الجمعة , مارس 29 2024

العلامة السيد علي الأمين: الله الله في أمتكم

العلامة السيد علي الأمين لصحيفة “اللواء”:

-حزب الله يشارك بالقتال في سوريا خلافاً لتوجهات الدولة اللبنانية ومعظم الشعب اللبناني

-لا أخشى من التعطيل الحكومي لأن الجيش يستلم السلطة لمرحلة مؤقتة

-لا يستقيم الوضع في البلد والنواب يخالفون الدستور بعدم انتخاب رئيس الجمهورية

-نحن من شيعة الوطن والدولة، ومصطلح “شيعة السفارة” لتعبئة الجمهور الحزبي ضدّ الرأي الآخر

-لو كنت مكان المرشد الأعلى لذهبت إلى مكة معتمراً ودعوت المسلمين إلى الوحدة وتجنب الفتنة

حوار: د. عامر مشموشي، د.حسن شلحة –  كتب د. خالد قباني

تزايد في الأشهر الأخيرة التوتر في الشارع الإسلامي، وذلك على خلفية الحرب الدائرة في كل من سوريا والعراق واليمن.
وقد زاد منسوبه في لبنان بعد تصعيد مشاركة حزب الله في القتال ضد الشعب السوري انتصاراً لنظام بشار الأسد.
وقد رأت أوساط بقاعية ولبنانية من كافة المذاهب الإسلامية في دعوة أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله إلى حشد شعبي في منطقة بعلبك – الهرمل لتحرير جرود بلدة عرسال دعوة إلى احتراب داخلي، نظراً لما لهذه الدعوة القائمة على حشد مذهبي من تداعيات داخلية وإسلامية.
كما تخشى أوساط المسلمين المعتدلين من صراع المتطرفين ومشاريعهم في الشارع الإسلامي السني والشيعي، على وحدة المسلمين الذين يرفضون بغالبيتهم الساحقة هذا التطرف وهذا الصراع.
«اللواء» التقت مفتي صور السابق العلامة السيّد علي الأمين وحاورته حول شؤون المسلمين ودعوات الاحتراب القائمة في أكثر من بلد عربي. فقال: «التوتر والتشنج في الشارع الإسلامي تصاعدا بعد مشاركة حزب الله بالقتال في سوريا وعجز الدولة عن منعه من ذلك».
وقال: «التوتر والتشنج بين السنة والشيعة اسبابه سياسية وليست فقهية أو مذهبية».
وقال: «عموم أهل السنة والشيعة يرفضون الفتنة والتقاتل في ما بينهم، فهذه الحروب الجميع فيها خاسر، ولا يستفيد من عدائهم سوى اعدائهم».
وتساءل: « كيف لبلد ان يستقيم والنواب فيه يخالفون الدستور بعدم انتخابهم رئيساً للجمهورية؟».
وقال:«على إيران لكونها دولة كبيرة ان تقوم بمبادرة لطمأنة دول الخليج لوقف التشنجات والصراعات العبثية».
وأعلن: «نحن من شيعة واتباع لبنان وشيعة السفارة مصطلح أطلق في إطار التعبئة لكي لا يسمع الرأي الآخر، ونرفض ان نكون بين خيارين إما السفارة الإيرانية وإما السفارة الاميركية».
ورأى ان «تحقيق الأمن والسيادة لا يكون عبر الحشد الشعبي على أساس مذهبي وتحقيق الأمن والسيادة من مهام الدولة وجيشها».
الحوار مع العلامة السيّد علي الأمين كان هاماً لكونه أحد أهم رموز الاعتدال الإسلامي، ولمواقفه الأثر الطيب في زمن التنافس على تسعير العصبيات والمفاهيم الضيقة.
وجاءت وقائع الحوار على الشكل التالي:

{ هل تفاجأتم بالتوتر المتصاعد حالياً في الشارع الإسلامي؟
– لا شك في أن هذا التوتر والاحتقان في الساحة الإسلامية في لبنان خصوصاً، والمنطقة العربية عموماً، له اسبابه في ما يخص وضعنا في لبنان، ويعود لمحاولة فريق لبناني بربط لبنان بالاحداث السورية، وهذه المحاولة ما زالت متواصلة من خلال مشاركة حزب الله بالقتال في سوريا، وتترك ذيولاً واثاراً في الساحة الداخلية، وهي تزيد من الاحتقان الطائفي والمذهبي، ويضاف إلى ذلك عدم قدرة الدولة على منع حزب الله من المشاركة في الحرب السورية، فهذه العوامل مهّدت، وأدت إلى هذا التوتر الذي لم يُشكّل مفاجأة.

{ هل أسباب هذا التوتر سياسية أم مذهبية؟
– لا شك ان هذا التوتر ذات جذور سياسية وليس لها علاقة بالطوائف والمذاهب الفقهية، الموجودة منذ قرون طويلة، ولم تحدث هذه الخلافات، ففي المناطق اللبنانية هناك عيش مشترك لجميع المنتمين لهذه المذاهب، إضافة إلى كثافة الزواج المختلط بين السنة والشيعة، فهناك روابط عائلية وأسرية، ولم تكن المذاهب الفقهية سبباً للخلاف في ما بينهم، وإنما اسبابها الآن سياسية، وهذه الدعوات لحشد النّاس على خلفية ما يجري في سوريا من اهم اسبابها.

{ أين مصلحة السنة والشيعة في هذا التوتر؟

– لا توجد أي مصلحة بتاتاً للأمة في هذا الصراع القائم في المنطقة، والذي غُلّّف بعناوين مذهبية وطائفية. والمتتبع لهذه الأحداث من سوريا إلى العراق ولبنان واليمن، يرى ان هناك مخططاً لتفجير الأمة من داخلها. هذه الأمة التي تمكنوا بعد الحرب العالمية الأولى من اسقاط دولتها التي كانت موجودة، وحولوها إلى دول، يبدو انهم بعدما وجدوا انها لم تتصادم بعد إسقاط الدولة العثمانية، أراودا ان يسقطوها عبر هذه الفتن، وهذه الفتنة تشكّل خطراً على الأمة جمعاء وهي لمصلحة أعداء الأمة.

{ هل تخشى من وقوع الفتنة في لبنان؟
– الخشية من الفتنة في لبنان والمنطقة قائمة نتيجة هذه الأحداث، خصوصاً ان الدولة اللبنانية لم تتمكن من عزل لبنان عن مجريات الأحداث في المنطقة وخصوصاً على الأراضي السورية، ويجب الحذر بل العمل على عدم نقل الأحداث الأمنية السورية إلى لبنان، وذلك عبر تفعيل مؤسسات الدولة الأمنية.

{ برأيك هل توجد توجهات لدى جماهير الشيعة والسنة للتقاتل في ما بينها؟
– للأسف لا أحد يستفتي النّاس ويأخذ برأيهم، فتوجهات اللبنانيين واضحة وهي رفض الفتنة والتقاتل، واللبنانيون ادركوا بعد الحرب الأهلية انه لا يوجد فيها رابح وخاسر، فالجميع فيها خاسر، ولكن وجود السلاح غير الشرعي هو الذي يُشجّع ويستدرك سلاحاً آخر، فتنشأ الصراعات، كل هذا سببه عجز وضعف الدولة عن بسط سلطتها على أراضيها.

والدولة أظهرت ضعفها في أكثر من محطة، فقبل السابع من أيّار واثناء السابع من أيّار، ومن ثم عدم قدرتها على منع أطراف لبنانية مسلحة من التدخل بالاحداث السورية. فكيف يُشارك حزب الله بالقتال في سوريا خلافاً لتوجهات الدولة وهو جزء من الحكومة اللبنانية؟ وفي ذلك إشارات واضحة لحجم ضعف الدولة.
والدولة لم تتمكن، لغاية الآن، من ان يكون لديها رئيس للجمهورية، فالبلد الآن، وللعام الثاني، من دون وجود رئيس للجمهورية، كل ذلك خلافاً للدستور، والنواب خلافاً للدستور يصرّون على عدم الذهاب إلى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس.

{ البعض يرى ان حزب الله يعيق قيام الدولة، فيما هو يرى ان الدولة موجودة ونفذت خطة أمنية في الضاحية الجنوبية؟
– على الدولة ان لا تخضع لرغبات أفراد أو أحزاب، فالدولة لا تطبق القانون على أراضيها، ويجب ان تطبقه على جميع اللبنانيين وليس بصورة جزئية أو انتقائية، فأين أصبحت الخطة الأمنية التي أعلنت عنها الحكومة في الضاحية وفي منطقة بعلبك الهرمل؟ فما حصل لا يعدو كونه اعلاناً وشعاراً من دون تطبيق فعلي على الأرض.
فالدولة تسن لنا عقوبات على المواطنين لمخالفتهم قانون المرور، ولا تطبق القانون على النواب الذين يخالفون الدستور بعدم انتخابهم رئيس الجمهورية.

{ برأيك ماذا أنتج الحوار بين حزب الله والمستقبل؟

– بمجرد عقد جلسات الحوار بينهما فهذا أمر جيد، وما حصل انه ابقى على تواصل قائم مطلوب بين الطرفين، وهذا شيء إيجابي للاستقرار في ظل عدم فاعلية المؤسسات الدستورية.

{ كيف يمكن الحد من الاصطفاف المذهبي؟
– هذا الاصطفاف له اسبابه المحلية والإقليمية، وهو حاصل في لبنان وفي بعض الدول العربية، لذلك أرى انه لا بدّ من لقاء وحوار بين الجمهورية الإسلامية في إيران وبين المملكة العربية السعودية، واعتقد أن هذا اللقاء يمكن ان يطفئ النيران حيث نخشى من الانفجار الكبير، فولاة الأمور ماذا ينتظرون وهم يرون دماء المسلمين تسيل في سوريا والعراق واليمن، لذلك يجب ان تكون هناك دعوة طارئة لمؤتمر الدول الإسلامية لوقف هذا النزيف.
ولو كنت مكان المرشد الخامنئي للبست ثوب الإحرام وذهبت إلى مكة المكرمة وحملت بيدي القرآن وتمسكت بأستار الكعبة وقلت لهم «ايها المسلمون على أي شيء تختلفون ربكم واحد ودينكم واحد وقرآنكم واحد ودينكم واحد وهذه قبلتكم واحدة اذاً على ماذا تختلفون؟»، وأذهب إلى الملك سلمان وأطلب اجتماع قادة المسلمين في مكة من أجل ان نوئد هذه الفتنة التي لا يستفيد منها إلا العدو.

{ ماذا تقرأ في التدخل الإيراني؟
– السياسة الإيرانية التي اعتمدت في المنطقة منذ سنوات هي من أسباب الصراعات القائمة حالياً، ولذلك إيران لن تكون بعيدة عن اضرار هذه الأحداث، ولذلك عليها ان تقوم بمبادرة لطمأنة دول الخليج، وعليها ان تقوم بذلك كونها دولة فاعلة وكبيرة في المنطقة، فهذه الخطوة تحصّن المنطقة من البعثرة ولعدم جعلها سوقاً لشراء وبيع السلاح وبالتالي تبديد الثروات، فالصراع قائم على قاعدة ان إيران «فزاعة»، وبالتالي لن نحصد منها سوى الدمار والخراب.

{ لكن إيران لديها مشروع تصدره إلى الدول العربية؟
– لكل دولة مشروع ومصالح، لكن يجب ان لا يكون مشروعها على حساب الدول الأخرى، ويجب ان لا تصطدم المشاريع ببعضها، والشيعة والسنة لن يستفيد من عِدائهم سوى أعدائهم.

{ في المقابل هناك تطرّف سني ممثّل «بداعش»، ماذا قرأت في هذه الظاهرة؟
– «داعش» ظاهرة خطيرة، وولادتها لها أسباب سياسية وخلفية ثقافية، فالأسباب السياسية هي ضعف الدول في المنطقة. فعندما خرجت التظاهرات السلمية في سوريا ومن ثم تم قمعها، وبالتالي دفعها إلى حمل السلاح، عندها أخذ ضعف الدولة ينتشر، باعتبار أن الدم يولد الدم، هكذا ولدت «داعش»، ومن ثم انتقلت من سوريا إلى العراق.
فهذه الظاهرة لا تمثل أهل السنّة والجماعة، فهي تمثل نفسها وأتباعها، ولذلك حزب الاخوان المسلمين رغم أنه أكبر حزب في مصر إلا أنه لا يمثل الشعب المصري، فداعش التي أظهرت المزيد من الوحشية مرتبطة بخلفية ثقافية خاطئة لا بدّ من مواجهتها من قبل المرجعيات الدينية في الأزهر، فالأزهر أعلن أن أفكار وتصرفات داعش لا تمثل الفكر الديني والإسلامي.

{ هل يمكن مواجهة التطرّف بتطرّف آخر؟
– هذه معالجة خاطئة، فلا يمكن مواجهة ومحاربة التطرف بتطرف آخر، فلا يمكن مواجهة النار بالنار فهذا يزيدها اشتعالاً، وإنما يجب مواجهتها بالاعتدال، فالفكر الاعتدالي عندما يدعم من ولاة الأمور والأنظمة وقتها يتم تجفيف المنابع الثقافية والفكرية التي تعتمد عليها هذه الجماعات في زيادة أتباعها.

{ أنتم وشيخ الأزهر من رموز الاعتدال الإسلامي ماذا عملتم لمواجهة التطرف؟
– إن فضيلة شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب من رموز الاعتدال الكبيرة في العالم الاسلامي، وهو دعا إلى عدد من المؤتمرات في الأزهر من أجل مواجهة الإرهاب والتطرف، وشيخ الأزهر أنشأ مجلساً سمّي «بمجلس حكماء المسلمين»، تُشارك فيه قيادات دينية من جميع المذاهب الإسلامية، وعقد عدّة لقاءات وأصدر توصيات ويعمل للتواصل مع مختلف الأطراف لوضع الحلول لمواجهة التطرف ومنع الفتنة بين المسلمين.

{ الفريق الشيعي المعارض «للثنائي» الشيعي يتعرّض لضغوط متزايدة آخرها اتهامه بأنه شيعة السفارة الأميركية. برأيك لماذا هذه الضغوط؟
– أنا من شيعة لبنان، وأرفض أن نكون بين خيارين، إما أن نكون مع السفارة الإيرانية وإما مع السفارة الأميركية، فنحن شيعة وأتباع للبنان الوطن.

فهذه الأوصاف التي أطلقت داخل الطائفة أتت في إطار التعبئة لإيجاد مانع من أن يسمع الرأي الآخر، فتمت مخاطبة جمهور حزب الله بأن هؤلاء من شيعة السفارة الأميركية.

وأنا ذهبت إلى السفارة الأميركية مرّة واحدة منذ خمس سنوات من أجل الحصول على تأشيرة دخول لأميركا، بهدف التواصل مع أبنائنا وأصدقائنا الشيعة، فتم رفض طلبي ولم أمنح الفيزا.

وهذه السياسة التي يتبعها الثنائي هي سياسة مضرّة للشيعة في عيشهم المشترك مع الآخرين في لبنان، ومع أشقائهم العرب في الدول العربية.

{ هل خشيت من تداعيات الحشد الشعبي الذي دعا له السيّد حسن نصر الله؟
– نعم تخوّفت من هذه الدعوة والتقيت بأناس عديدين من منطقة بعلبك – الهرمل أبدوا خشيتهم من هذه الدعوة، وقالوا بأن هذه الدعوة تؤدي إلى حالة من الصراع الداخلي الذي لم يحصل لغاية الآن في مناطقنا.
فالحشد على أساس مذهبي من الممكن أن يؤدي إلى فتنة طائفية ومذهبية.
فهذه الدعوة، مستغرب من السيّد نصر الله أن تصدر عنه، فليس من مهماته أن يكون وصياً على الأمن والسيادة، فهناك دولة وهناك جيش هو مسؤول عن الأمن والسيادة.

{ لكن حزب الله يقول بأنه يقاتل في سوريا كي لا تأتي المنظمات المتطرفة إلى لبنان؟

– أكدت التفجيرات في الضاحية وغيرها أن ما قام به حزب الله استدرج الإرهاب إلى لبنان ولم يمنعه، بل عندما أجزت لنفسك أن تذهب لمقاتلة هذه التنظيمات على أرضها أجزت لها بالمجيء إلى أرضك وقتالك عليها، الذي يمنع الإرهاب في لبنان هو الجيش ووقتها حزب الله وجميع الشيعة والسنّة وغيرهم يدعمون الجيش في مواجهته.
وسمعت بأنهم يقولون بوجود 400 كلم في جرود عرسال محتلة وتساءلوا كيف يسكتون عن تحريرها؟ وأنا أقول مزارع شبعا أقل منها وأهم منها فلماذا لا يذهبون لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي؟ ولماذا ساكتون عنها؟

{ ماذا تقول للمسلمين وسط هذا التوتر؟
– أقول لهم الله الله في أمتكم، وقال الله تعالى لنا «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»، فأي منكر أعظم من هذه الفرقة والبغضاء التي تنتشر خدمة لأعدائهم، وعليه يجب أن نعمل من أجل إطفاء هذه النيران، وجمع الكلمة لخدمة أهلنا وأوطاننا وديننا، الذي يقول لنا «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا ما بين أخويكم».

{ هناك شغور رئاسي وهناك خشية من تعطيل الحكومة، فهل لديك خشية من فراغ في كامل مؤسسات السلطة؟
– نحن لا نخشى من حدوث فراغ، حتى لو سعى البعض إلى إسقاط الحكومة، فهناك شغور موجود في رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب الذي مدّد لنفسه مرتين ولا يقوم بأي واجب سوى تحميل الدولة الأموال الطائلة.
والحكومة هي حكومة تصريف أعمال، وفي حال تمّ تعطيلها لإسقاطها فأنا لا أخشى الفراغ، فوقتها يمكن للجيش اللبناني أن يستلم السلطة مؤقتاً لغاية سنة أو ستة أشهر، فالفراغ في الدولة ممنوع. مع الفراغ في المؤسسات الدستورية الجيش يستلم السلطة ويجري انتخابات نيابية ورئاسية، وهذا أفضل من الشلل المتراكم في المؤسسات.