الجمعة , ديسمبر 13 2024
تفاصيل المرفق العالم-الجديد-السيد-علي-الأمين-مشتاق-الحلو

التشيع والدولة وولاية الفقيه والإسلام السياسي في حوار صريح مع العلاّمة السيد علي الأمين (2-2)

التشيع والدولة وولاية الفقيه والإسلام السياسي

في حوار صريح مع العلاَّمة علي الأمين (2-2)

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”إستمع للقراءة الآلية”]
حوار: مشتاق الحلو

تنفرد “العالم الجديد” بنشر النص العربي للحوار الذي أجراه الباحث العراقي مشتاق الحلو مع العلاّمة السید علي الأمين، عضو مجلس حكماء المسلمين (وهي منظمة دولية يرأسها شيخ الأزهر)، حول جملة من القضايا المهمة، أبرزها إشكالية الدولة والمواطنة، والموقف من “ولاية الفقيه”، والإسلام السياسي، وشكل المرجعية الدينية، والعلاقة بين المذاهب والأديان.

 

(2)

ما هو مشروع “اتحاد الانسانية” الذي تدعو إليه؟ وما موقف الشريعة الاسلامية منه؟

– يقوم مشروع (اتحاد الإنسانية) على الالتقاء بين البشر على المشتركات الإنسانية بين الأمم والشعوب، بعيداً عن الإنتماءات العرقية والدينية والوطنية وغيرها، فهي دعوة للحوار والتلاقي والتفاهم والتعايش بسلام فيما بينهم، وهي نبذ لدعوات التمييز والفرقة، وهذا المشروع يلتقي مع الشريعة الإسلامية في نفي التفاضل بين البشر على أساس العرق واللون والانتماء الديني وغيره، فالشريعة تقول: (كلكم لآدم وآدم من تراب) و(الناس سواسية كأسنان المشط) و(لا فضل لأبيض على أسود، ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)، وفاقاً للنص القرآني الذي يخاطب كل الناس: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وليس في الشريعة الإسلامية ما يمنع من قيام اتحاد على هذه الأسس والمبادئ التي تساوي بين الناس على اختلافهم في الجنس والدين والمذهب، قال الله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).

تدعون دائما لمنهج “الوسطية والاعتدال”، ماذا تقصدون به؟

– المقصود من منهج الوسطية والاعتدال هو نبذ ثقافة التعصّب والتطرّف ورفض الإرهاب والعمل على نشر ثقافة الحوار والتفاهم بين الناس ودعوتهم إلى العيش معاً بسلام واحترام، وبهذا المنهج تبتعد المجتمعات والشعوب والدول عن المشاحنات والصراعات التي تولد الحروب والويلات.

كيف ترون المذاهب السنية؟

– المذاهب السنّية وغيرها من المذاهب الفقهية الأخرى هي في الأصل مدارس فقهية تأسست على أيدي أئمة وعلماء بارزين في العلم والدين لهم آراؤهم واجتهاداتهم في التعرف على أحكام الشريعة باستنباطها من مداركها بالدليل، وسميت بعد ذلك بالمذاهب بسبب اشتهار أصحابها والعمل بآرائهم، وهذه المذاهب ليست أدياناً، ولكنها اجتهادات مشروعة في فهم الكتاب والسنّة يجمعها الدين الواحد وهو الإسلام.

كيف ترون علاقة المذاهب الإسلامية (السنية والشيعية) اليوم ببعض؟ ما هو سبب الوضع الراهن؟ وما هي أفضل الحلول؟

– قد أساء ظهور الطائفية أخيراً في مجتمعاتنا الإسلامية إلى العلاقات بين أتباع المذاهب الإسلامية من السنّة والشيعة، ويعود السبب في ذلك إلى الصراع على السلطة والنفوذ بين الأحزاب الدينية والجماعات السياسية في الداخل وبين دول اقليمية على مستوى الخارج تدعم تلك الأحزاب، وزاد من حدّته غياب العلاقات الطبيعية بين الدول العربية والإسلامية في المنطقة.

وقد عاش السنة والشيعة إخواناً في مجتمعاتهم وأوطانهم قروناً عديدة وسيبقون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكانوا يختلفون في قضايا تاريخية ودينية تبعاً لاختلاف الإجتهادات بين علمائهم ولم يؤثر اختلاف تلك الإجتهادات على الروابط الدينية والوطنية التي تجمعهم، ولأنه لم يكن بينهم ما أحدثته الأحزاب من صراعات على السلطة والحكم باسم الدين والمذهب.

هل يرقى خطاب الكراهية لدى بعض رجال الدين من مختلف الاديان والمذاهب الى جريمة؟

– لا شك بأن الذي ينشر خطاب الكراهية بين الناس هو من الذين يسعون في الأرض فساداً، وهو من الذين يشيعون الفاحشة والشحناء في المجتمع ومن الذين يحرضون على الفتن، والفتنة أشد من القتل، فهو خطاب يفتح الطريق نحو التطرّف وآفة الإرهاب، ولا بد في محاربة الإرهاب من إغلاق الطرق المؤدية إليه، ولذلك طالبنا الدول التي تعمل على مكافحة الأرهاب أن تعمل على إصدار تشريع قانون عالمي يعاقب صاحب خطاب الكراهية.

ما هي أفضل سبل مواجهة التطرف والتكفير والارهاب؟

– إن مواجهة آفة التطرف والتكفير والإرهاب هي مسؤولية الجميع من أهل الفكر والعلم وأهل السلطة والحكم، وفي الحديث: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) وهنا تبرز مسؤولية الدول وولاة الأمر خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي بلغ فيها الشحن الطائفي مستوى خطيراً يهدد نسيج الوحدة الوطنية والتعددية الثقافية في شعوبنا ومجتمعاتنا والذي بات يشكل أيضاً المناخ الملائم لانتشار ثقافة العداء والكراهية للآخر المختلف، وهو ما يهدد أيضاً العلاقات مع شعوب ودول العالم الأخرى. والمطلوب لمواجهة هذه الحالة الطائفية الطارئة التي تهدد الاستقرار في بلداننا وعلاقاتنا مع الشعوب الأخرى أن يتحرك – بالدرجة الأولى – ولاة الأمر والحكام في دولنا العربية والإسلامية – لأنهم يمتلكون الإمكانات لمواجهة ثقافة التطرّف بالعمل على ترسيخ قواعد المواطنية التي تقوم على العدل والمساواة بين المواطنين، وبالعمل على دعم:

أ – أصحاب خطاب الاعتدال الديني.

ب – إنشاء المعاهد للدراسات الدينية المشتركة.

ج – تنظيم السلك الديني وتحديث مناهج التعليم في المعاهد والمدارس الدينية.

د – تأليف الكتاب الديني الواحد لطلاب المدارس الأكاديمية يتحدث فيه عن المشتركات الدينية والفضائل الإنسانية، وأما خصوصيات المذاهب والأديان فهي مسؤولية المساجد والكنائس والمعاهد والمعابد الخاصّة بكل دين ومذهب.

هـ – اعتماد الوسائل الإعلامية والقنوات التلفزيونية التي تنشر فكر الوسطية والاعتدال في مجتمعاتنا المحلّية وعلى المستوى العالمي.

و – كما أن المطلوب من علماء الدين التمسّك بخط الوسطية والاعتدال الذي دعت إليه الشرائع السماوية، والإبتعاد عن الانخراط في الحالات الحزبية التي تدفع بطبعها أصحابها للتعصّب لآراء أحزابهم، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء كانوا الدعاة للألفة والانسجام، وما كانوا دعاة للفرقة والإنقسام.

ما هو رأيكم بسب او لعن بعض صحابة الرسول بحجة انهم كانوا اعداء لأهل بيت الرسول؟

لم ندرس في كتاب أن اللعن والشتم هما من أصول الانتماء إلى أي مذهب من المذاهب، وإن وجد ذلك عند بعضهم فهو لا يعبر عن منهج عام لطائفة أو مذهب، وإنما يعبر عن سلوك شخصي لأصحابه الذين لم يتخلّقوا بأخلاق الإسلام التي تقول إن: (المسلم من سلم الناس من يده ولسانه)، وأن: (المؤمن ليس باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء).

ونحن نعتبر أن الإساءة للصحابة الذين “رضي الله عنهم” ولأمهات المؤمنين “رضي الله عنهنّ” من المحرمات الكبيرة، وأن المسيئين هم عصاة ظالمون لأنفسهم ولمجتمعاتهم.

وقد ذكرت – في كتابي (السنّة والشيعة أمة واحدة) إسلام واحد واجتهادات متعددة – العلاقة التي كانت قائمة على المحبة والتعاون بين الصحابة وأهل بيت الرسول.

ما رأيك بدعوة البعض للانتقال من مذهب الى آخر؟

– ذكرت في كتابي: (السنّة والشيعة أمة واحدة) إسلام واحد واجتهادات متعددة، أن أئمة أهل البيت رفضوا الدعوة في زمانهم لأنفسهم ورفضوا الدعوة إلى التشيّع حتى لا يجعل البعض منه جماعة أو حزباً سياسياً يستخدمه لمشاريع سياسية خاصة وتحقيق طموحات سلطوية تعمق الشرخ والانقسام داخل الأمة الإسلامية ومجتمعاتها، وهذا ما يستفاد من سيرة الأئمة العملية ومن الأخبار الكثيرة المروية عنهم بهذا الشأن ومنها على سبيل المثال أنهم كانوا يطلبون من الشيعة أن يكونوا دعاة لهم بأعمالهم وسلوكهم وأن يكونوا زيناً لأئمتهم لا أن يكونوا شيناً عليهم . ولذلك نحن نرفض العمل التبشيري بين اتباع المذاهب لأنه يحدث الفرقة بين المسلمين وليس له أي مردود من الناحية الدينية لأن انتقال المسلم من مذهب إلى مذهب آخر هو كنقل الماء من ضفة النهر إلى الضفة الأخرى وليس انتقالاً من الكفر إلى الإيمان! والإسلام هو النهر العظيم الذي يتسع لكل تلك المذاهب. وقد قلت إنّ التسنّن إذا كان هو الإلتزام بسنّة رسول الله فكل المسلمين سنّة، وإذا كان التشيّع هو حبّ أهل البيت فكل المسلمين شيعة.

فالواجب هو العمل على تقارب المسلمين ووحدتهم وليس العمل على ما يحدث الفرقة ويزيد الانقسام بينهم.

ما رأيكم في التزاوج بين أتباع مختلف المذاهب؟

– الزواج بين أتباع المذاهب كان قائماً قبل ولادة المذاهب، وبعدها وهو موجود في زماننا وقبله، وسيبقى إلى يوم القيامة، كما ورد في الخبر: (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة)، فالمؤمنون إخوة والطيبون للطيبات، وليس في ذلك أدنى إشكال واعتراض إلا من بعض المتعصّبين الذين لا يفقهون، وقد ورد في أخبارنا زواج الخليفة عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت الإمام علي.

والإمام محمد الباقر كان متزوجاً من أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان الإمام الصادق ولده منها، ولذلك روي عنه قوله: (ولدني أبو بكر مرّتين) فالخليفة أبو بكر هو جد الإمام الصادق لأمه.

هل ترون الخلافات الصفوية ـ العثمانية سياسية كانت أم مذهبية؟

– إن من يرجع إلى تاريخ تلك الحقبة من الصراع الصفوي العثماني يدرك أن أسباب الصراع كانت تهدف إلى التوسع والمزيد من السيطرة والنفوذ، ولا علاقة فيها للمذاهب، وإن استخدمت المذاهب في تلك الحقبة غطاءً لتلك الأهداف، وكان رفع الدفاع عن المذاهب شعاراً لشدّ العصب الطائفي، وحشد المزيد من الأنصار في المعركة.

كیف تجدون تقسيم علي شريعتي للتشيع إلى علوي وصفوي؟ ولماذا؟

– قد وردني هذا السؤال في بعض المقابلات وقلت في الإجابة عليه: إن الماضي الذي جرى بين الدولتين الصفوية والعثمانية من صراع على السلطة والنفوذ في العالم العربي كان وراء إثارة نعرات طائفية ومذهبية لم تكن موجودة في العهود السابقة خصوصاً في عهود معاصرة أئمة أهل البيت لمعظم الحكام والخلفاء في الدولتين الأموية والعباسية ولا شك أن الصراع وخصوصاً الدموي منه يولد ثقافة فيها الكثير من مدح الذات والجماعة والكثير من الكراهة والبغضاء للآخر وإظهار عيوبه وكتم فضائله وتغييب المشترك معه وظهور العنصريات كما قال الشاعر:

وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ

كما أنّ عين السخط تُبدي المساويا.

ويمكن أن يكون من أسباب التمييز عند الدكتور علي شريعتي هو نقد جملة من العادات والتقاليد التي استحدثت بعد زمان أئمة أهل البيت من دون أن يكون لها أصل في الشرع والدين.

والمطلوب في عملية التصحيح هو العودة إلى ينابيع الإسلام الأصلية من الكتاب والسنة وعرض موروثاتنا العقدية والفقهية عليها عملاً بقوله تعالى: (…فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا…) والرد إلى الله يكون بالعودة إلى القرآن الكريم والرد إلى رسوله يكون بالرجوع إلى سنته الجامعة غير المفرقة.

شارك المعرفة وانشر