موقع المسلمين الشيعة في العالم العربي والإسلامي
إنطلاقاً من التقريب بين المذاهب الإسلامية
مقتطفات من كلام سماحة آية الله السيد علي الأمين في مؤتمر التقريب في لندن – مؤسسة الامام الخوئي
سنة 1999:
· دعوة التقريب من الأمور الراجحة في حد نفسها.
· الحث على التقريب في آيات قرآنية عديدة على سبيل الوجوب.
· التقارب ليس مصدرا من مصادر القوة فحسب بل مصدرا من مصادر الغنى والثروة الفكرية.
· التقريب بين المذاهب هو البحث عن القواسم المشتركة لإزالة الغربة بينها.
· دعوة التقريب هي العيش ضمن تعددية فكرية تحترم الاخر وتقبله كما هو.
· إختلاف الآراء وتغاير الأفكار والأنظار في فهم الشريعة وأحكامها أمر مشروع له مبرراته
· لا يوجب إختلاف المجتهدين داخل المذهب الواحد الخروج عن دائرة المذهب والإسلام
· لا يبقى معنىً لتخوف بعض الشيعة من الذوبان في الغالبية الإسلامية غير الشيعية لأن المسلمين الشيعة وغيرهم ملزمون بالعمل بكتاب الله وبسنة رسوله الثابتة
· ان المسلمين والمؤمنين جسد واحد ليس فيهم قليل يخشى من الكثير ولا كثير يريد إلغاء القليل
· دلَّت هذه الروايات وغيرها على أن المسلمين جماعة واحدة لا يمكن أن نقطع منها قطعة ونقول عنها بأنها جماعة صغيرة أو جماعة كبيرة.
· إن مصطلح الذوبان يحتاج إلى تغاير بين الشيئين أو الأشياء التي يذوب بعضها في البعض الآخر ولا تغاير بين الشيء ونفسه كما لا تغاير بين الكل وأجزائه فإن الكل عين الأجزاء بالأسر كما جاء في كلام المحقق الآخوند في كفاية الأصول .
· إن الموجود هو الإختلاف في الآراء والأفكار خارج دائرة القوا سم المشتركة وهذا شيء لا يستلزم أن يكون المسلمون فرقاً وجماعاتٍ
· إن من يدعي الخوف على الشيعة من الذوبان من خلال دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية بداعي الحرص على الطائفة نقول له : لست أحرص من الإمام علي عليه السلام الذي رفع لواء التقريب ورفض التَّنافر والاختلاف ورفع شعار(لأسِّلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين)
· لنا في آيات سورة الحجرات خير دليل على مقومات المجتمع الإسلامي ومبادئه
· مواقف الإمام علي (ع) مع الخلفاء الراشدين أكبر شاهد على الحفاظ على مسيرة الوحدة والتّطبيع.
· لم يكن الإمام الحسين (ع) طامحاً لإقامة مشروع انفصالي يعزل الأمة بعضها عن البعض الآخر بل أراد مشروعاً توحيدياً على امتداد المساحة التي تعيش عليها أمَّة جدّه المصطفى (ص)
· وليس للشيعة من صيغة سياسية غير الصِّيغ التي تعتمدها شعوبهم في أوطانها لأّنهم جزء لا يتجزأ من تلك الشعوب التي انحدروا منها ويعيشون معها .
· المواطنية الصالحة هي الدليل على التشيع.
· قد وقف الإنسان الشيعي مربكاً أمام سيل تلك النظريات التي تجعل الفقيه حاكماً شرعياً ولا يحق لأحد سواه أن يتصدى لمسؤولية الحكم والسلطة
· كانت الحوزة العلمية والناس يدفعون ثمن هذه الجفوة نتيجة تلك النظرة إلى السلطة من دون أن يكون للحوزة ولا للناس أي مشروع لاستلام السلطة أو مواجهتها
· إن التشيع ليس انتماءاً على حساب الشعوب والأوطان
· إن إنتماء الإنسان إلى وطن وإلى قوم هو أمر سابق على الدين
· لايجوز أن تكون روابط الأديان على حساب الأوطان.
· ليس من الصحيح أن ينظر إلى الوطن على أنه كم من الطوائف والمذاهب بل هو وطن واحد لشعب واحد يحكمه نظام سياسي يساوي بين أفراد الشعب في الحقوق والواجبات.
· لا يجب أن يكون الحاكم من الطائفة الأكثر عدداً بل يجب أن يكون من الشعب ويكفي هذا الإنتماء.
· منطق الأكثرية العددية يسهل على الأعداء الطامعين بأوطاننا أن يزرعوا بذور الفرقة والشقاق بين أبناء الأمة الواحدة
· نحن كشعب لا نتضرر من مسيحية الحاكم كما لا ننتفع من كونه مسلماً فإن النفع والضرر يدوران مدار تحقيق العدالة وعدمها كما أشار الإمام علي (ع)إلى هذا المعنى.
· لا تصحُ ولاية مذهب على آخر ولا دولة على أخرى ولا يبقى موضوع لهذه الأولوية وهذه الأولوية لم تمنع من اعتراف الفاضل بالمفضول والتعايش معه
· الفعل الإرهابي المرفوض دينياً وإنسانياً وليد الإنتماء السياسي لهؤلاء الأفراد ولا علاقة له بالأديان والأوطان
· من الخطأ أن يسحب بعضهم الأولوية من الإمام علي (ع) إلى أولوية يثبتها للمذهب ورؤسائه
بسـم اللـه الرحمــن الـرحيــم
*دعـوة التقـريب :
إن المصدر الأساسي لدعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية –بعد كونها من الأمور الراجحة في حد نفسها – هو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد جاء الحث على التقريب في آيات عديدة من سور مختلفة منها قوله تعالى على سبيل الوجوب ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر …) –1- وأي خير أعظم من السعي إلى تقريب الأمة بعضها من البعض الآخر طلباً لوحدتها وتعزيزاً لقوتها .
والتقارب لم يعد مصدراً من مصادر القوة بين الأمم والشعوب فحسب بل اصبح في مفهوم العصر مصدراً من مصادر الغنى والثروة الفكرية لحضارة البشر جميعاً وعنواناً من عناوين الرقي والتقدم الذي يساهم في تطور المجتمع البشري وسيره نحو حياة مستقرة وآمنة .
ولا شك بأن المقصود من دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية هو البحث عن القوا سم المشتركة فيما بينها للإنطلاق منها في عملية التقريب وإزالة الغربة التي حصلت بفعل بعض المسائل الخلافية مع أنها تقل كثيراً عن المسائل المتفق عليها والتي تشكل أهم الركائز والأسس في عملية التفاهم والانفتاح بين المذاهب والشعوب .
ومن المضمون المتقدم لدعوة التقريب يظهر أن المقصود منها العيش ضمن تعددية فكرية تحترم الآخر وتقبل به كما هو دون سعي للإلغاء وفرض الآراء ، فإن إختلاف الآراء وتغاير الأفكار والأنظار في فهم الشريعة وأحكامها أمر مشروع له مبرراته التي ينبغي القبول بها من الجميع ما دامت منطلقة من الاجتهاد المشروع في دائرة الكتاب والسنة عندما يكون اجتهاداً في فهم الكتاب والسنة وليس اجتهاداً في مقابل الكتاب والسنة .
والحاصل أن التَّعددية الفكرية المنطلقة في الأصل من منبع واحد يتمثل في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويتمثل أيضاً بالسنة النبوية التي أمرنا الله أن نأخذ بها كما في قوله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا عنه ) . هذه التعددية يتسع لها ذلك المنبع الفياض الذي لا ينضب ومنه تكتسب الإجتهادات المختلفة شرعية القبول من خلال القوا سم المشتركة والأهداف الموحدة التي يجمعها السعي للوصول إلى أحكام الله سبحانه وتعالى وقد ورد في مضمون السنة المطهرة أن من بذل جهده في الوصول إلى أحكام الله تعالى كان مأجوراً إن أصاب وكان معذوراً إن أخطأ وفي بعض المضامين المروية ( أن المجتهد إن أصاب كان له أجران وإن أخطأ فله أجرُ واحد) .
وعلى كل حال فإن اختلاف الآراء وتعددها لا يوجب الخروج من ساحة الإستنباط المشروعة كتاباً وسنةً وكما لا يوجب إختلاف المجتهدين داخل المذهب الواحد الخروج عن دائرة المذهب والإسلام رغم تباعد آرائهم وتباينها أحياناً فكذلك يجب أن يكون الحكم عند إختلاف أصحاب المذاهب وأتباعهم فلا يجوز أن يكون هذا الإختلاف في هذه المسألة أو تلك موجباً للخروج عن دائرة الإسلام ما دام اجتهاداً في دائرة الكتاب والسنة لمعرفة حكم الله سبحانه وتعالى .
*خـوف الشيعـة مـن الـذوبـان :
وبعد الذي تقدم من معنى للتقريب بين المذاهب الإسلامية وبعد كون القرآن الكريم والسنة النبوية مصدرين للتقريب فلا يبقى معنىً لتخوف بعض الشيعة من الذوبان في الغالبية الإسلامية غير الشيعية لأن المسلمين الشيعة وغيرهم ملزمون بالعمل بكتاب الله وبسنة رسوله الثابتة وقد دلت الآيات القرآنية على وحدة الأمة الإسلامية وعلى لزوم الإعتصام بحبل الله وقد نهت عن التفرق وذمت الذين جعلوا دينهم شيعاً وقد أكَّدت السنة النبوية الثابتة على ان المسلمين والمؤمنين جسد واحد ليس فيهم قليل يخشى من الكثير ولا كثير يريد إلغاء القليل كما جاء في كنز العمال عن رسول الله عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة والسلام (المسلمون كالرجل الواحد)ج1-ح-759-760-. وفي نفس المصدر (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ج1-674- وفيه أيضاً( المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله) ج1-747-وفيه أيضاً (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم عليه النار) (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وآمن بالبعث والحساب دخل الجنة ) ولا يجازف من يدعي التواتر الإجمالي لهذه الروايات .
وقد دلَّت هذه الروايات وغيرها على أن المسلمين جماعة واحدة لا يمكن أن نقطع منها قطعة ونقول عنها بأنها جماعة صغيرة أو جماعة كبيرة فليس في هذه الجماعة إلا الكثرة لأنها تعتبر شرعاً بمثابة الجسد الواحد الذي تترابط أعضاؤه بعضها بالبعض الآخر .
ومن خلال ما تقدم من آيات وروايات لا نرى مبرراً لخوف بعضهم من ذوبان الشيعة في غيرهم فإن مصطلح الذوبان يحتاج إلى تغاير بين الشيئين أو الأشياء التي يذوب بعضها في البعض الآخر ولا تغاير بين الشيء ونفسه كما لا تغاير بين الكل وأجزائه فإن الكل عين الأجزاء بالأسر كما جاء في كلام المحقق الآخوند في كفاية الأصول .
إن الموجود هو الإختلاف في الآراء والأفكار خارج دائرة القوا سم المشتركة وهذا شيء لا يستلزم أن يكون المسلمون فرقاً وجماعاتٍ .
وإن من يدعي الخوف على الشيعة من الذوبان من خلال دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية بداعي الحرص على الطائفة نقول له : لست أحرص من الإمام علي عليه السلام الذي رفع لواء التقريب ورفض التَّنافر والاختلاف ورفع شعار(لأسِّلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين) ونقول له أيضاً :لست أكثر حرصاً على الشيعة من أئمة الشيعة الذين أمروا شيعتهم بالإنصهار مع المسلمين الآخرين وعلموهم كيف يصلون بصلاتهم وأن يعودوا مرضاهم وأن يؤدوا الأمانة لهم وأن تكون مواطنيتهم الصالحة هي الدليل على تَشيِّعهم حتى يقال رحم الله جعفراً فقد أَدَّب أصحابه هذا هو نهج أئمة الشيعة وديدنهم في توحيد المسلمين وسعيهم إلى نبذ الفرقة والإنفصال ولذلك لم يسع الأئمة عليهم السلام إلى إنشاء كيان إنفصالي عن الجسم الإسلامي العام بل بقوا جزءاً لا يتجزأ من عموم المسلمين .
هذا وقد كان لنا بحث في مسألة تعدد المذاهب تحت عنوان (إسلام بلا مذاهب)أو (الإسلام كما جاء)وقدمناه في مؤتمر سابق عقدته مؤسسة الإمام الخوئي المباركة في مدينة دمشق في العام الماضي ذكرنا فيه وجوها لحصول التّقارب والخروج من ضيق المذاهب .
*المجتمـع الإسـلامـي:
ولنا في آيات سورة الحجرات خير دليل على مقومات المجتمع الإسلامي ومبادئه التي تحكم العلاقات بين أفراده بعضهم مع البعض الأخر ومع الجماعات الأخرى في نمطٍ فريدٍ من العيش المشترك والإحترام المتبادل الذي تسوده القيم الإنسانية الرفيعة ، فهي تتحدث عن ركائز الأخوة بين المسلمين وهي الأيمان بالله والإيمان برسوله والإيمان باليوم الآخر هذه الأمور الثلاثة هي التي تشكل رابطة الأخوة بين المؤمنين وتترتب عليها الآثار الشرعية من لزوم المحبة والاحترام والتقدير والإخلاص وصيانة الحقوق بالإبتعاد عن كل ما يؤدي إلى زعزعة قواعد الأخوة فبعدما أرسى القرآن الكريم قواعد الأخوة بقوله تعالى ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم …) جعل ضوابط لهذه الأخوة والعلاقة لأن الإختلاف هو من طبيعة البشر كما قال تعالى ( ولا يزالون مختلفين) فنهى عن البغي فيما بينهم ونهى عن الغيبة والنميمة والسخرية والتنابز بالألقاب التي تزرع الحقد والضغينة ومن الملاحظ أنَّ القرآن الكريم أطلق عنوان الأخوة عليهم وهم مختلفون متنازعون إنه لا يريد إزالة الإختلاف ولكنه يريد أن يكونوا على قرب رغم الإبتعاد وعلى ائتلاف رغم الإختلاف فجعل الضوابط والموازين لسلوك بعضهم مع البعض الآخر إنهم يختلفون فكراً وسلوكاً ولكن عليهم أن يرجعوا إلى تلك المظلة الأوسع التي تبقى وارفة الظلال تتسع لهم رغم الإختلاف وتبقي عليهم عائلة واحدة قدرهم التواصل معها والمحافظة عليها وإن اختلفوا في بعض التفاصيل وهكذا الحال في العائلة البشرية الأوسع كما قال الله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) إن الهدف يبقى رغم التعدد والتنوع هو في التعارف والتواصل الذي يعني عيشاً مشتركاً تحكمه قوانين الحق والعدالة كما قال علي عليه السلام لمالك الأشتر عندما ولاًّه على مصر وأوصاه بالرعية من دون أخذ الدين أو السياسة بنظر الإعتبار (وأشعر قلبك المحبة للرعية –إلى أن قال-فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ).
*المشروع الشيعي:
لقد كان المشروع الذي سعى الأئمَّة إلى تحقيقه بعد وفاة رسول الله(ص)هو المشروع التوحيدي الذي يجمع عموم المسلمين وغيرهم ممن يعيش معهم على نفس الأرض والتاريخ وهذا ما أشار أليه الإمام علي (ع) في كلامه السابق الذي نقلناه عنه في عهده لمالك الأشتر عندما قال له : بأنّ الرعيّة صنفان إمّا أخُ لك في الدين أو نظير لك في الخلق فلم يكن لدى الإمام علي سوى مشروع يجعل من المواطنين في الدولة الإسلامية كتلة واحدة وجماعة متساوية في الحقوق والواجبات فلا مذهبية ولا فئّوية ولا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ إلاّ بالتقوى وهذا هو نهج القرآن ونهج رسول الله محمد(ص) في حياته وعلى هذا النهج سار الإمام الحسن (ع)وهو ما سعى إلى تحقيقه الإمام الحسين في ثورته على نظام يزيد الذي تنكّر لنهج الخلافة الراشدة وحَّول السلطة إلى ملك عضوضٍ للعائلة فخرج الإمام الحسين(ع)معلناً المشروع التوحيدي الذي سار عليه الإمام علّي والذي أرسى قواعده جّده النبيّ (ص) فقال:(إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر…) فلم يكن الإمام الحسين (ع) طامحاً لإقامة مشروع انفصالي يعزل الأمة بعضها عن البعض الآخر بل أراد مشروعاً توحيدياً على امتداد المساحة التي تعيش عليها أمَّة جدّه المصطفى (ص) وبعد استشهاد الإمام الحسين وأصحابه بدأت تظهر بوادر الإنقسام الحادّ في الأمة الإسلامية وأصبح قيام الأئمة بعد الحسين (ع) بأي عملٍ سوف يؤدي إلى ترسيخ الإنفصال في جسم الأمّة على المستوى السياسي وإيجاد الكيانات المتعددة فعمل الأئمة عليهم السلام بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) على رأب الصّدع الذي حصل ونأوا بأنفسهم عن أي مشروع إنفصالي وكانوا مع شيعتهم جزءاً لا يتجزأ من كيان الأمة الموحَّد وعملوا جاهدين على بقاء الشيعة مَّتحدين مع جسم الأمة الإسلامية الكبير ليس لهم من مشروع خاّصٍ بهم سوى مشروع الأمة العام وليس من تطلعات سوى تطّلعات الأمة نحو العيش بحرية وعدالة وكرامة ويشهد لذلك دعاء الإمام زين العابدين (ع) لأهل الثُّغور حماة الوطن الإسلامي آنذاك ويشهد لذلك مسيرة التطبيع التي كان يقوم بها من خلال التعاطي مع نظام الحكم الذي قتل أباه الحسين (ع) حيث كان يقول لو أئتمنني قاتل أبي على السيف الذي قتل به الحسين لرددته إليه ومواقف الإمام علي (ع) مع الخلفاء الراشدين قبل ذلك أكبر شاهد على الحفاظ على مسيرة الوحدة والتّطبيع .
وهذا هو النهج الذي يجب على الشيعة أن يسلكوه في عصر الغيبة فهم جزء لا يتجزأ من أمّة الإسلام الكبرى وليسوا فئة منفصلة عنها وبالّتالي ليس لهم من مشروع سياسي غير المشروع الذي تتبناه الأمة الإسلامية بشكل عام وليس لهم من صيغة سياسية غير الصِّيغ التي تعتمدها شعوبهم في أوطانها لأّنهم جزء لا يتجزأ من تلك الشعوب التي انحدروا منها ويعيشون معها .
*ولاية الفقيه والشورى بين الواقع والمثال :
وقد اضطربت الأفكار وتعددت الآراء في الآونة الأخيرة حول وجود مشروع سياسي للشيعة في العالم أو في أماكن تواجدهم وأخذ بعض المفكّرين والعلماء يبحثون عن نظرية الحكم عند الشيعة بشكل عام تارة وعن صيغة المشروع السياسي في بعض أماكن وجود الشيعة تارة أخرى حَّتى بدا وكأن الشيعة قوم يعيشون وحدهم وكأنهّم جسم منفصل عن أجسام شعوبهم وأممهم وأوطانهم وبدأ بعض الباحثين يتساءل عن هوية الإنسان الشيعي وكأنّه إنسان قادمُ من عالم آخر .
والذي ينبغي أن يقال في هذا المجال بأنّ كثيراً من الأبحاث التي برزت على السّاحة الفكرية من بعض علماء الشيعة ومفكّريها كالبحث عن نظرية الحكم عند الشيعة وأنهّا على نحو ولاية الفقيه الفرد أو على نحو شورى الفقهاء هي أبحاث نظرَّية ليس لها حظُّ في الواقع الذي تعيشه الشيعة في عالم اليوم والغد ولم يكن الماضي أحسن حالاً من الحاضر لأن الشيعة لم يكونوا وحدهم في يوم من الأيام وهذه الأبحاث تدور حول حاكمية الفقيه فرداً أو جماعة في مجتمع شيعي خالص وهذا الأمر لن يتحقق لا في دنياً ولا في آخرة هذا مع أنهّا نظريات لا يوافق عليها أغلب علماء الشيعة خصوصاً المحققّون منهم ، والحاصل أنّ هذه النّظريات التي طفت على السّطح ليس لها ارتباط بعالم الواقع الذي يعيشه الإنسان الشيعي الذي يتكوّن المجتمع منه ومن غيره الذي لم يسمع بهذه النظريات فضلاً عن أن يقبل بها مضافاً إلى ما عرفت من كونها غير مقبولة عند الفريق الأعظم من الشيعة أنفسهم .(أفنلزمكموها وأنتم لها كارهون ).
*إرباك الإنسان الشيعي :
وقد وقف الإنسان الشيعي مربكاً أمام سيل تلك النظريات التي تجعل الفقيه حاكماً شرعياً ولا يحق لأحد سواه أن يتصدى لمسؤولية الحكم والسلطة وبين الواقع المعاش فينظر حينئذ للحاكم الفعلي على أنه غاصب للسلطة ولا يمتلك الشرعية وعلى هذا الأساس قامت الجفوة بين الحوزة العلمية وبين السلطة وبالتالي بين الناس والسلطة وكانت الحوزة العلمية والناس يدفعون ثمن هذه الجفوة نتيجة تلك النظرة إلى السلطة من دون أن يكون للحوزة ولا للناس أي مشروع لاستلام السلطة أو مواجهتها وكأن المطلوب أن تدفع الشيعة ثمن تلك النظرة السلبية إلى السلطة من دون إمتلاك أدوات المواجهة سوى تلك النظرة غير الواقعية ومن دون أن تكون في وارد المواجهة أصلاً مع النظام القائم .
*روابط الأديان لا تقوم على حساب الأوطان :
ولذلك أرى أن يتجه البحث إلى جهات أخرى تنظر إلى واقع الشيعة وما ينبغي أن يكون عليه أمرهم وهم جزأ من المجتمعات التي يعيشون فيها والشعوب التي ينتمون إليها لأن التشيع ليس انتماءاً على حساب الشعوب والأوطان فالشيعة ليسوا قوماً وافدين على مجتمعاتهم وشعوبهم بل هم منها في الصميم فالشيعة في العراق جزء من شعب العراق وهم في انتمائهم القومي مع بقية أفراد الشعب العراقي على حد سواء ، والشيعة في لبنان جزء لا يتجزأ من شعب لبنان والشيعة في الخليج جزء لا يتجزأ من شعب الخليج وبعبارة أخرى إن الشيعة العرب هم جزء من الشعب العربي من المحيط إلى الخليج والشيعة في إيران هم إيرانيون وفي باكستان هم باكستانيون وفي أفغانستان هم أفغانيون وفي تركيا هم أتراك وهكذا والروابط الدينية فيما بينهم كما هي الروابط مع بقية المسلمين في دولهم وأوطانهم تستدعي المؤاخاة والتضامن ولا تستدعي الإلغاء والذوبان في ظل الواقع الذي تعيشه الشعوب في دولها وأوطانها فإن حب الأوطان من الإيمان كما جاء في الحديث المشهور ولا يوجد تناف بين الولاء للدين وبين الولاء للوطن والشعب فإن إنتماء الإنسان إلى وطن وإلى قوم هو أمر سابق على الدين وقد جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى ( وإنه ذكر لك ولقومك ) فقد صح إنتماء النبي إلى قومه ولم يكن هناك تناف بين انتمائه لقومه وبين شمولية مبادئه ورسالته وقد جاء في الحديث عن الإمام زين العابدين عليه السلام ( ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ولكن من العصبية أن يرى الرجل شرار قومه أفضل من خيار قوم آخرين) إنها قومية منفتحة على الشعوب والأمم تأخذ بقيم الإنسانية الرحبة .
فعلى مستوى الولاء للوطن والقوم لا فرق بين شيعي وسني ولا بين مسلم ومسيحي والروابط الدينية بين هذه الشعوب لا يجوز أن تكون على حساب أوطانها وشعوبها ودولها فشيعة العراق علاقتهم الدينية بشيعة إيران تعني مزيداً من التعاون والتواد ولا تعني انخراطاً في المشروع السياسي لشيعة إيران والعكس هو الصحيح وهكذا شيعة الخليج وشيعة لبنان وغيرهم فلكل منهم مشروعه المرتبط بشعبه ووطنه ومن هنا يجب التفرقة بين الشيعة والتشيع فالشيعة هم أبناء شعوبهم وأوطانهم تفصل بينهم الحدود والقوميات المتعددة والمشاريع والأنظمة السياسية المختلفة وأما التشيع فهو انتماء واختيار لنهج أئمة أهل البيت في الدين والحياة وقد عرفت أنه النهج التوحيدي الذي لم ينفصل عن واقع الأمة الإسلامية الواحدة وتطلعاتها (ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم أتعبدون).
*الشيعة بين الديمقراطية العددية والأقلية الدينية :
وقد طرح بعض العلماء فكرة سياسية حول وضع الشيعة في أوطانهم خارج إطار نظرية ولاية الفقيه أو نظرية الشورى متجاوزاً الواقع النظري إلى الواقع العملي للشيعة في أوطانهم وهي فكرة الديمقراطية العددية وهي فكرة تجعل المشاركة في السلطة السياسية قائمة على الكثرة العددية وقد ناقشنا هذه الفكرة مع أصحابها وقلنا لهم بأن هذه الفكرة تجعل من الشيعة في بعض البلاد في واجهة الأحداث ويدخلون مع الآخرين في نزاع حول السلطة وهذا يكرس الانقسام على المستوى الوطني وعلى المستوى المذهبي وليس من الصحيح أن ينظر إلى الوطن على أنه كم من الطوائف والمذاهب بل هو وطن واحد لشعب واحد يحكمه نظام سياسي يساوي بين أفراد الشعب في الحقوق والواجبات ويسعى إلى تحقيق العدالة الإجتماعية لمختلف الفئات فلا يجب أن يكون الحاكم من الطائفة الأكثر عدداً بل يجب أن يكون من الشعب ويكفي هذا الإنتماء إلى الشعب والوطن في أهلية الحكم من دون نظر إلى انتمائه الديني أوالمناطقي أو المذهبي فالمهم أن يكون الحاكم يسعى إلى تحقيق العدالة لكل أفراد الشعب فنحن كشعب لا نتضرر من مسيحية الحاكم كما لا ننتفع من كونه مسلماً فإن النفع والضرر يدوران مدار تحقيق العدالة وعدمها وقد أشار الإمام علي (ع)إلى هذا المعنى رداً على أولئك الذين رفعوا شعار (لا حكم إلا لله ) فقال عليه السلام كلمة حق يراد بها باطل ، نعم لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلاّ لله، وإنّه لا بدَّ للناس من أميرٍ برٍ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلّغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدوّ وتأمن به السُّبل ويؤخذ به للضّعيف من القوي حتى يستريح بُّر استراح من فاجر ) فإنّ هذا النَّص العلوِّي يكشف عن الدّور الذي يجب أن يقوم به الحاكم من جمع للثروة وتوزيعها توزيعاً عادلاً ويقاتل أعداء الوطن والشّعب ويحقق أمناً داخلياً ونظاماً قضائياً عادلاً يعطي الحق لصاحبه وإن كان ضعيفاً فمن خلال هذا الدور يكتسب الحاكم الشرعية لا من خلال انتمائه الديني أو المذهِّبي ولا من خلال كونه من الطائفة الأكثر عدداً .
ومن هذا المنطلق وسواه نرى أن الديمقراطية العددية توجد مشكلة للشيعة وليست حلاً لمشكلة وهي لا تقل إشكالاً وخطراً عن اعتبار الشيعة –كما ذهب بعضهم-أقلية دينية في المحيط الذي يعيشون فيه بل يمكن أن يقال بأن منطق الأكثرية العددية إذا صح في بعض الأماكن فهو الذي يتولد منه منطق الأقلية الدينية في أماكن أخرى وكلا الأمرين لا يمكن القبول به لما فيه من تكريس الإنفصال والانقسام على مختلف أتصعد الدينية والوطنية ممّا يسهل على الأعداء الطامعين بأوطاننا أن يزرعوا بذور الفرقة والشقاق بين أبناء الأمة الواحدة هذا مضافاً إلى أن كلا الأمرين ليس له أي سند حق من التاريخ الشيعي الذي صنعه أئمة الشيعة من أهل البيت الذين ابتعدوا عن منطق الإنفصال وبقوا رغم إقصائهم عن السلطة مع المشروع التوحيدي للأمة الواحدة ليس لهم من مشروع سواه وكانوا ينظرون إلى الأمة عل أنها نسيج واحد وجسم واحد لا فضل فيه لجماعة على أخرى وقد كان شعار علي عليه السلام (أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً) وكان شعاره( أيها الناس ضعوا تيجان المفاخرة وعرجوا عن طرق المتنافرة وشقوا أمواج الفتن بسفن النجاة …) وهو الذي كان يقول للمسلمين (فإياكم والتلون في دين الله فإن جماعة فيما تكرهون من الحق خير من فرقة فيما تحبون من الباطل وإن الله سبحانه لم يعط أحداً بفرقة خيراً ممن مضى ولا ممن بقي) .(وألزموا السواد الأعظم فإن يد الله مع الجماعة وإياكم والفرقة ) هذا هو المشروع التوحيدي الذي اعتمده الأئمة في حياتهم وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الشيعة في أوطانهم وشعوبهم يعملون بمنطق قواقعهم وحقيقتهم على أنهم جزء لا يتجزأ من المحيط الذي يعيشون فيه لهم نفس تطلعاته وآماله وقضاياه ومن الخطأ أن نتحدث عن الاندماج تارة أو عن الإختلاط أخرى لأنها ألفاظ تحمل معنى التعدد والتغاير والانقسام ومتى كان الشيعة غير مندمجين وغير منخرطين في أوطانهم ومع شعوبهم ؟.
*الشيعـة والإرهـاب:
إنّ الشيعة مع العرب والمسلمين جسد واحد كما أراد الله ورسوله وكما كان عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام وإن حصل شذوذ عن هذه القاعدة من بعض الأفراد فإنّ الشذوذ ليس مقصوراً على جماعة دون أخرى إنه شذوذ لا يرتبط بالمذاهب والأديان بل هو مرتبط بالمصالح الشخصية للأفراد والإنتماءات السياسية ولذلك كنا نقول من الخطأ الجسيم أن يقال عن الشيعة بأنهم إرهابيون من خلال ممارسة بعض الأفراد للإرهاب والخروج عن القوانين والأعراف الدولية لأن هذا الفعل لم يكن من منطلق ديني أو مذهبي فليس التشيع إلى الإمام علي هو الذي دفع البعض إلى ممارسة الإرهاب لأن علياً هو القائل ( بأن الخلقَ صنفان إما أخُ لك في الدين أو نظيُر لكَ في الخلق ) لقد كان هذا الفعل الإرهابي المرفوض دينياً وإنسانياً وليد الإنتماء السياسي لهؤلاء الأفراد ولا علاقة له بالأديان والأوطان ولذلك لا يوجد إرهاب أو ممارسة غير إنسانية من خلال الطوائف والأديان بل هو إرهاب ناشىء من الصراع السياسي بين الأنظمة التي تبيح لأنفسها استخدام الوسائل الغير المشروعة في المحافظة على بقاء أصحابها في السلطة التي يعمل أصحابها بمنطق (الغاية تبرر الوسيلة ) وهذا ما كان يرفضه الإمام علي عندما قال ( قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ولكن دونها حاجز من أمر الله ونهيه وإنما ينتهزها من لا حريجة له في الدين ) وهو الذي كان يقول ( لو أعطيت الأقاليم السبع على ان أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعير ما فعلت…)وهو القائل لابن عباس (ما قيمة هذه النّعل )قال ابن عباس(لا قيمة لها ) قال عليه السلام (والله لهي أحبُ أليَّ من إمرتكم إلاّ أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً ).
هذه هي الخطوات العريضة لممارسة السلطة في الإسلام وكل عمل خارج هذه الخطوط والدوافع لا ينتسب إلى الإسلام في شيء فإذا كان الإسلام ديناً لإقامة الحّق والعدل فكيف يجوز إقامة هذا الحقّ على جماجم الأبرياء وحقوق الضّعفاء وانتهاك الحرمات وهو الدّين القائل_( وكرَّمنا بني آدم ) . وخلاصة القول إن الطّائفة الشيعية هي جزء لا يتجزَّأ من الأمّة العربيّة والإسلامية لها ما لسائر أفراد الأمّة وعليها ما على سائر أفراد الأمة وليست الطائفة الشيعية فريقاً منفصلاً عن الأمّة لنبحث عن حقوقها تارة في العراق وأخرى في لبنان وثالثة في الخليج وهكذا ، إنّ العمل الدينيّ الصحيح والعمل السياسي الصحيح هو الذي يحمل عنوان الوحدة والألفة بين كلِّ فئات الشعب وأفراده من أجل حصول العدالة والتّقدم للشعوب والأوطان .
*ترك نظرية الأولى في الحكم والسلطة :
إنّ نظرية ولاية الفقيه أو ولاية الفقهاء التّي تعتبر أن السلطة لا يتولًّى شأنها إلاّ الفقيه قد تأثرت بشكل وآخر بمسألة الخلافة بعد رسول الله (ص) وبمن يملأ فراغ السلطة والقيادة بعد وفاته وقد أجمع علماء الشيعة على أن الإمام علي عليه السلام هو الأولى بالحكم وصاحب الحق بالخلافة اعتماداً على النصوص المتواترة والواردة عن رسول الله (ص) فالأولى هو الأفضل والإمام كان أفضل الخلق بعد الرّسول .والذي نراه أنّ البحث في هذه المسألة له ارتباط بالأصول التاريخية للحكم والسلطة بعد النبيِّ (ص) وليس له علاقة بعصر المذاهب والدول والأوطان حيث لا تصحُ ولاية مذهب على آخر ولا دولة على أخرى ولا يبقى موضوع لهذه الأولوية وهذه الأولوية لم تمنع من اعتراف الفاضل بالمفضول والتعايش معه من دون ان يكون للفاضل مشروعه الخاص سوى المشروع العام للأمة من دون نظرٍ إلى أولوية الرأس بل كان المهم أن يعمل هذا الرأس على تأمين سلامة الأمة في دينها ودنياها كما أشار الإمام علي إلى هذا المعنى بقوله (لأسلِّمنَّ ما سلمت أمور المسلمين…).
وهذه الأولوية التي ثبتت للإمام علي (ع) لم تثبت له من خلال الوصف المذهبي فهو لم يكن إماماً لمذهب أو جماعة بل كان إماماً للمسلمين ولذلك نقول من الخطأ أن يسحب بعضهم الأولوية من الإمام علي (ع) إلى أولوية يثبتها للمذهب ورؤسائه لأن تلك الأولوية كانت للإمام بخصوصياته على مستوى المشروع العام للأمة وليس على مستوى طائفة أو مذهب فإذا آمن الشيعة بهذه الأولوية في مسألة الخلافة والحكم فلا يصح أن يعيش بعضهم هذه الأولوية لنفسه على مستوى السلطة والحكم لما عرفت من أنَّ هذه الأولوّية ليست الصّيغة الوحيدة لإدارة السلطة والحكم بل لعّلها الصّيغة النادرة في حياة الأمم والشعوب قديماً وحديثاً .
وقد تكون ولاية الفقيه ناشئة من هذه الأولوية التي انتفى موضوعها هذا مضافاً إلى ما عرفت من حاجة هذه النّظرية إلى المجتمع الشيعي الخالص لتطبيقها وهذا أمرُ ليس له وجودُ في صفحة الواقع هذا مع أن النظام السياسي المعتمد على ولاية الفقيه المنبثقة من ولاية الأَوْلَى لم يعتمد على هذه الولاية في داخل النظام وهذا تأييد عملي لعدم تعميم هذه النظرية (ولاية الأَوْلىَ) على الحياة العملية وخلاصة القول أن أولوية الإمام علي بالحكم شيء وأولوية الشيعي بالحكم شيء آخر لا علاقة لإحداهما بالأخرى فالشيعي وغيره في مسألة الحكم على حدٍّ سواء، فهما من عائلة واحدة ومن وطن واحدٍ والشرعية يستمدها الحاكم من تجسيده للعدالة في البلاد والعباد وليس من خلال انتمائه المذهبي أو الدّيني كما تقدّم في فصل سابق من هذا البحث .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.