السلاح الأكثر فعالية مع حزب الله. كان هناك من مبرر، على سبيل المثال، إلى سنة 2000، وفي اعتقادي لم يعد ثمة من مبرر منذ العام 1990 لهذا السلاح لأن الجيش اللبناني كان قادرا على بسط سلطته هناك. الادعاء بأن الدولة غير قوية وغير قادرة انتهى، وهو ادعاء ساقط. ولكن لنفترض أن غياب الدولة امتد من اتفاق القاهرة إلى العام 2000 وفق رواية حزب الله، وأن ثمة ضعفاً في العديد أو العتاد، انخراط الحزب في الجيش يزيده قوة إلى قوة. 

هل الهدف من وراء احتفاظ حزب الله بسلاحه التحرير، أم أنه وسيلة بغية السيطرة على القرار السياسي اللبناني؟

– لم يعد ثمة من مبرر لبقاء سلاح حزب الله خارج سلطة الدولة اللبنانية وخارج القرار السياسي لهذه الدولة بعد أن تحررت الأرض، ومزارع شبعا وقضية الأسرى في طريقهما إلى الحل عاجلا أم آجلا، وبالتالي لا يمكن أن نرهن وضع المنطقة والبلد وإبقاء الجنوب ساحة معرضة لأكثر الأخطار من أجل قضية هي في طريقها إلى الحل. يعيش حزب الله في حال عقدة بأن مكانته المميزة في لبنان والعالم العربي اكتسبها من خلال السلاح، أي القوة، بينما السلاح ليس مصدر المكانة المميزة في العالم العربي أو في لبنان، وأكبر دليل أن العماد عون الذي يقول الحزب عنه إنه يمثل القوة المسيحية الأكبر ليس لديه تنظيم مسلح.

ألا تعتقد بأن القرار 1701 أنهى الدور الإقليمي لحزب الله، الأمر الذي دفعه الى الارتداد إلى الداخل؟

– هذا سوء أداء. القرار 1701 يعني حضورًا دوليًا فاعلاً ومؤثرًا في الجنوب، وفقدان حزب الله الغطاء الدولي والمحلي لأي حرب بينه وبين إسرائيل، إلى أنه لم يعد حرا في حركته كما كان سابقا.  كان يفترض بالحزب بعد هذا القرار أن يعمل على تعزيز مكانته، فهو لديه شيء يريد أن يشتريه كل اللبنانيين والعرب والمجتمع الدولي ويمنحه رصيدا على المستوى المعنوي وينعكس قوة سياسية وتأييدا شعبيا له إلى عشرات السنين في المستقبل. ما أخشاه أن يصل حزب الله في مرحلة من المراحل إلى أن هذا الشيء الذي اشتد عليه الطلب من المجتمع اللبناني والعربي لا يجد فيه من يشتري منه، وبالتالي عليه أن يبادر سريعا الى الإعلان عن انتهاء تكليفه بالعمل المقاوم، واستمرار هذا التكليف  في بناء الوطن وتأهيل مؤسساته. 

ثمة تحول في أدبيات حزب الله من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي إلى مقاتلة المشروع الأميركي؟

– لا يمكن لحزب الله أن يأخذ دورا منفردا. لبنان في النهاية ليس لحزب الله، والطائفة الشيعية ليست لحزب الله. فهو يعيش في وطن العيش المشترك، وله شركاء، على المستوى الوطني له شركاء، وعلى مستوى الطائفة أيضا له شركاء. يطالب الحزب الحكومة اللبنانية بالمشاركة ويرفض مشاركة أبناء الطائفة الشيعية في القرار. هل يعقل أن يتخذ حزب الله قرارا يجر فيه الطائفة الشيعية واللبنانيين إلى ما يريده وحده؟ أم ينبغي أن تكون هناك إرادة مشتركة في مواجهة أي مشروع من المشاريع، فهم يطلبون شيئا من الحكومة ويرفضونه داخل الطائفة. الإمام الصدر كان يقول الجنوب أمانة يجب أن تحفظ بأمر من الله والوطن، وكان يعني حفظ الأمانة من خلال وجود الدولة ومؤسساتها وفي طليعتها الجيش اللبناني، هذا ما كان الإمام الصدر يريده، لا كما حاول البعض أن يخفي على الناس حقيقة الأمر وأن يفسر مقصد الإمام الصدر على هواه بأن حفظ الأمانة يعني حفظ المقاومة. الإمام الصدر كان يقول يجب أن يحفظ الجنوب من خلال مشروع الدولة ومن خلال الجيش اللبناني الذي طالب مرارا بانتشاره على كامل الأرض اللبنانية وخصوصا الجنوب. يمكن للمرء أن يفكر وحده، لكن لا يمكنه أن يتخذ قرارا وحده. القرار يتخذ في حال الاشتراك وحال التفاهم والتحاور.

هل يمكن الوصول إلى تسوية مع حزب الله؟

– المشروع السياسي الذي يتبناه أي فريق ينبغي أن يكون انبثاقا من واقع العيش الذي يعيشه، لا يمكنني الآن أن أتبنى مشروعا سياسيا في لبنان العيش المشترك ولا أتحاور مع الفريق الآخر. إسقاط المشروع الأميركي أو مواجهة إسرائيل منفردين هي من الأمور الكبيرة والخطيرة جدا، لا يصح أن يأخذ القرار فيها حزب وحده أو طائفة وحدها أو جماعة سياسية وحدها.

هل حزب الله في وارد تسليم سلاحه؟

– لم يظهر إلى الآن أنه في هذا الوارد.

كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة ؟

– بمزيد من الحوار والتفاهم، لأنه قدرنا، أي قدر المجتمع الذي يعيش في بيت واحد، أن نتفاهم ونبحث عن الصيغة التي تنظم مثل هذا التنوع ومثل هذا الاختلاف داخل الدولة لا في معزل عنها.  

هل المشكلة تكمن فقط في الدور اللبناني لحزب الله أم في دوره الإقليمي الذي تقف وراءه إيران؟

– إذا كان ثمة من دور لبناني صرف فقد انتهى في العام 2000، لكن بعد هذا التاريخ لم يبق من دور على المستوى الوطني لهذا السلاح، وبالتالي كان يجدر بحزب الله أن يدخل العملية السياسية ويخرج من العملية العسكرية، ويتحول جهده في اتجاه بناء دولة المؤسسات والقانون. 

ما رأيك في ما ذهبت إليه قوى 14 آذار في وثيقتها السياسية من إبراز ثنائية الخصومة-التواطؤ بين إيران وإسرائيل؟

– لا أعتقد أن هناك تواطؤا إنما تقاطع في بعض الأعمال، باعتبار أن التواطؤ يعني أن هناك تخطيطا مشتركا ولقاءات مشتركة، وهذا الأمر لا أعتقد أنه موجود، لكن ما تفكر به إيران من توسيع لنفوذها على حساب دول وشعوب وطوائف في المنطقة يمكن أن تستفيد منه إسرائيل بإضعاف الكيانات العربية. 

هل الخلاف القائم اليوم هو حصرا سياسي أم له بعد ثقافي؟

– الخلاف السياسي القائم ليس اختلافا بين موالاة ومعارضة على الإدارة وتنافسًا على الأفضل. لا شك في أن قسمًا من هذه الخلافات له خلفية ثقافية وفكرية مرتبطة بطبيعة النظرة إلى الدولة والمنطقة والعلاقات الدولية.

هل المشكلة لها علاقة بولاية الفقيه ومحاولة تعميمها على مستوى الساحة الشيعية؟

– لم تعد ولاية الفقيه اليوم مسألة فقهية وفكرية، إنما أصبحت عبارة عن القيادة السياسية للحاكم في إيران، أي للفقيه، باعتبار أن الحاكم في إيران هو الفقيه، وهناك عملية إيمان بقيادته السياسية، وعندما يكون هو قائد المشروع السياسي، سيأخذون منه أمورًا أخرى مرتبطة بالثقافة مثل العادات والتقاليد التي بدأت تنتقل من اللهجة في قراءة الدعاء، وهي قريبة من اللهجة الإيرانية، إلى طريقة الملبس وغيرها من العادات. هناك شيء من التأثر. حزب الله وغيره من بعض الحركات الإسلامية في الوطن العربي يؤمنون بقيادة الفقيه السياسية والدينية. ولكن هذا أمر لا يعني الطائفة الشيعية، هناك مجموعة من الطائفة الشيعية تؤمن بهذا الأمر، ولها كامل الحرية بأن تؤمن أو تعتقد بما تريده، لبنان هو وطن الحريات، لكن لا يمكنها أن تجر البلاد إلى حيث تريد، أو أن تستقل بالقرار وحدها.

دعا الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين الشيعة إلى الاندماج في مجتمعاتهم ودولهم، بينما الأولوية بالنسبة إلى حزب الله هي إيران لا لبنان. 

– لا شك في أن لحزب الله ارتباطاً سياسيًا ودينيًا وثقافيًا بإيران، الأمر الذي يجعله أكثر طاعة وانسجاما مع المشروع الإيراني في لبنان، وأعتقد في حال تعارضت مصلحة الدولة الإسلامية مع المصلحة اللبنانية يمكن أن يقدموا مصلحة الدولة الإسلامية. كان هناك شعار يرفع في الجنوب في الثمانينات من بعض المسؤولين الإيرانيين الذين جاؤوا إلى الجنوب وحصل على أثره خلاف كبير بين حركة أمل وحزب الله: فليحترق الجنوب ولتسلم إيران، وهذا يكشف عن أن الأهم والأولى هو مراعاة مصلحة الدولة الإسلامية في الدرجة الأولى.

هل يمكن أن يبدي حزب الله في المستقبل الخيار اللبناني على الإيراني، أم أن هذا الرهان في غير محله؟

– التجارب في الكثير من الأحيان تغير آراء الانسان وأفكاره، وأعتقد بأن حزب الله في كثير من قواعده وقياداته له تجربة كبيرة، وهذه التجربة جعلت بعضهم يقتنع بأن لا تنافي بين أن يقدم المرء مصلحة وطنه وشعبه وبين انتمائه الديني الأوسع، لأن الانتماء الديني الأوسع إلى الإسلام يدفع في اتجاه أن يحافظ الانسان على وطنه. وقد رفعت في مطلع التسعينات شعارا، حتى قبل وصايا الإمام شمس الدين، من أن الروابط الدينية والمذهبية لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان، وعلاقة الانسان بوطنه تنشأ منذ ولادته، وهذه العلاقة أثبت من الارتباط الديني الذي جاء في ما بعد من أجل أن ينظم العلاقة بين الانسان ومحيطه وشعبه ووطنه، ومن أجل أن يرسخ هذا الارتباط لا من أجل أن يسلخه، ولذلك جاء الدين ليقول حب الأوطان من الإيمان، وبالتالي على حزب الله أن يصل إلى هذه النتيجة بأن الارتباط الوطني والانتماء الوطني والولاء الوطني لا تتنافى إطلاقا مع الولاء للدين في الدائرة الأوسع، لأن الدين يريد ترسيخ هذه العلاقة، ولذلك جاء أيضا في بعض الأحاديث المأثورة إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل، فانظر حنينه إلى وطنه. 

كيف يمكن الوصول إلى هذه النتيجة بتلافي مزيد من الخسائر؟

– يجب أن نواصل الحوار والتفاهم والدعوة إلى التلاقي، لا مفر في نهاية المطاف إلا من الوصول إلى هذه النتيجة. الدولة تتحمل بدورها قسمًا من هذا الأمر بسبب تلزيمها المواطنين والجماعات لأحزاب معينة، بدلا من أن تكون علاقة المواطن بالدولة مباشرة. هناك تقصير مزمن في هذا الشأن،  لتبنى الدولة على أساس من المواطنية يجب أن يشعر المواطن بأن حقوقه يأخذها مباشرة من الدولة، لا من خلال قوى أمر واقع تمدها الدولة بالإمكانات.

هل تدفعون في اتجاه حث المسؤولين على تغيير هذه الذهنية في التعاطي؟

– ثمة كلام متكرر في هذا الشأن، وأعتقد بوجوب أن نصل إلى شيء من هذا القبيل في وقت قريب. لا يجوز أن يحصل المواطن على حقه عبر قوى الأمر الواقع. هذا الأمر مرفوض.

هل تخشى من الفتنة المذهبية بعدما أعادت إيران استنفار الحال المذهبية السنية-الشيعية؟

– الفتنة المذهبية ليست لمصلحة إيران ولا لمصلحة الشعب الإيراني ولا الإسلام الذي يرفعون لواءه، لأن الاختلاف بين السنة والشيعة سيقضي على الجميع. أعتقد أن إيران هي القادرة فعليا على أن ترسخ عملية الوحدة الحقيقية بين السنة والشيعة من خلال ممارسة نظامها داخل إيران ومن خلال علاقاتها خارج إيران، لنا ملاحظات حتى على أداء النظام الإيراني داخل إيران، هناك عملية إقصاء للسنة في طهران. يجب أن تحسن إيران أداءها انطلاقا من الداخل الإيراني أولا ومن ثم في الداخل العربي، وهذا لمصلحتها ولمصلحة العرب والمسلمين عموما ولمصلحة المنطقة.

هل لسوريا مصلحة في استقرار النظام اللبناني وإقامة علاقات ندية بينها وبين لبنان؟

– لبنان المستقر والمزدهر هو مصلحة لسوريا، ففي حال عمت الفوضى لا سمح الله في لبنان، هل ستكون سوريا في منأى عن هذا الأمر. لن تكون بالتأكيد في منأى عنه، ولذلك من مصلحة سوريا أن يكون هناك استقرار في لبنان، وأن تكون هناك دولة المؤسسات والقانون التي كان يشكل لبنان عبرها دائما جسر التواصل بين العرب والغرب. كادت إسرائيل في العام 96 تضرب سوريا في شكل واسع، ولكن رئيس وزراء لبنان الرئيس الشهيد الحريري ذهب إلى العالم يتنقل من دولة إلى أخرى محذرا من ضربها، وبالتالي لبنان ينفع سوريا والعرب.

ألا تعتقد بأن تعميم الفوضى في لبنان هو مفتاح العودة السورية إليه انطلاقا من عجز اللبنانيين على حكم ذاتهم بذاتهم؟

– لبنان في العام 2008 يختلف عما كان عليه في العام 1975 عندما كانت المنطقة العربية برمتها خاضعة لتوازنات الحرب الباردة وفي ظل غض نظر دولي. لبنان والمنطقة كلها الآن تحت المجهر الدولي، ولذلك لن يسمح بأن تحدث الفوضى في لبنان، وفي حال حدوثها لن تبقى محصورة فيه، بل ستنتشر وتتمدد.

هل كنت لتؤيد المشاركة في القمة العربية؟

– المشاركة أمر جيد، إنما في حال شارك لبنان أم لم يشارك، سيكون أكثر الحاضرين ولو كان غائبا.

هل تتوقع انتخاب رئيس للجمهورية، أم لا انتخابات رئاسية حتى إشعار آخر؟

– ما سمعناه بعد زيارة الوفد البرلماني العربي إلى الرئيس بري هو أنه يستبعد أن يكون هناك حل طالما أن المشكلة العربية وتحديدا الـ س-س كما يقول لم تعالج بعد، هذا الكلام لا يبشر بالخير. بدلا من أن يكون المجلس النيابي الذي انتخبناه حلالا لمشاكلنا، إذا بنا نطلب الحلول من الخارج. نحن جئنا بنواب ورئيس مجلس من أجل أن يحلوا لنا مشاكلنا، وإذا بالذي نريده أن يحل مشاكل الشعب اللبناني ومشاكل السلطة يقول اذهبوا إلى الخارج وأتونا بالحل! لماذا انتخبناهم إذا؟

هل تدعو قوى الأكثرية في حال استمرار الفراغ إلى استعمال حقها الدستوري والقانوني لانتخاب رئيس للجمهورية؟

– هناك حق دستوري وقانوني، لكن لماذا يجب أن يكون بالنصف زائد واحدا ما دام أن المعارضة والموالاة توافقا على العماد سليمان؟ لماذا لا يكون انتخابه بالإجماع؟ الشيء المنطقي والمعقول أن في كل بلدان العالم عندما يختلفون على مجموعة قضايا يبدأون بحلها من الشيء المتفق عليه، وينتقلون من المتفق عليه إلى المختلف عليه، وطالما ثمة اتفاق على العماد سليمان، فلينتخبوه وينتقلوا بعدها إلى معالجة النقاط الأخرى. الرئيس بري يقول أن مجلس النواب لا يجتمع للحكومة غير الشرعية، فلماذا لا يجتمع لانتخاب رئيس للجمهورية؟ مما يعني أن المجلس مغلق في وجه انتخاب رئيس للجمهورية، لأنه خلاف ذلك يعني مشاركة كتلة الرئيس بري والبعض من كتلة عون لإنجاز العملية الانتخابية.

من الذي يعرقل الانتخابات الرئاسية ويعطل المؤسسات الدستورية؟

– الارتباطات الخارجية بإيران وسوريا ومحاولات الابتزاز لمزيد من النفوذ والسلطة في الداخل. 

هل تتوقع عودة الشيعة إلى السقف اللبناني؟ 

– لم تخرج الطائفة الشيعية عن السقف اللبناني. هناك جماعات حزبية واعتقد بأن خروجها هو خروج مرحلي وآني نتيجة ارتباطات سياسية ومحاولات ابتزاز داخلية من أجل تعزيز بعض المواقع، ولكن الطائفة الشيعية لم تخرج من هذه الثوابت التي أعلنت عن نهائية الكيان اللبناني والعيش المشترك ومشروع الدولة والمؤسسات.