الجمعة , مارس 29 2024

العلامة الأمين .. وحزب الله – سكينة المشيخص – اليوم السعودية

 

من حيث المبدأ إذا قاد الانتماء الفكري أو المذهبي أو القبلي إلى تعطيل العقل والتشويش على الحق في الاختيار وتهديد حرية الرأي والتعبير، فإن ذلك يؤكد بداهة وجود خلل بنيوي في المرتكزات الفكرية لمرجعياتنا التي ننتمي اليها، أو أننا نحمل سوء فهم أو تقدير لدلالات وإشارات الفكر الذي نزعم الانتماء اليه.
التطرف، على سبيل المثال، في السياق الفكري أو الديني أو المذهبي أو الاجتماعي ينطوي على سوء فهم لهدوء الحالة الفكرية في انسيابها عبر المكان أو الزمان، والدين لا يتطلب مغالاة في الدعوة اليه، وكذلك الأفكار الإنسانية الكبيرة التي شاعت وانتشرت خلال عشرات ومئات السنين، ورغم حيوية الإرادة الكامنة في التطرف إلا أنه لا يمكن أن يؤدي الى نتائج إيجابية في صالح الموضوع الإنساني أو الفكري، فلم يضف المتطرفون للإسلام أو المسيحية أو اليهودية قيمة حقيقية أو مؤثرة في الاستقطاب أو ايصال الحقيقة، بل العكس تم تشويه الدين بأفعال عدائية عنيفة ووحشية تمثل ردّة عن قيم الفضائل الدينية.
وفي الإطار المذهبي حيث تتعدد مذاهب دين عظيم مثل الإسلام، لم ينته الحال بالمتطرفين الى تقديم هذا الدين بصورة مثالية متسامحة، وإنما أحدثوا فجوة عميقة في صورته الذهنية لدى الآخر، وعمد التطرف الى إقصاء حتى أتباع الإسلام عن الملّة، وذلك الحال أيضا في المسيحية وبصورة أكثر عنفا ووضوحا في اليهودية، فالمسيحية انقسمت الى أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت، واليهودية الى أشكناز وسفارديم، وهي حالة من التشظّي أفرزت التطرف وغذّته في الأوساط الدينية.
ولم يسلم المسار الاجتماعي من اختراقات التطرف الطبقي والعرقي، إذ برزت النزعة والعصبية بصورة تتضاد مع النهي الشرعي في التعاطي مع هذه الاتجاهات التي تشير بصورة ما الى ميل الى التخلف في ظل وجود نص ينهى عن اتيانها حيث انها منتنة وقبيحة لما تخلقه من تمايز لا يستند الى أسس إنسانية قويمة وراشدة، ومنتهاها أيضا في تطرف يستعصم بالقبيلة في حق أو باطل طلبا للنصرة والاستقواء والاستعلاء.
ذلك الوضع من المتغيرات المتطرفة ينتهي بنا الى الحالة السياسية التي تبلور كل تلك الاتجاهات الإنسانية، على ما فيها من سلبية، ونستشهد بالحالة السورية التي تبرز فيها كل تلك الأمور، وهي نموذج لما يعتمل في العالم العربي من تضارب في المواقف التي ترجع الى العقلية المتخلفة التي تمارس التطرف الديني والمذهبي والاجتماعي، إذ أصبحت الطائفية متقدة في صورة أوسع مما كانت عليه في السابق خاصة بعد تدخل حزب الله في سوريا، مما استدعى أن يتحدث بعض عقلاء الشيعة بصوت مسموع حتى يخمد ذلك الفتيل الطائفي المشتعل. 
البحث عن البديل الآمن في ظل ضعف الخيارات المتاحة أمام حالة تخرج عن السيطرة، عبّر عنه العلّامة علي الأمين عندما قال (حزب الله ارتكب خطيئة كبرى وفادحة بسبب مشاركته في القتال في سوريا) وذلك تعبير شفيف عن رؤيته لمسار الصراع في سوريا، وموقف العلّامة عقلاني متوازن من خلال إشاراته القوية التي قال فيها (منذ بداية الثورة السورية عبرنا عن رأينا وقلنا بأن الموقف يجب أن يكون منحازا إلى جانب الشعب المظلوم في سوريا) وأضاف (حزب الله لا يمكن أن يختزل رأي الطائفة الشيعية، وإنما يمثل رأيه ورأي أنصاره ومتابعيه) وموقف العلامة الأمين حر لا يجب تسفيهه أو الانتقاص منه، فالأمين عالم دين شيعي، مجتهد ومرجع ديني لبناني، وداعية تعايش بين الطوائف اللبنانية ومقرّب بين أتباع الدّيانات، وما يقوم به من تقريب بين المذاهب جهد يستحق الوقوف عنده والثناء عليه، وكثيرا ما لمست ارتياحا من مواقفه من الطائفة السنية، بل ربما اعتبره البعض نموذجا لرجل الدين الشيعي المنصف والعقلاني في توجهه.
ونظرا لرؤيته المتوازنة الداعية الى السلام، فلم يكن حصاد العلامة الأمين من بعض الشيعة الذين يختلفون معه في التوجه إيجابيا إذ بادروه بالهجوم، وهذا للأسف لا يسير وفق منهج احترام الرأي والرأي الآخر، فكما أن هناك من الشيعة من يقف مع حزب الله هنالك أيضا من يقف ضده وهذه حرية يجب احترامها،  ولذلك فإن من يشكك في موقف العلامة عليه أن يعيد الذاكرة للوراء ويتذكر موقفه المشرّف عندما نشب خلاف مسلّح وحرب بين حركة أمل وحزب الله، فوقف إلى جانب حركة أمل ورفض قتالها باسم الدين ورفض قتل الأخ لأخيه، وفي ذلك ترجيح لغلبة العقل على العاطفة الساذجة، ولو أن علماء الأمة وصفوتها بجميع مذاهبها كانوا على نهج الأمين لأمنت البلاد والعباد وهزمنا التطرف والمتطرفين الذين انتقصوا من قيمة الدين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.