نظرة في كتاب الكافي وغيره من كتب الأحاديث
– سؤال موجّه إلى العلاّمة السيد علي الأمين: ما هو رأيكم في كتاب الكافي وغيره من الكتب الجامعة للأحاديث والروايات؟
– الجواب: قد أبلى علماء الحديث وعلماء الرجال البلاء الحسن في تتبع رواة الأحاديث وجمعها ووضع الضوابط في الرفض والقبول والجرح والتعديل، وقد بالغ بعضهم في تلك الضوابط ممّا جعلنا نخسر كثيراً من الرّوايات، وأعتقد أن الرجوع إلى قواعد علم أصول الفقه في إثبات حجيّة الأخبار يمكن اقتصارها على اعتبار الوثاقة كما جاء في آية النبأ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وبذلك يتم التعديل لبعض المعايير التي جعلت من بعض المصطلحات موضوعاً مستقلاًّ في قبول الرواية ورفضها كالصّحيح والحسن والموثّق والقوي والضعيف وغيرها من العناوين التي لم ترد في الكتاب والسنّة. ويظهر من تتبّع كتب الحديث أن الغرض الأساسي كان من تصنيفها الحفاظ على السنّة النبوية بوصفها أثراً واجب الإتباع،وقد تركز اهتمام أصحابها في الدرجة الأولى على جمع ما وصل إليهم سماعاً من الرواة في عصرهم عن الطبقات السابقة أو من خلال ما وجدوه في كتبهم التي دوّنت فيها أحاديثهم، وإن كان بعضهم قد تحرّى عن خصوص الصحيح منها فيما جمعه فهو قد جمع ما صحّ بنظره، وهذا لا يكفي في صحّة الحديث عند غيره، بل لا بدّ من استئناف البحث والنظر في رجال الحديث الذين اعتمد عليهم جامع الحديث، لاحتمال استناده في الصحّة إلى نظره واجتهاده، ومن المعلوم أن اجتهاد شخص لا يكون حجة على مجتهد آخر، ولذلك قد استقر رأي المحققين على أن كتب الأحاديث لا يمكن الحكم بصحة جميع ما روي فيها لاشتمالها على الصحيح وغيره، وإطلاق إسم الصحيح على كتاب من قبل مؤلفه وغيره لا يجعل من المسمّى صحيحاً بكل محتوياته، فإنه لا يوجد-بحسب اعتقادنا- كتاب صحيح كله سوى كتاب الله سبحانه وتعالى وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولذلك فإن المنهج العام المعتمد عند عموم الفقاء والمجتهدين لدى استنباط الأحكام الشرعية من السنة النبوية الشريفة المروية من طرق أئمة أهل البيت وغيرهم يقوم على التثبت من صدورها أولاً، وهذا ما يعبر عنه بالبحث عن السند ورجاله، وثانياً في البحث عن دلالة الحديث المروي، ولا يكفي في ثبوته وجواز العمل به مجرد وجوده في كتب الحديث كما تقدم، ولذلك تعددت كتب الروايات والمستدركات عليها كما تعدّدت كتب الجرح والتعديل، وهذا يعني عدم وقوف الصحيح عند كتاب واحد .
والرأي المختار في عموم كتب الروايات والأخبار أنها كالبحار تشتمل على الجواهر والدرر والأحجار ويحتاج الوصول إليها والتمييز بينها إلى البحث من أهل الإختصاص والإختبار.
وعلى هذا الأساس فإن كتاب الكافي للشيخ الكليني وغيره من كتب الأحاديث المشتملة على الروايات لا نحكم بصحة كل ما روي فيها، وهذا ما يشهد له الواقع في هذا الكتاب وغيره من خلال العثور فيها على أخبار غير صحيحة بحسب مصطلحات علم الحديث، وقد أحصى بعضهم أحاديث كتاب الكافي فبلغت ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً، وأن الصحيح منها بالمعنى الإصطلاحي خمسة آلاف واثنان وسبعون حديثاً، ولذلك لا تستغني عملية استنباط الأحكام الشرعية من رواياته وروايات غيره من النظر في كل رواية سنداً ودلالةً، ولا يصح العمل بالرواية لمجرد وجودها في الكتاب. وقد تواترت الأخبار عن أئمة أهل البيت بقولهم بلزوم عرض ما روي عنهم على القرآن والسنّة الثابتة عن رسول الله(ص)، وفيها أن (ما خالف قول ربنا لم نقله، وأنه زخرف باطل، واضربوا به عرض الجدار).
ومن خلال ما تقدم مضافاً إلى هذا الميزان المعلوم صدوره عن أئمة أهل البيت يتبيّن لنا أن الأخبار المروية عنهم في كل كتب الحديث لا بد من عرضها على الكتاب والسنّة الثابتة وأن الأحاديث المخالفة لهما لا تصح نسبتها إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام ولا يصح العمل بها وإن وجدت في كتاب الكافي وغيره.
والله نسأل أن يوفقنا إلى الصواب وآخر دعوانا إن الحمدلله رب العالمين