السبت , ديسمبر 14 2024
الامين | أسس الحوار بين الطوائف اللبنانية

أسس الحوار بين الطوائف اللبنانية

أسس الحوار بين الطوائف اللبنانية

من كلام للعلامة المجتهد السيد علي الأمين – في جامعة الحكمة – لبنان – 18-12-2009

 النهار – الوكالة الوطنية للإعلام

 

            إن الحوار الذي نريده بين الطوائف اللبنانية ونتطلع إليه هو الحوار الذي لا يبدأ من نقطة البداية ولا ينطلق من الفراغ بل هو الحوار الذي تغنيه مسيرة طويلة من التعارف والتواصل و العيش معاً دامت أجيالاً عديدة ولا تزال بعض الصّور من تلك المسيرة حية في ذاكرتنا كما لا يزال بعضها الآخر ماثلاً للعيان.

           وفي اعتقادنا أن الحوار الذي جرى بصمت في ماضينا البعيد والقريب والذي عشنا نحن الكبار في السن بعض مراحله عملاً وقولاً وحياة مشتركة في القرى و المدن والأحياء و المدارس التي كنا نجلس على مقاعد الدراسة في صفوفها دون أن يعرف بعضنا الانتماء الديني لزملائه في الدراسة وإذا عرفنا ذلك فلم تكن تعني لنا تلك المعرفة عنصراً غريباً في العلاقة الانسانية والأخوة الوطنية. هذا هو الحوار الذي كان موجوداً من الناحية العملية والذي كان يتضمّن الرضا بالآخر والقبول به كما هو شريكاً كاملاً في عائلة وطنيّة واحدة لا تقوم بدونه.

           وهذا هو الحوار الذي قام عليه بناء الكيان اللبناني الجامع لكلّ الطوائف ويمكن تلخيص هذا البناء بالأسس التالية:

   أولاً: لبنان هو الوطن الواحد والنهائي لكلّ أبنائه وطوائفه بحدوده القائمة حالياً منذ التأسيس و المعترف بها دولياً.

  ثانياً: الطبيعة التعدّدية لشعبه المعبّر عنها بالعيش المشترك

  وثالثاً : مرجعية الدولة الواحدة و الوحيدة الناظمة لأمور البلاد و العباد.

ولذلك نحن نرى أن الحوار المطلوب اليوم بين الطوائف اللبنانية يجب أن يستمرّ على تلك الأسس مستفيدين من القيم والمبادئ الدينية الداعية للإنفتاح والتسامح ومستفيدين أيضاً من تجارب الشعوب والأمم الأخرى لتطوير حياتنا السياسية بما يعزّز الروابط الاجتماعية والوطنيّة ويرسّخ العيش المشترك محافظين على التعدّدية الدينية و السياسيّة.

ومن هنا نقول إن وظيفة الحوار بين الطوائف اللبنانية هي وظيفة الجمع فيما بينها تحت مظلّة الدولة الواحدة الضّامنة للحريّات الدينية والسياسيّة والفكريّة.

 

وليست وظيفة الحوار التبشير والجدل في المعتقدات الدّينيّة التي سوف تبقى مثاراً للإختلاف العقائدي الفكري الذي يشكّل سمة من سمات التّعدّدية التي تتفق مع التعدّد في الرسالات السّماويّة حيث لا يوجد استنساخ في مجال العقائد والأفكار وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله :  (لكلّ جعلنا شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون ) سورة المائدة،آية 48.

والمستفاد من هذه الآية وهو ما ما تدعمه وتؤيّده التجارب بين الأمم والشعوب والمجتمعات المتعدّدة أنّ مساحة الحوار تبقى في التّسابق نحو الخيرات لأوطانها وشعوبها وهي لم تقطع أشواطاً باتجاه التّقدّم الحضاري والرّقي والاستقرار في علاقاتها الاجتماعية وأنظمتها السياسية إلاّ بعد التخلّي عن الجدل و النّزاع في المسائل الدينية التي لا يوصل النزاع فيها إلا إلى المزيد من الانقسامات والصّراعات المدمّرة لنسيج المجتمعات في الوطن الواحد وإلى المزيد من العداوات بين الدّول و الشعوب.

ولذلك يجب أن يتوجّه الحوار إلى ترسيخ تلك الأسس التي ذكرناها وإلى مساحة الخيرات الشاملة الهادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وصون الحقوق الانسانية من خلال النظر المتواصل في سبل تطوير نظامنا السياسي وتحصين عقدنا الاجتماعي وإصلاح مناهجنا التعليمية ووسائلنا الإعلامية وبرامجنا الثقافية والتربوية التي تصنع المواطن الصالح الذي يكون ولاؤه للوطن والدولة من خلال علاقتها المباشرة بالمواطنين دون وساطة طائفية أو زعامة سياسية بعيداً عن الجدل البيزنطي في المعتقدات التي تبقى مندرجة في إطار الحريات الدينية التي لا يجوز المساس بها في حالٍ من الأحوال.  

شارك المعرفة وانشر