الثلاثاء , مارس 19 2024

العلامة السيد علي الأمين : الدعوة القرآنية للسلم والإصلاح – لتعاون الأمراء والعلماء على نشر ثقافة السلم والاعتدال

العلاّمة السيد علي الأمين :

الدعوة القرآنية للسلم والإصلاح – لتعاون الأمراء والعلماء على نشر ثقافة السلم والاعتدال

احتضان الإمارات لمنتدى السلم فرصة للعلماء والمفكرين لنشر ثقافة السلم والاعتدال

أبوظبي في 29 أبريل / وام /

أكد سماحة العلامة السيد علي الأمين المرجع الديني اللبناني عضو مجلس حكماء المسلمين ان احتضان دولة الإمارات العربية المتحدة ورعايتها لـ منتدى ” تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ” خطوة متقدمة لتعطي الفرصة للعلماء والمفكرين بنشر ثقافة السلم والإعتدال في أوساط الأمة وخصوصا الشباب الذين وقع الكثير منهم ضحية المفاهيم المغلوطة التي تعمل على نشرها دعوات التطرف والإرهاب والتكفير. وقال سماحته – لوكالة أنباء الإمارات “وام” على هامش حضوره أعمال المنتدى المقام في أبوظبي – ان انعقاد المنتدى يأتي في مرحلة صعبة تمر على الأمة العربية والإسلامية من خلال ما ظهر من صراعات ونزاعات بين أحزاب وتنظيمات اتخذت من الدين شعارا وغطاء لمشاريعها السياسية وطموحاتها السلطوية بوسائل غير مشروعة أدت إلى تشويه صورة الإسلام في العالم.

ونوه سماحة العلامة الأمين انه في ظل ما تمر به الساحة العربية والإسلامية استوجب أن تعقد المؤتمرات لتوضيح حقيقة الدين وأنه بريء من التطرف والإرهاب.

القاعدة القرآنية في السلم والإصلاح

وأوضح سماحته ان القرآن الكريم يشير إلى المنطلقات والأسس التي تقوم عليها الدعوة التي حملها الأنبياء والرسل منذ بداية تكوين الجماعة البشرية وقد جاء في قول الله تعالى / كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه/ .. وهذه الآية تدلنا على قيام الدعوة على التبشير والتحذير والعمل على فض الخلافات والنزاعات التي تحصل بين الناس حفاظا على وحدتهم التي قامت على أساس الفطرة.

وقال ” ان المطلوب عند البحث عن ركائز هذه الدعوة العودة إلى النصوص الدينية من الآيات والروايات بعيدا عن العودة إلى التاريخ في الماضي البعيد والقريب لأن ما وصلنا من التاريخ فيه الصحيح وغيره .. والصحيح منه ليس بالضرورة أن يكون فيه التطبيق الصحيح لتلك النصوص فالتاريخ هو من صنع البشر الذين يخطئون ويصيبون وقد امتلأ بالصراعات الدموية في عصور عديدة تحت شعارات مختلفة من الدين والدنيا ومن الخطأ أن نجعل من التاريخ حاكما ومفسرا لتلك النصوص الدينية المشتملة على قواعد الفكر والسلوك بل العكس هو الصحيح فنحن نحاكم التاريخ وأحداثه ورجاله إنطلاقا من النصوص لأنها بمثابة المواد القانونية التي نرجع إليها في المحاكمة وعلى أساسها تتم التخطئة والتصويب”.

الدعوة إلى السّلم

ويستفاد من بعض الآيات أن الدعوة الدينية قامت على أمور أساسية،منها:

-السّلم،وهو ما جاء في قول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ). وترتكز الدعوة إلى السلم هذه على: -المساواة بين بني البشر في الإنسانية وإلغاء الإمتيازات على أساس العرق واللون والجنس،كما جاء في قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) وقوله تعالى( ولقد كرمنا بني آدم ..) وقوله تعالى(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). فقد ألغت هذه الآيات كل الفوارق التي تكون مثاراً للنزاعات،وخاطبت الناس وبني آدم دون تمييز واعتبرتهم متساوين،وأظهرت أن الغاية من التّعدّد هي التواصل والتعارف،وأن معيار التفاضل بين إنسان وآخر وبين شعب وآخر هو في العمل الصالح والتسابق على فعل الخيرات. الحريّة الدينيّة

وأضاف ” ومن ركائز هذه الدعوة إلى السلم “الحرية الدينية” فلا يمكن أن تتصف الدعوة بالسلمية إذا كانت سالبة للحرية ومكرهة على الإعتقاد بها فإن ذلك يكون من بواعث الصراع والنزاع ويتنافى مع السلمية ولذلك ورد في آيات عديدة ما يشير إلى حرية الإعتقاد كقوله تعالى : /لا إكراه في الدين/ .. /وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر/ .. /ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون / .

واوضح سماحته ان العناية بإصلاح ذات البين برزت من خلال جملة من التشريعات ذات الأبعاد الجامعة بين مكونات المجتمع المتعددة والمؤلفة بين قلوبها وبها تحققت نعمة الله على تلك الجماعات المتفرقة المتناحرة والمتصارعة فجمعتهم بعد الإختلاف وأصبحوا أهل مودة وائتلاف كما حكى الله تعالى عن ذلك بقوله / واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا /.

وأشار الى عقد المؤاخاة الذي قام به الرسول /ص/ في المدينة المنورة بين قبائل الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار ليجعل الأخوة أساسا لقيامة المجتمع الجديد وعنوانا من عناوين دعوته الرائدة التي اعتمدت على السلم قاعدة من قواعدها وبندا من بنودها كما تقدمت الإشارة إليه .. ولا شك في أن عقد الأخوة هذا قد شكل أهم الوسائل وأفضل الطرق المؤدية إلى فض الخلافات والنزاعات والمحققة للسلم بين الأفراد والجماعات.

وقال سماحته ” وقد جاء في نصوص السنة النبوية الشريفة أن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له بقية الأعضاء بالسهر والحمى وأن المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يخذله ولا يحقره وقد أصبح المسلمون في ظل هذه التعاليم مجتمعا من أطهر المجتمعات التي عرفها التاريخ في تحابهم وتوادهم وتراحمهم وتعاونهم كما حكى لنا ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى /محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم أجرا عظيما/.

واضاف ” ولما أصبحت الأخوة ركنا في بناء المجتمع الإسلامي فهي تحتاج إلى الرعاية والتعاهد بما يمنعها من الاهتزاز ولتبقى تؤدي دورها في تحقيق السلام الداخلي الذي يعتبر من الضروريات للانطلاق في عملية البناء والتغيير ومواجهة الأخطار التي تعترض المسيرة الجديدة ” .. مؤكدا ان الشريعة حذرت من كل ما يؤدي إلى إضعاف وحدة الأمة والمجتمع في فعل أو قول كالنزاعات والشائعات كما جاء في قوله تعالى /ولا تنازعوا تفشلوا وتذهب ريحكم/.

وقال سماحته ” وتعزيزا لسلامة العلاقات الداخلية فقد تعددت الروايات والأحاديث في الدلالة على ترسيم نهج أخلاقي من خلال منظومة القيم والمبادئ التي تبعد الإختلاف عن دائرة الخلاف والنزاع وتهيء المناخ لسلامة المجتمع الداخلية كما جاء في بعضها /أفضل المؤمنين إسلاما من سلم المؤمنون من لسانه ويده وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا/ و/أفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ثم قال لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه وحتى يأمن جاره بوائقه/ و/أفضل الإسلام من سلم المسلمون من لسانه ويده/ /والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه/ و / المسلم من سلم الناس من يده ولسانه والمؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم /.. مشيرا الى ان هذه التشريعات لا تخص العلاقة بالمسلمين بعضهم مع البعض الآخر بل هي شاملة لكل مكونات المجتمع من المسلمين وغيرهم باعتبار ورود كلمة الناس في بعض تلك الأحاديث وكلمة الجار المطلقة وغير المقيدة بدين أو مذهب.

واوضح الأمين ان الشريعة أمرت بتكوين جماعة تكون مهمتها الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي بمثابة الهيئة الدائمة للرقابة والإصلاح والتقريب وقد عبر القرآن الكريم عن تلك الجماعة بالأمة ولعل ذلك لرفعة قدرها وأهمية دورها الذي تقوم به في حفظ الأمة من داخلها كما في قوله تعالى /ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون/ .. مشيرا الى ان هذه الجماعة فيما نرى هي التي تشكل النواة للفرقة الناجية باعتبار أنها تسعى لنجاة المجتمع والأمة كلها وليست الفرقة الناجية هي التي تحتكر النجاة لنفسها وتضيق رحمة الله التي وسعت كل شيء.

وأشار الى انه ينتظم في وظيفة هذه الهيئة كل أفراد المجتمع بل يمكن القول بأن الأمة كلها تنتظم في هذا الواجب الهادف إلى تماسكها الداخلي باعتبار أنها الأمة التي وصفت بأنها خير أمة أخرجت للناس لأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وإيمانها بالله كما في قوله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).

وحول مسؤولية الولاة وأهل العلم والقلم ..أكد سماحة السيد على الأمين انه ورد في الحديث /إثنان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي الأمراء والعلماء/ وهذا ما يؤكد على ضرورة التعاون بين ولاة الأمر وأهل العلم والقلم على نشر ثقافة السلم والإعتدال التي تجمع ولا تفرق وتصلح ولا تفسد.

وأوضح انه إذا تركت الصراعات والنزاعات تعصف بالمجتمع وتخلى المسؤولون والمصلحون عن دورهم ومسؤولياتهم فإن ذلك سيؤدي إلى الظلم وهلاك المجتمع ..كما قال الله تعالى /وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون.

وحول كيفية الخروج بخطاب الإعتدال الديني من الحالة الفردية إلى الحالة المؤسساتية التي تجعل منه مرجعية عامة في ثقافة السلم الأهلي المؤثرة في سلوك الأفراد والجماعات .. اكد سماحة السيد على الأمين على أهمية دور ولاة الأمر بالدرجة الأولى في هذه المسألة المهمة والبالغة التأثير في مجتمعاتنا التي لا يمكن إخراج الدين من حياتها لأن الدين يشكل أساسا للفكر والعقيدة لديها فلا يمكن إغفاله عن دائرة التوجيه والتنظيم ولا بد من إبعاده عن دائرة الإستغلال في التعبئة الخاطئة التي تهدد السلم الأهلي والإستقرار من خلال الثقافة المضادة التي تزرع الفرقة والبغضاء باسم الدين بين أفراد المجتمع وفئاته وقد ذكرنا بأن ذلك يبتدئ من المدرسة والكتاب وهذا ما يتطلب تنظيما للتعليم الديني وتعديلا لمناهجه وإيجاد المعاهد المشتركة للدراسات الدينية وغيرها من المقترحات التي قدمناها في هذه السبيل في مؤتمرات عديدة”.

– بعثة – جنا – وام/جنا/مصط