العراق – ابن النجف (احمد النجفي )
سمعت أنكم تقولون بعدم عصمة أولي الأمر مع أنّ هذا الأمر من معتقدات الشيعة الإماميّة وسمعت فيك أقوالاً كثيرة وأنا أعرفكم منذ أن كنتم في النجف الأشرف فقلت لعلّ شيئاً قد حدث فأحببت أن اسمع منكم وأتبيّن من قولكم عملاً بقول الله تعالى : ( فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) لذلك فنأمل منكم أن تبيّنوا لنا حقيقة الحال وشكراً لكم.
جواب : بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز ابن النجف الأشرف السلام عليك وعليه ورحمة الله وبركاته.
وبعد فإنّي لك من الشاكرين على سؤالك الّذي يكشف عن عمق الايمان والالتزام لديك وعن احترامك للعقل والمعرفة بعيداً عن القيل والقال.
وبعد فإنّ الحديث الّذي جرى معنا في قناة المستقلّة لم يكن موضوعه عن عصمة أئمّة أهل البيت (ع) الثّابتة لهم بآية التطهير وغيرها من الأدلّة المذكورة في محلّها من علم الكلام وهي ليست موضع شكّ عندنا. ولكنّ الكلام الذي جرى كان في بعض جوانبه عن مدلول كلمة (أولي الأمر) الواردة في الآية 59 من سورة النساء في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن تأويلا). فهل المقصود من الكلمة العربيّة ( أولي الأمر ) المعنى العام الظّاهر من الآية المباركة والشّامل لكلّ من ولي الأمر من المسلمين المؤمنين المخاطبين بالآية المباركة وهذا المعنى العام هو ما تساعد عليه قواميس اللّغة العربيّة وقواعد التّفسير أم أنّ المقصود من كلمة (اولي الأمر ) خصوص الأئمة المعصومين (ع)؟.
ولا يخفى عليك أيّها الأخ العزيز أنّ ما هو من معتقدات الشيعة الإماميّة القول بعصمة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام وهذا شيء لا علاقة له بالبحث عن اعتبار العصمة وعدمها في أولي الأمر بالمعنى العام الظاهر من الآية المباركة فلا يلزم من القول بعدم اعتبار العصمة في أولي الأمر بالمعنى العام القول بعدم عصمة الأئمة عليهم السلام.
وقد قلنا في تفسير الآية المباركة باختلاف الطّاعة الثابتة للّه و للرّسول عن الطّاعة الثابتة لأولي الأمر باعتبار أنّ الآية المباركة جعلت قول الله وقول الرّسول من موجبات الطّاعة وجعلت أيضاً منهما مرجعيّة لحلّ الخلافات وفضّ النزاعات الحادثة بين المؤمنين ولم تثبت الآية المباركة هذه المرجعيّة لأولي الأمر عند وقوع الاختلاف والنّزاع بينهم وهذا يكشف عن اختلاف الأمرين فإنّ الأمور يعرف اختلافها باختلاف مواقعها والآثار المترتّبة عليها كما لا يخفى فلو كان المقصود من ( أولي الأمر ) خصوص الأئمّة المعصومين فلماذا لم تأمر الآية المباركة بالرّجوع إليهم عند الاختلاف أسوة بالرجوع إلى الله و الرسول مع أنّ قول المعصوم لا يختلف في مقام الحجيّة والاعتبار عن قول النبيّ (ص)؟ وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ المقصود من كلمة ( أولي الأمر ) هو المعنى العام الظّاهر من الآية المباركة وأنّ الطاعة الثّابتة لهم هي من سنخ الطاعة النظامية الّتي ينتظم بها الأمر ويحفظ بها النّظام وهي غير خاصّة بالأئمّة المعصومين (ع). ولذلك قلنا بأنّ المحافظة على ظاهر الآية المباركة في شمولها لأولي الأمر بالمعنى العام هو ما ينسجم مع عدم الإرجاع في الآية إلى أولي الأمر عند الاختلاف و النزاع خصوصاً وأنّ الآية المباركة ليست في مقام بيان العصمة كما هو ظاهر لدى العرف العام وإنّما هي مسوقة لإرشاد المؤمنين إلى ما يلزم عليهم قضاءاً لإيمانهم بالله ورسوله من الطاعة والانقياد للأوامر والنواهي الظاهرة من الكتاب والسنّة ومن الرّجوع إليهما عند وقوع الاختلاف.
وحيث إنّ الآية المباركة لم تكن من ناحية العصمة في مقام البيان فلا يبقى من مبرّر مقبول أو سبب معقول خصوصاً بعد ملاحظة ما ورد في أسباب النّزول لارتكاب ما يخالف ظهور الآية المباركة في عموم أولي الأمر وذلك بحمل أولي الأمر على خصوص الأئمّة المعصومين (ع) كما تجشّمه بعضهم مع أنّهم عليهم السلام داخلون تحت العنوان العام بوصفهم من أظهر المصاديق والأفراد التي ينطبق عليها عنوان أولي الأمر. ثمّ لا يخفى عليك أنّ القول بعدم اشتراط العصمة في أولي الأمر بالمعنى العام لا يعني بوجهٍ من الوجوه القول باشتراط عدم العصمة فيهم كما هو واضح فإنّ عدم أخذ قيد محدّد في المعنى العام لا يتنافي مع وجود ذلك القيد في بعض أفراده كما هو مقرّر في علم أصول الفقه فافهم وتدبّر جعلنا الله وإيّاك من الّذين يقرأون القرآن فيتدبّرون آياته ومن الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.