الجمعة , مارس 29 2024

دعا الشيعة لإعادة النظر فيها بدرس حياة أئمة أهل البيت- العلامة الأمين : ممارسات عاشوراء عادات لا أصل لها شرعاً

شدد العلامة السيد علي الأمين على ان الشتم والتكفير امران غير جائزان، لأن الشريعة تنهى عن السلوك البعيد عن الأصول والقيم الإسلامية، معتبراً ان الكثير من الممارسات التي تجري في عاشوراء هي عادات لا اصل لها في الشرع. وطالب الشيعة بـاعادة النظر في هذه العادات والشعارات وأن يدرسوا حياة أئمة أهل البيت (ع) وأن يرجعوا إلى مسيرتهم في ممارسة الشعائر، لأنهم هم القدوة والمرجعية الصالحة في هذه القضيّة وغيرها وينبغي ألا يرجعوا فيها إلى أحزابهم وتنظيماتهم وعواطفهم وعاداتهم الموروثة.


وقال الأمين في حديث الى موقع 14 آذار الالكتروني أمس، ردا على سؤال عن عادات ضرب الصدور وإدماء الرؤوس التي ترافق يوم العاشر من محرم: إنّ الكثير من الممارسات التي تجري في مراسم عاشوراء أصبحت من العادات التي لا دليل عليها في أصل الشرع ولم يمارسها أهل البيت بعد استشهاد الإمام الحسين. ويروي أصحاب السيرة الحسينية في مجالسهم وصية الإمام الحسين لأخته السيدة زينب وفيها النهي عن خدش الوجه وشقّ الجيب وغير ذلك من مظاهر الجزع عند المصاب التي ورد النّهي عنها في الشرع.


اضاف: لقد ترسّخت هذه العادات عبر قرون من الزّمن من منطلقات عاطفيّة، ولكنّ العلماء عموماً لم يتصدّوا لتهذيب هذه العادات وتعليم الناس ما ينبغي أن يقوموا به في هذه المناسبات، ممّا أوحى لكثير من النّاس أنّها عادات موافقة للشّرع مع أنّ كثيراً من العلماء الكبار لا يمارسون تلك الأعمال ولا يحبِّذونها. وذكر بـتعليق العالم المجتهد الشيخ محمد جواد مغنيّة على تلك العادات، ومفاده أنّ العادات والتقاليد المتبعة عند العوام لا يصحّ أن تكون مصدراً للعقيدة لأن الكثير منها لا يقرّه الدّين الذي ينتمون إليه حتى ولو أيّدها وساندها شيوخ يتسمون بسمة الدّين. ومنها ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران من لبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في يوم العاشر من محرم.


واشار الى انّ هذه العادة المشينة بدعة في الدين والمذهب، وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة من دون أن يأذن بها إمام او عالم كبير كما هو الشأن في كلّ دين ومذهب، حيث توجد به عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الإهانة والضرر، ولم يجرؤ على مجابهتها ومحاربتها أحد في أيامنا إلا قليل من العلماء وفي طليعتهم المرحوم السيد محسن الأمين الذي ألف رسالة خاصّة في تحريم هذه العادة وبدعتها وأسمى الرسالة التنزيه لأعمال الشبيه.


وعن شتم بعض صحابة رسول الله (ص) خلال عاشوراء في بعض الأماكن وما يرافقه ذلك من تكفير لهم، قال الامين: انّ منطق السبّ والشّتم هو منطق غير أخلاقي وغير ديني، ولذلك لا نجد له أثرأ في كلام الأئمة وغيرهم من السلف الصالح الذين تخرجوا من مدرسة الإسلام وكانوا النموذج المثالي في أخلاقهم وعلاقاتهم وكلماتهم. وروي أن الإمام علياً (ع) سمع قوماً في حرب صفين يشتمون ويسبّون فنهاهم عن ذلك بقوله (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين) وقد جاء في الحديث عن النبي (ص) أنه قال (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وقد ورد عن الإمام زين العابدين في الصحيفة السجادية قوله: (اللهم صل على أتباع الرسل وأصحاب محمد خاصّة الذين أحسنوا البلاء وصلّ على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الديـّن). ولذلك لا يجوز السب واللعن لأن الشريعة تنهى عن هذا السلوك البعيد عن الأصول والقيم الإسلامية الّذي لا يؤدّي إلاّ إلى المزيد من الفرقة والإنقسام بين أبناء الأمة الواحدة.


ولفت الامين الى عدم جواز تكفير المسلم لأخيه المسلم لأن ذلك مخالف لكتاب الله الذي جاء فيه (إنما المؤمنون إخوة) (ولا تقولوا لمن ألقى عليكم السلام لست مؤمناً) فما دام المسلم مقرّاً بالشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فهو مسلم وأخ للمسلم. وكما جاء في الحديث عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام (المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يخذله ولا يكذبه).


واكد أنّ التكفير الذي حصل في فترة من الفترات المظلمة بين المذاهب الإسلامية كان بدعة من البدع التي لا يجوز العودة إليها، ولذلك اتفق العلماء من كلّ المذاهب على عدم جواز تكفير أهل القبلة بذنب لأن الإسلام الحاصل بالشهادتين يجمع كلّ المسلمين على اختلاف مذاهبهم.


وأوضح الامين حقيقة المقترحات العديدة التي سبق له أن تقدم بها خلال بعض مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية ومنها إنشاء معهد جامعي للدراسات الإسلامية تدرس فيه جميع المذاهب الإسلامية، ويعيش فيه الطلاب والمشايخ بعضهم مع البعض الآخر وكذلك اعادة النظر في مناهج الدراسة الدينية.



وعن الدروس المستفادة من كربلاء، قال: في عاشوراء محطة أليمة في التاريخ الإسلامي فاقت كلّ التوقّعات بحيث بلغت الجرأة على سفك الدّماء التي حرّم الله سفكها بنصّ الكتاب والسنّة حدّاً وصلت فيه إلى رموز دينية كبرى كانت لها مكانتها المقدّسة في نفوس المسلمين جميعاً، فأصابت الإمام الحسين ابن بنت رسول الله وأهل بيته وأصحابه، ولذلك كانت فاجعة كربلاء فاجعة عظمى على كلّ المسلمين، وقد كان السبب في إقامة هذه الذكرى سنويّاً لإظهار مدى فظاعة هذه الجريمة حتّى لا تتكرّر المأساة في حياة المسلمين حقناً للدّماء، لأن دماء الإمام الحسين إذا ذهبت بدون تنديد واستنكار متواصلين، لا تبقى قيمة لدماء المسلمين.


واعتبر انّ كربلاء تظل مدرسة نتعلم منها دروساً في الصبر والتضحية والفداء ورفض القهر والظلم، ونموذجاً لكلمة الحق التي واجهها الحاكم بالسيوف وقطع الرؤوس. وتبقى الأسباب والظروف التي أحاطت بالإمام الحسين عليه السلام ودفعته الى الخروج مع اطّلاعه على النّتائج خاصّة بالإمام الحسين فهي قضيّة في واقعة وتكليف خاصّ بالإمام الحسين وهذا ما فهمه أئمة أهل البيت بعد استشهاد الإمام الحسين فلم تؤسس حركة الإمام الحسين عندهم لقاعدة عامّة في الخروج على الحاكم، ولذلك لم تتكرّر كربلاء في حياة الأئمة مع أنّ أسباب الظلم والقهر لم تتغيّر في كثير من مراحل حياتهم.


ونبّه على أمر بالغ الأهمية انّ أئمة أهل البيت وقفوا موقفاً متشدداً من الذين حاولوا أن يستغلوا دماء الإمام الحسين ورفعوا شعارات (يا لثارات الحسين) ليشعلوا نار الحروب والفتن بين المسلمين، فقال الإمام جعفر الصادق لهم إن الحسين ليس ثأراً لأشخاص ولا لقبيلة ولا لعشيرة، إنه ثأر الله، فالشهيد عندما يسقط في سبيل الله فإن الله تعالى هو الذي يتولى أخذ ثأره من الظالمين من خلال أحكامه وقوانينه التي يسقط بها عروش الطّغاة. فالإمام الحسين ليس ثأراً لبني هاشم وليس ثأراً لطائفة ومذهب، والذين قتلوه أصبحوا في محكمة الله تعالى والإمام الحسين قد استشهد وهو ثأر الله والله خير الحاكمين.


وتوجه الى الشيعة بالقول: المطلوب من الشيعة اليوم أن يعيدوا النظر في هذه العادات والشعارات وأن يدرسوا حياة أئمة أهل البيت (ع) وأن يرجعوا إلى مسيرتهم في ممارسة الشعائر لأنهم هم القدوة والمرجعية الصالحة في هذه القضيّة وغيرها، وينبغي ألا يرجعوا فيها إلى أحزابهم وتنظيماتهم وعواطفهم وعاداتهم الموروثة فالشيعة كما وصفهم الإمام الباقر (هم سلم لمن خالطوا وبركة على من جاوروا وإذا رضوا لم يسرفوا وإذا غضبوا لم يظلموا) وقد روي عن الإمام علي (ع) قوله (انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردىً فإن نهضوا فانهضوا وإن لبدوا فالبدوا ولا تتقدموهم فتضلّوا ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا).


– غسان عبد القادر – المستقبل – الجمعة 25 كانون الأول 2009 – العدد 3521 – شؤون لبنانية – صفحة 4