الخميس , مارس 28 2024

الشبكة الليبرالية السعودية تحاور العلامة السيد علي الأمين ـ الجزء الثالث

المصدر

الشبكة الليبراللية السعودية

الموضوع

حوار مع العلامة السيد علي الأمين

التاريخ

تموز / 2011م

التسلسل الرقمي

الحلقة الثالثة

 

 

الهوية الدينية والوطنية والثقافات المشتركة

س ـ ماهي منزلة (الوطن) بالنسبة للاسلام ؟

 ج ـ إن الهوية الدينية التي يكتسبها الإنسان من خلال إيمانه برسالة من الرسالات السَّماوية، تأتي في المرحلة المتأخرة عن اكتسابه للهوية الوطنيَّة التي يكتسبها من خلال كونه جزءاً من شعب وأمة جمعت بين أفرادها روابط العيش معاً في الأرض والتاريخ والثقافة التي تشمل اللغة والعادات والتقاليد والتجارب .

وهذه الروابط التي تلتقي فيها أفراد وجماعات من الناس، تجعل منهم شعباً واحداً وأمَّة واحدة، وتجعل من الأرض التي يعيشون عليها وطناً لهم،ولذلك يدخل الشعب في تعريف الوطن ويدخل الوطن في تعريف الشعب. وهذا يكشف عن العلاقة الوثيقة بين الإثنين، تصل إلى درجة التلازم وعدم الإنفكاك بينهما.

 فلا وطن بدون شعب. لأن الوطن بدون شعب يصبح قطعة أرض جامدة قد تحكي قصص الغابرين . والشعب بدون وطن يتحول الى مجموعات من المهاجرين واللاجئين الذين ينصهرون في غيرهم ولو بعد حين .

وهذه الدرجة من الإلتصاق بين الشعب والوطن والدخيلة في اكتساب الفرد للهوية الوطنية، تفسر لنا في بعض وجوهها، مدى ارتباط الإنسان بشعبه ووطنه، وحبّه لهما، والتّضحية في سبيلهما، حتى ليبدو أن حبّ الشعب والوطن من أعظم الفضائل التي يسعى العقلاء للتَّحلي بها والحصول عليها ولذا تراهم يفخرون بأوطانهم وتاريخ شعوبهم وهذا ما ينسجم مع القول بأنّ حبَّ الإنسان لشعبه ووطنه، هو حبٌّ غريزي يولد مع الإنسان ذي الفطرة السليمة التي تشترك فيها الأمم والشعوب على اختلاف أعراقها ولغاتها وعاداتها .

وفي بعض النصوص المأثورة  ما يتفق مع هذا القول من خلال دعوتها لحب الأوطان والتمسك بها والدفاع عنها ، منها:  ” حب الأوطان من الإيمان “. ومنها ” إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل فانظر حنينه الى وطنه ” . ومنها في حبِّ شعبه وارتباطه بقومه ” ليس من العصبيَّة أن يحب الرجل قومه ولكن من العصبيَّة أن يرى شرار قومه خيراً من خيار قومٍ آخرين ” وهذا ما يدلنا على عدم تنافي روابط الإنسان مع وطنه وشعبه مع روابط الدين والعقيدة أو ما يسمى بالهويَّة الدينيَّة، لأن في الدين من التّعاليم ما يأمر الإنسان بالمحافظة على تلك الروابط التي تتشكل منها الهويَّة الوطنيَّة.

ويؤيد هذا الإنسجام بين الهويتين الوطنية والدينية، أن الشريعة قد أوجبت الجهاد الدفاعي عن الوطن والشعب واعتبرت من يقتل في سبيل الدفاع عنهما شهيداً .

وقد وصف أمير الشعراء أحمد شوقي الوطن بقوله:  ( الوطن موضع الميلاد وجامع أوطار الفؤاد ومضجع الآباء والأجداد ، والدنيا الصغرى وعتبة الدار الأخرى …وهو أول هواءٍ حرك المروحتين وأول ترابٍ مس الراحتين وشعاع شمس اخترق العينين ، مجرى الصّبا وملعبه عرس الشباب وموكبه ، ومراد الرزق ومطلبه ، وسماء النبوغ وكوكبه وطريق المجد ومركبه…).

وأنت اذا نظرت في كلِّ تعريفات الوطن والشعب، رأيت أن المعتقد والدين والسياسة، هي من الأمور التي لا علاقة لها في اكتساب الهوية الوطنية لشعب ووطن ، فالإنسان ينتسب الى شعبه ووطنه من خلال تلك الروابط الجامعة له مع غيره من بني قومه والتي نشأت في الغالب منذ ولادته. وتلك الروابط مع شعبه ووطنه، هي في الأصل سابقة على الدعوة الدينية التي جاءت إلى مجموعات بشرية لها شعوبها وأوطانها.

 وقد يستفاد هذا المعنى من آيات عديدة كقوله تعالى :  (كان الناس أمّة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين …) البقرة-آية-213-

(وإن من أمّة إلاّ خلا فيها نذير ) فاطر-24-                                                 

.(وإنّه لذكر لك ولقومك ) الزخرف-44- .

فإن الروابط التي كانت موجودة بين أفراد تلك الجماعات، هي التي جعلت منهم أمّة، وهي التي جعلت منهم قوماً وشعباً في المرحلة السابقة على دعوة الأنبياء والرسل. وقبل اكتسابهم لهويَّة دينيَّة معينة كانت توجد لديهم حتماً من خلال تلك الروابط هوية وطنية لا علاقة لها بالدين. والدعوات الدينية كسائر الدعوات كان يؤمن بها بعض القوم ويرفضها البعض الآخر، وفي أغلب الأحيان كان الذين يرفضون الرسالة أكثر عدداً من المؤمنين بها كما يشير الى ذلك قوله تعالى في عدة آيات منها:

 (وأوحي الى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) هود-36-

 (ولكنَّ أكثر الناس لا يؤمنون ) غافر-59-

(ولقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) الزخرف-78-

ورغم هذا الإختلاف في الهوية الدينية، إلاَّ أنّ ذلك لم يحدث انقساماً على مستوى الهوية الوطنية والإنتساب الى القوم والأرض.فلم يقل فريق المؤمنين لفريق الرافضين لستم من قومنا وأرضنا وكذلك العكس.ولم يكن بإمكان فريق أن يسلخ الهوية الوطنية عن الفريق الآخر مع أنَّ الإختلاف كان يصل الى حد التضييق والمقاطعة وصولاً إلى الحرب المعلنة بينهما، وهذا ما جرى للنبي عليه أفضل الصلاة والسلام عندما أمره الوحي أن يقول لقومه الرافضين لدعوته:

 (لكم دينكم ولي دين ) أو عندما قال لقومه في الطائف: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ).

 فقد بقيت تلك الهوية التي تجمعه مع قومه رغم إختلاف العقيدة بينه وبينهم. وهذا إن دلَّ على شيء، فهو يدلُّ على نحو المطابقة أو التضمين، على أن الهوية الوطنية التي يكتسبها الإنسان من قومه ووطنه، لا تلغيها هوية أخرى دينيَّة يكتسبها من الإيمان برسالة معينة. كما لا ينقص من قدرها وواقعها عدم اكتساب الهوية الدينيَّة المتأخرة عنها في رتبة الوجود والولادة، مع غضِّ النظر عن شرف مكانتها وعلو منزلتها في نفسها عند الله وعند المؤمنين بها .

ولذلك يقع التساؤل عن هذا الواقع الجديد الذي نشأ من خلال إيمان بعض القوم بالرسالة ورفض البعض الآخر لها وقد اكتسب بعضهم الهوية الدينية باعتناقه للرسالة، والآخرون الرافضون لها لم يكتسبوا الهويّة الدينية وقد حصل الإنقسام العقائدي والفكري بين أبناء الأمة الواحدة والجماعة التي كانت متَّحدة ووقع الإختلاف كما أشار الله الى ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى:

 (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا)يونس-19-

وقوله تعالى (ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر …) البقرة-253- .

والتساؤل المطروح هو :ما هي الصِّيغة العمليَّة التي يمكن الإعتماد عليها في الجمع بين هذه الأفراد والجماعات التي اختلفت في الهوية الدينية والثقافية؟ .

 فهل تتوقف دورة الحياة الإجتماعية على وفاق غير موجود ؟!

أم يستمر الصراع بين الهوية الدينية وغيرها من الهويَّات والثقافات حتى تحصل الغلبة لواحدة على ما عداها من هويَّات وثقافات ؟!

أم أنه بالإمكان إيجاد صيغة من العيش الواحد بين هذه الجماعات رغم اختلاف الهويَّات الدينية وتعدد الثقافات أو اشتراكها ؟

وبعبارة أخرى: هل من قاسم مشترك يجتمعون اليه ويأوون الى كنفه ويحفظ لهم وحدتهم وجماعتهم ويعطيهم الحق في الإحتفاظ بخصوصيَّات التعددية الدينية والثقافية ؟

هذا هو التساؤل الذي حاول الكثيرون من علماء الإجتماع والسياسة والقادة المصلحين الإجابة عليه، مستفيدين في ذلك من تجارب الحكم وأشكاله المتعدِّدة التي مرَّت على المجتمعات البشرية التعددية حيث لا يكاد يخلو وطن من الأوطان، ولا شعب من الشعوب، ولا أمَّة من الأمم من خصوصيَّة التعدُّد في الثقافات والأديان والآراء والأفكار وغيرها من الأمور.

وقد يشير الى هذا الإختلاف بمعنى التغاير والتفاوت والتعدد قوله تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمَّةً واحدة ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربُّك ولذلك خلقهم …)هود-119-.

والذي يبدو من ظاهر جملة من الآيات القرآنية ومن السنة النبوية الشريفة وسيرتها أنّ بناء المجتمعات والأوطان يعتمد على الأمور التي تشترك فيها جميع المكوّنات في المجتمع والوطن وهي التي تكون منشأً لحقوق الأفراد والجماعات المتواجدة فيه وهذا ما ينسجم مع اعتماد الهوية الوطنية التي يحملها الفرد بصفته مواطناً يشترك معه في هذه الصّفة كلُّ الأفراد والجماعات وهي التي تكون منشأً لثبوت الواجبات عليه وعليهم تجاه الوطن والمجتمع. ولا نرى في الإسلام ما يتنافى مع اعتماد المواطنية قاعدة في نظام الحكم والإدارة وتوزيع الحقوق والواجبات بعدالة ومساواة بين المواطنين مع اختلاف هويّاتهم الدينيّة والثقافية بل يعدُّ اعتماد هذا الأمر موافقاً لقاعدة العدل والإنصاف المستفادة من آيات عديدة منها قوله تعالى:  (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء85،

وقوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة 8

ولا شك بأن العدالة المأمور بها في الآيات القرآنية منبثقة عن المساواة التي ينظر إليها القرآن الكريم على أنها موجودة بين جميع بني البشر الذين كرّمهم الله تعالى بقوله : (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا) الإسراء70،

 وعبّر عن المساواة فيما بينهم بقوله تعالى : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات13،

 وقوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) النساء1.

ويبدو أيضاً أن هذه المساواة في منشأ الخلق كانت مصدراً للمساواة في الحقوق الإنسانية التي ارتكزت عليها أحكام العدالة.

وإذا كانت المواطنية تعني المساواة بين المواطنين في اكتساب الهوية الوطنية التي كانت مصدراً للحقوق الوطنية، فهي تقع مورداً لتطبيق الآيات عليها، وهذا ما يظهر من وثيقة المدينة المنورة التي عقدها النبي مع مكونات المجتمع المتعدّدة فيها في بداية العهد الجديد وإقامة الدولة وتنظيم الشؤون فيها وقد كانت موطناً للأوس والخزرج واليهود والمهاجرين والأنصار، وقد كانت الهوية الدينية مختلفة بين هؤلاء ولكنّ الهوية الوطنية كانت الجامع المشترك فيما بينهم، وقد نظرت هذه الوثيقة إلى الجميع على أنهم متساوون بما في ذلك اليهود وقد تضمنت وثيقة العهد الجديد عقداً إجتماعياً أرسى قواعد الأخوّة بين المهاجرين والأنصار وحافظ على العيش المشترك مع غير المسلمين من اليهود وغيرهم من العرب الذين لم يؤمنوا بالرسالة بعد. وأعطتهم الوثيقة المساواة مع المسلمين في المصالح العامة وكفلت لهم حقوقهم على قاعدة التعايش مع الشريك في الوطن المستفادة من قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين) الممتحنة8.

فعندما تقول (الآخر) أو (الغير) أو (غيري) فهذا يعني وجود المختلف عنك وهو ليس بالضرورة المختلف معك وإن اختلفت الآراء والأفكار والمعتقدات فأحدكما يساويه الآخر في الإنسانية التي كانت مصدراً للمساواة في الحقوق وقاعدة للعدالة كما تقدّم ذلك من الآيات السابقة الذكر.

وعندما تقول أعيش مع غيري أو غيري يعيش معي فهذا يعني وجود شريك لك في العيش والوطن وفيما يستتبعه ذلك من حقوق و واجبات، وعندئذٍ يخاطبك الحديث: (أحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره لغيرك ما تكره لنفسك). ولذلك يمكن القول أن وثيقة المدينة المنورة كانت عقداً اجتماعياً نظر إلى الذين يعيشون معاً على أنهم متساوون في  المواطنية ومستلزماتها بعيداً عن خصائص الدين والمعتقد. ويؤيد هذا المعنى الذي تقدم من المساواة ما ورد في السنة النبوية الشريفة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (الناس سواسية كأسنان المشط) و (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله) و (لا فضل لأحمر على أصفر ولا لأبيض على أسود ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). فإن المواطنين قد يختلفون في أصول أعراقهم وأديانهم وانتماءاتهم لكن المشترك بينهم في الوطن الواحد هي المواطنية وهم فيها على حدٍ سواء.

وبعبارة أخرى إنّ هذه النصوص وأمثالها مع شمولها لإزالة الفوارق بين شعب وآخر لا يعيشان معاً وبين أمّة وأخرى بعيدة عنها ولا توجد بينهما علاقات فكيف بالشعب الواحد والأمّة الواحدة التي يعيش أبناؤها بعضهم مع البعض الآخر في وطن واحد؟ فإنّ اعتماد ما يجمعهم في هذه الحالة يكون هو الأولى بالاعتماد والاتّباع في نظام الحياة معاً والعلاقات المشتركة .

والمواطنون هم المعبر عنهم في الفقه السياسي بالرعية كما جاء في جملة من النصوص الدينية منها: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته…) و (كل سائس إمام).. ومما يكشف عن إطلاق كلمة الرعية على المواطنين على حدٍ سواء وإن اختلفت انتماءاتهم الدينية ما ورد في كتاب الإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر عندما ولّاه على أهل مصر وفيهم الأقباط غير المسلمين (أشعر قلبك المحبة للرعية واللطف بهم والعطف عليهم ولا تكوننّ سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان (أي الرعية، المواطنون) إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) وقوله: (وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية). ولا شك بأن العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات الوطنية هي الأجمع لرضى الرعية (المواطنين)،وهذا يعني أن الحقوق المنبثقة عن الشراكة في العيش والوطن لا يتم توزيعها على أساس ديني وطائفي وإنما على أساس من الإنسانية التي يتساوى فيها الجميع وعلى أساس من الشراكة الوطنية التي جعلت منهم رعية واحدة يستحقون الرعاية والحماية بلا تفاوت وهذا ما نعنيه ونقصده بالمواطنية التي يقوم عليها النظام السياسي الذي يساوي في تشريعاته وأحكامه وقوانينه بين المواطنين مع حق احتفاظ كل فرد أو جماعة بالخصوصيات الدينية والسياسية التي لا تتنافى مع العقد الإجتماعي الذي قامت عليه قواعد النظام.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ـ نشرت في جريدة المستقبل اللبنانية بتاريخ 11 آذار 2009م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المساواة بين جميع المواطنين

 

 س ـ هل يحق للدولة الاسلامية الخالصة ان تفضل مواطنا مسلما على مواطن نصراني او غيره ؟

ج ـ   إن القواعد العامة المستفادة من الشريعة الإسلامية تقتضي المساواة بين جميع المواطنين في الدّولة الإسلامية كما في قوله تعالى ( … أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) و الحديث المروي عن رسول الله (ص) : (  الناس سواسية كأسنان المشط ) والمروي عن عمر بين الخطاب (رض) : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) والمروي عن الإمام علي (ع) أن الرعيّة ( صنفان إما أخ لك في الدّين أو نظير لك في الخلق) والرّعيّة في الفقه السياسي تشمل كلّ المواطنين.

معاوية بن أبي سفيان

 

 س ـ ما موقفكم من معاوية ابن ابي سفيان وابيه وامه ؟

ج ـ  لقد قبل رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام الإسلام من أبي سفيان ومن زوجته هند بعد فتح مكّة المكرمّة ونحن مطلوبٌ منّا الإقتداء بما فعله الرسول فنقبل ما قبله ونرفض ما رفضه وفي الحديث ( الإسلام يجبُّ ما قبله) .وأمّا معاوية بن أبي سفيان ففي رأينا أنّه قد أخطأ خطيئة كبرى بخروجه على الإمام علي إمام زمانه، وقد تمّ الصّلح بعد ذلك مع الإمام الحسن والحساب عند الله أحكم الحاكمين.

 

روايات إجبار الإمام علي (ع) على البيعة

س ـ ما رأيكم بمرويات تقييد الامام علي رضي الله عنه وتكبيله واجباره على البيعه؟

 ج4- لم تثبت هذه المرويّات عندنا بالشّكل الّذي تطمئن النّفس إليه، والوقائع والأحداث تشهد بخلاف تلك المرويّات، قال الشاعر:

   وما كتب التّاريخ في كلّ مـا روت ………. لـقـرّائها إلاّ حـديث مـلـفـّق

    نظـرنا بـأمـر الـحاضرين فـرابـنا ………. فكيف بأمر الغابرين نصدّق؟!

 

أرض فدك وموقف الإمام علي (ع)

 

س ـ هل حرم ابو بكر رضي الله عنه ارض فدك من الزهراء عليها السلام ؟

ج ـ  في بعض الرّوايات أنّ فدك أرجعها الخليفة عمر بن الخطّاب والإمام عليّ طلب من الناس في عصره عدم التّداول في هذه القضيّة وأنّها قضيّة أصبحت من الماضي ولا يجوز أن تبقى وتلقي بظلالها على الحاضر والمستقبل حيث قال: (…بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء، فشحّت عليها نفوس قومٍ وسخت عنها نفوس قومٍ آخرين، ونعم الحكم الله …) ثمّ قال: ( وما أصنع بفدك وغير فدك والنّفس مظانّها في غدٍ جدث – قبر- تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرةٌ لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر وسدّ فرجها التّراب المتراكم، وإنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى لتأتي آمنةً يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق …) فهل يصحّ بعد هذا الموقف من الإمام علي أن نجعل من هذه القضيّة الّتي سلفت مصدراً للخلاف المتجدّد والمستمر بين المسلمين؟!.

 

 

 

دلالة الروايات على معنى الخلافة

 

س ـ هل تعتقد أنَّ الرسول (ص) أوصى بالخلافة للإمام علي بن أبي طالب من بعده وأنَّ الإمام علي أوصى بالخلافة من بعده إلى ابنه الحسن وهكذا حتَّى وصل الأمر إلى الإمام الثاني عشر ؟

ج ـ إن الخلافة بمعنى القيادة السياسيّة للأمّة ليست بالوصيّة و التّعيين وهي بهذا المعنى السّياسي تحتاج إلى البيعة والرّضا من النّاس كما روى ذلك الإمام علي عن رسول الله ( … لك – يا علي – ولاء أمّتي، فإن ولّوك في عافية وأجمعوا عليك بالرّضا فقم في أمرهم وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه فإنّ الله سيجعل لك مخرجاً …) مستدرك نهج البلاغة. وأمّا الخلافة بمعنى القيام بالدّور الدّيني في حفظ الشّريعة وتعليمها وتبليغ أحكامها فهذا هو القدر المتيقّن الّذي تدلّ  عليه الرّوايات المتواترة عن رسول الله (ص) الّتي كشفت عن الإمامة الدّينيّة لهم من خلال التّنويه بفضائلهم وأنّهم عترته الّتي أمر رسول الله بالتّمسّك بها مع القرآن الكريم وهذا يدلّ على الدّور الدّيني الّذي يقومون به في توجيه الأمّة وإرشادها ولكنّه لا يقتضي التّعيين للخلافة السياسيّة . وهذا المعنى الدّيني للخلافة هو المقصود من المرويّ عن رسول الله (ص) ( الخلفاء بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش). نعم تدلّ تلك الأحاديث الحاكية لفضائلهم على أهليّتهم لذلك المنصب السياسي وترشيحهم له بمقتضى الجمع بينها وبين غيرها من النّصوص والوقائع. ثمّ إنّه لا بدّ من عرض تلك الرّوايات الواردة عنهم و المنقولة إلينا على كتاب الله وعلى سنّة رسول الله الجامعة باعتبارهما المرجعيّة الّتي يعرف من خلالها الصّحيح وعدمه كما ورد عن أئمّة أهل البيت وبذلك يزول الخلاف حول الحديث المرويّ عن النبي (ص) : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي) أو ( كتاب الله وسنّتي) . فإنّ الموجود بين أيدينا هما الكتاب و السنّة وعلينا الرّجوع إليهما والإعتماد عليهما.

 

عصمة النبي (ص) والأئمة (ع(

 

س ـ ما حدود عصمة النبي محمد (ص) التي تؤمن بها؟ وهل تؤمن بأنَّ الإمام علي وأبناءه الأحد عشر معصومين أيضًا؟ فإن كانوا كذلك فما حدود عصمتهم؟

ج ـ إنّ العصمة التي نؤمن بها لرسول الله (ص) هي بمعنى عدم صدور الذّنب منه بالإرادة والإختيار فإنّه لا معنى مقبول لرسول أو نبيّ يرتكب شيئاً هو قد نهى النّاس عنه!. هذا على مستوى تطبيق أحكام الشّريعة على نفسه وأمّا على مستوى الإدارة والحكم فهو كسائر البشر قد يأخذ بخبر غير صحيح ينكشف له خطأه فيما بعد. وأما العصمة من الخطأ و النسيان في تبليغ الرّسالة فهي منحة من الله تعالى له أداءاً للرّسالة وإتماماً لها وهذا من مقتضيات بعث الرّسل والأنبياء لأنّ الله لا يرسل رسالةً مع من لا يوصلها تامّة لعباده وإلاّ كان ناقضاً لغرضه تاركاً لهدفه، وهذه العصمة في الأنبياء مقترنة بالوحي الإلهي.

 وأمّا عصمة الأئمّة فهي بمعنى عدم تعمّدهم للخطأ في النّقل عن رسول الله فهم الصّادقون الّذين لا يكذبون وهي عصمة تسديد ليست مقترنة بالوحي لاختصاص الوحي بالرّسل والأنبياء كما في قوله تعالى( والّذين جاهدوا فينا لتهدينهم سبلنا وأن الله لمع المحسنين) . وأمّا العصمة من الذّنب فهي كما أسلفنا بمعنى عدم صدور الذّنب منهم بالإرادة والإختيار وهي تأتي بالكسب والمجاهدة وتوطين النفس على الطّاعة لله والإنقياد له.

 

الإمام المهدي

س ـ هل تؤمن بولادة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي -الذي يعتقد الشيعة الإماميَّة بأنّه وُلِد وبأنَّه المهديّ الموعود-؟ وهل تؤمن بأنَّه حيٌّ منذ وُلِد؟

ج ـ نعم أنا من المعتقدين بولادة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي عليه السلام لقناعتي بالرّوايات والآثار الدّالة عليه ولا أرى في اعتقاد طائفة من المسلمين بذلك سبباً للفرقة والإنقسام ما دامت الإمامة ليست أصلا من أصول الدّين وليست ركناً من الأركان الّتي أجمع عليها المسلمون فلا يحكم بكفر المخالف لها وغير المعتقد بها وهي لا تسيء إلى معتقدات الآخرين لأنّها لا توجب هذا الإعتقاد على من لم يقم لديه الدّليل عليها ولا تضرّ بالقواسم المشتركة التي يصير الإنسان المعتقد بها مسلماً وهي التّوحيد و النبوّة واليوم الآخر. وقد عاش المسلمون مع النّصارى في بداية الدّعوة ولا يزالون في بلادٍ عديدة مع اختلاف عقيدتهم في السيّد المسيح عليه وعلى نبيّنا أفضل الصّلاة والسّلام والنّصارى يعتقدون بالمجيء الثّاني للسيّد المسيح عليه السّلام وكثير من المسلمين يؤمنون بالخضر الحيّ صاحب النّبيّ موسى عليهما السّلام. فالمهمّ أن لا ينشأ من المعتقد سلوك يسيء إلى معتقدات الآخرين وإلى حسن العلاقة معهم فإنّ هناك قضايا سوف تبقى محلّ خلافٍ بين البشر أمرنا الله بتجاوزها وبعدم إفساد العلاقات بيننا على أساسها كما قال سبحانه وتعالى:

 ( … فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون)

فالدّين ليس طقوساً مجرّدة عن بُعدها الإنساني في علاقات المجتمع بعضه مع البعض الآخر ولذلك ورد في الحديث أنّ ( الدّين المعاملة ) . وقال الشّاعر :

ما دمتَ محترماً حقّي فأنت أخي …….. آمنت بالله أم آمنت بالحجرِ.

 

هل حصلت هذه الحادثة حقاً ؟؟

 

س ـ في عدد يوم الأحد 08-05-2011 من جريدة الرياض السعوديَّة, نشر الدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن الثنيان مقالاً له بعنوان: قناة الاعتدال.. للشيعة والسنة ! , جاء فيه :

(( وحين سألت الشيخ علي الأمين عن بعض المراجع الشيعية كالسيستاني، وكيف تكونت هذه الشخصية؟ وما خلفيتها العلمية؟ وهل صنعها العلم الغزير؟ تبسم الشيخ علي وقال: إنها السياسة، والإدارة والمال والإعلام ومن ثم الأتباع )) . http://www.alriyadh.com/2011/05/08/article630651.html

هل أصل الحادثة المنقولة حصلتْ حقًّا؟ وهل نقلها الدكتور الثنيان بدقَّة , أي هل ذَكَرَ لكَ اسم (السيستاني) عندما سألكَ وكنتَ تعنيه عند الإجابة؟ إن كنتَ في جوابكَ تقصد (السيد السيستاني) بعينه وشخصه فقد عرفنا رأيكَ فيه, وإن لم تكن تقصده فهل لكَ أن تقول رأيكَ في (السيد السيستاني) من الناحية العلميَّة الفقهيَّة ومن ناحية توجيهه لبعض الشأن السياسي العراقي والشأن الشيعي العام .

ج ـ لقد كان المقصود أن المرجعيّة المعاصرة بعدما أصبحت موقعاً له تأثيره في عالم السّياسة على الأتباع والأحزاب لم تعد الكفاءة العلميّة هي الأساس في وصول العالم الدّينيّ إلى موقع المرجعيّة الدّينيّة في العراق وغيره من المواقع والأقطار ولم نقصد شخصاً بعينه . نعم كان السيدّ السيستاني مورداً للسّؤال من السائل.

 

وجوب الخمس في أرباح المكاسب

س ـ  سؤال فقهي عن رأي سماحتكم في خمس أرباح المكاسب خاصة ؟  أنا يا سماحة سيدنا لا أقول بخمس أرباح المكاسب للأسباب التالية :

 1- ما ورد في القرآن عن الخمس خاص بغنائم الحرب نظراً لسياق الآية

 2- ما ورد من روايات صريحة بخصوص خمس أرباح المكاسب لا تخلُ أسانيدها من طعن ، أما الروايات التي لا طعن في أسانيدها فهي ليست صريحة

 3- الروايات المتعلقة بخمس أرباح المكاسب تكاد لا تخلُ أسانيدها من الواقفة ، وأنت تعلم يا سماحة العلامة بأن الواقفة تجار دين كان هدفهم الأساسي هو الدرهم والدينار ، وقد أتفق علماء الشيعة بمن فيهم من جناح الصقور بأنه لا أثر لخمس أرباح المكاسب في عهد النبي (ص) وعهد الإمام علي (ع) حتى عهد الإمام علي بن الحسين (ع) ، وأن أول ما روي من أخبار في ذلك هو في عهد الإمام جعفر الصادق (ع) والذي هو عهد ظهور الواقفة

 4- التعارض بين خمس أرباح المكاسب وزكاة النقدين (على الأقل قبل أعتماد العملة الورقية) ونحن قد درسنا في الحوزة العلمية بأنه يستحيل أن يتصف شئ بوجوبين لأن ذلك يعني اجتماع إرادتين على مراد واحد ، فيلزم من هذا التضاد أرتفاع أحدهما أو كليهما ، والأدلة الشرعية تؤكد زكاة النقدين مما يعني أرتفاع خمس أرباح المكاسب

 5- المتقدمون من علماء الشيعة كالشيخ الصدوق رحمه الله لم يذكر خمس أرباح المكاسب في كتاب المقنع .

ج ـ إنّ البحث الفقهي عن الخمس يحتاج إلى دراسة فقهيّة مفصّلة لا يتّسع لها مجال هذه المقابلة وهي مذكورة في البحوث العليا عند الفقهاء والمعروف عندهم أنّها مسألة اجتهاديّة فرعيّة، استدلّوا عليها بالكتاب و السنّة والإجماع وفيها مناقشات عديدة ولا مانع من بقائها على بساط البحث العلميّ فهي ليست من المقدّسات الّتي لا يصحّ الإجتهاد فيها بما يخالف نصوصها الصّريحة والواضحة. ولذلك نقول بأنّ النتائج الفقهيّة التي توصّل إليها الفقهاء بالبحث والنّظر ليست نتائج نهائية لا تبديل فيها فإن المقدّس عندنا هو النّص الدّيني وليس ما  فهمه الفقهاء منه.

 

الظن القهري لا يشمله التحريم

 

س ـ سؤال عقائدي عن رأي سماحتكم في العصمة المطلقة للأنبياء؟  لا خلاف بين العلماء والعقلاء بأن الأنبياء لا يقعون في كبائر الذنوب ، ولكن ماذا عن صغائر الذنوب هل تعتقد بأن الأنبياء لا يقعون حتى في الصغائر؟  إن كنت تعتقد بذلك فكيف تفسر قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ }   حيث يصرح الباري عز وجل بأن الظن إثم ومن ثم يحكي لنا الباري عز وجل عن سيدنا النبي يعقوب (ع) عندما حُجز بنيامين في مصر رغماً عن اخوته ورجعوا من دونه وحكوا لأبيهم ما جرى كان رد النبي يعقوب (ع) عليهم {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}  أليس هذا من الظن ؟ أوليس سيدنا النبي يعقوب كان مخطئاً في هذه الجزئية ؟

ج ـ لقد أجبت على هذا السؤال في ج7 (المجموعة 3) راجع فقرة : عصمة النبي (ص) والأئمة (ع)

ـ فإنّ صغائر الذّنوب وكبائرها لا يليق ارتكابها بصاحب الرّسالة الذي يدعو الناس لاجتنابها. قال الله تعالى ( أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون).

قال الشّاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله ……. عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ

وأمّا السّؤال عن الظنّ فإن المحرّم منه هو تطبيق الآثار عليه كأن تظنّ السوء بشخصٍ دون دليل وتقاطعه على ذلك الأساس أو يحاسبه الحاكم ويقيم عليه الحدّ الشرعي بدون بيّنة مثلاً.وأمّا الظنّ بوصفه حالة نفسيّة توجد في النّفس الإنسانيّة فهي حالة قهريّة لا تقع تحت الإختيار فلا يشملها التّحريم لاعتبار القدرة في التكليف. فالمحرّم هو العمل بالظنّ وليس الظنّ بنفسه.

وأمّا قضيّة النبيّ يعقوب عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام فالّذي يبدو من قصّته الّتي حكاها القرآن الكريم أنّه كانت لديه الدّلائل على قيام إخوة يوسف بعملٍ ما ضدّه لأنّه كان مطّلعاً على غيرتهم من يوسف وهو الأب الّذي يعرف طبيعة العلاقة القائمة بين أبنائه ولذلك نهى يعقوب ولده يوسف عن حكاية الرّؤيا الّتي رآها لإخوته كما جاء في القرآن الكريم ( قال يا بنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشّيطان للإنسان عدوّ مبين) وكان إخوة يوسف لا يخفون امتعاضهم من محبّة أبيهم الزّائدة ليوسف وأخيه كما حكى ذلك القرآن الكريم ( لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين، إذ قالوا لَيوسُفُ وأخوه أحبّ إلى أبينا منّا ونحن عصبةٌ إنّ أبانا لفي ضلال مبين) والله العالم بحقائق الأمور.