الإمام المهدي والخلاف فيه
إن الخلاف حول الإمام المهدي بين الشيعة الإمامية وبين غيرهم من المسلمين المؤمنين به هو خلاف في حصول ولادته وعدمها وليس في أصل فكرة الإمام المهدي وخروجه وليس في دوره المنوط به تحقيقه في آخر الزمان. فقد روى الترمذي في صحيحه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ إسمه إسمي. وروى الإمام أحمد في مسنده أنه قال: لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ إسمه إسمي. وروى هذا المعنى غيرهما أيضاً، وقال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: (والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة…). ولا أرى في اعتقاد طائفة من المسلمين بالغياب سبباً للفرقة والإنقسام ما دامت الإمامة ليست أصلا من أصول الدّين وليست ركناً من الأركان الّتي أجمع عليها المسلمون فلا يحكم بكفر المخالف لها وغير المعتقد بها وهي لا تسيء إلى معتقدات الآخرين لأنّها لا توجب هذا الإعتقاد على من لم يقم لديه الدّليل عليها ولا تضرّ بالقواسم المشتركة التي يصير الإنسان المعتقد بها مسلماً وهي التّوحيد والنبوّة واليوم الآخر. وقد عاش المسلمون مع النّصارى في بداية الدّعوة ولا يزالون في بلادٍ عديدة مع اختلاف عقيدتهم في السيّد المسيح عليه وعلى نبيّنا أفضل الصّلاة والسّلام، والنّصارى يعتقدون بالمجيء الثّاني للسيّد المسيح عليه السّلام وكثير من المسلمين يؤمنون بالخضر الحيّ صاحب النّبيّ موسى عليهما السّلام. وقد حدّثنا القرآن الكريم عن العمر الطويل الذي عاشه النبي نوح عليه السلام (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلاّ خمسين عاماً) وفي بعض الروايات أن المذكور في الآية المباركة هو عمر نبوّته وأمّا عمره منذ ولادته فقد كان أطول من ذلك بكثير. وعلى كل حال فإن طول الحياة ليس أمراً مستحيلاً عقلاً، خصوصاً بعد وقوعه وورود النقل به. والمهم أن لا ينشأ من المعتقد سلوك يتنافى مع أصول الشريعة التي ينتمي إليها، وأن لا يسيء إلى معتقدات الآخرين وإلى حسن العلاقة معهم فإنّ هناك قضايا سوف تبقى محلّ خلافٍ بين البشر أمرنا الله بتجاوزها وبعدم إفساد العلاقات بيننا على أساسها كما قال سبحانه وتعالى (فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون) فالدّين ليس طقوساً مجرّدة عن بُعدها الإنساني في علاقات المجتمع بعضه مع البعض الآخر ولذلك ورد في مضامين عدد من الأحاديث أنّ (الدّين المعاملة) وقال الشّاعر:
ما دمتَ محترماً حقّي فأنت أخي آمنت بالله أم آمنت بالحجرِ
ومما تقدم من روايات صحيحة ومتواترة في خروج الإمام المهدي في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً يظهر لنا أنه لا خلاف يستحق الوقوف عنده في هذه القضية التي يجب أن تكون من عوامل التوافق والتقارب وليست من مسائل الخلاف والتباعد. ولا يصح لدى العقول بعد الإيمان بأصل خروج الإمام المهدي وبالدور الذي يقوم به أن نختلف على الإسم تارة وعلى حياته ومقدار عمره أخرى وعلى مشاهدته ثالثة! فإن هذه الأمور لا علاقة لها بالمضمون الذي نؤمن به ونعتقده، ولا فائدة تذكر من الإختلاف عليها! فنحن نعتقد استمرار حياة كثير من المخلوقات كالملائكة وغيرها دون أن نشاهدها، وإذا رزقنا الله تعالى البقاء إلى زمان ظهوره ومنّ علينا برؤيته والإنضواء تحت رايته يمكننا أن نسأله عن مقدار عمره وزمن ولادته وعن إسمه واسم أبيه رغم معرفتنا بجملة من ألقابه وأوصافه. وأما الحديث عن علامات ظهور الإمام المهدي فلا نرى فيه كبير فائدة خصوصاً وأن أكثر الأخبار التي تتحدث عنها ضعيفة السند وصحة مثل هذه الأخبار التي تتحدث عن الوقائع ترتبط بحدوث مضمونها، وليس للإمام المهدي وكلاء بيننا باسمه ينطقون. هذا مضافاً إلى أن تلك الأخبار لا تغيّر شيئاً من التكاليف الملقاة علينا في إقامة الفرائض والعبادات وفي سعينا لتحقيق العدل في مجتمعاتنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على ما فيه خير البلاد ومصلحة العباد بالدعوة إلى وحدة كلمتهم وإبعاد الفتن عن صفوفهم، فإن كل هذه الأمور من الأهداف التي نؤمن بأن الإمام المهدي يعمل لتحقيقها في دولة العدل الإلهي فهو يخرج في الأرض ليملأها قسطاً وعدلاً ولا يحصل ذلك بالسعي لإشاعة الفرقة والبغضاء والفتن العمياء فإن طلب العدل لا يستقيم بالظلم ولا يقوم، والحكم مع الجور لا يدوم، ولا يرضى به الحيّ القيّوم! فمن ينتظر العدل الشامل لا يمكنه إلا أن يكون ساعياً لتحقيق العدل في مجتمعه ووطنه ومحيطه!.
وقلت في قصيدة:
قالوا الظهور متى يا قومُ موعدهُ قلْ عند ربّي، لديه العلم والخبرُ
والحكم فيه إلى الرحمن مرجعهُ يقضي بما شاء لا ما شاءه البشرُ
المصدر : من كتاب العلاّمة السيد علي الأمين: ( زبدة التفكير في رفض السب و التكفير )
ص: 177 – 180
الناشر : دار مدارك للنشر