دعا العلاّمة السيد علي الأمين فخامة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى إصدار عفو عام عن الحركة الحوثيّة وإلى دخول الحوثيين في العمليّة السياسيّة في البلاد عبر مؤسسات الدّولة القانونية والدستوريّة وإلى ترك المواجهة العسكريّة.
كلام العلاّمة السيد علي الأمين جاء في مداخلة خلال حوار فكري عن الزيدية والحركة الحوثية أجرته قناة المستقلة في لندن.
وقال العلامة السيد علي الأمين بأن الحرب الدائرة في اليمن العزيز يجب وضع حدّ لها بوقف إراقة الدماء وإخراج الإختلاف من الدائرة العسكريّة إلى الإطار السياسي بعيداً عن العناوين المذهبيّة والطّائفية وليس من مصلحة المسلمين عموما ولا من مصلحة اليمن العزيز خصوصاً إضفاء الطابع المذهبي على النّزاع القائم هناك لأن ذلك سيزيد من تأجيج الصراعات في المنطقة وإدخالها في أتون الصّراعات المذهبيّة التي تؤدّي إلى إضعاف الأمّة عن مواجهة الأخطار المحدقة بها.
وقال سماحته : إن القول بأن الحوثيين قد خرجوا عن المذهب الزيدي إلى المذهب الشيعي الجعفري ، يريد إضفاء الطابع المذهبي على الصّراع فإن كلّ المذاهب الإسلاميّة يجمعها الدّين الواحد وجميعها تؤمن بالاسلام ديناً واحداً يجمع كلّ المسلمين تحت كلمتي لا إله الا الله محمد رسول الله وهما كلمتان عاصمتان للدّماء، داعيتان إلى الإلفة والإخاء فهم إخوة بنصّ الكتاب وعلى هذا إجماع علماء الإسلام وسلف الأئمة والأصحاب وهم مع ذلك كلّه تجمعهم وشائج القربى وروابط التاريخ وشراكة الوطن والمصير. وحول الحركة الحوثية قال سماحته : إننا نرى أن الحركة الحوثيّة هي حركة سياسية لها مطالب في السلطة والنظام ومن حقها السعي الى تحقيق مطالبها بالوسائل السياسية التي يقرها النظام والقانون وليس لها أن تفرض مطالبها بقوّة السلاح فإن الخروج المسلّح سيؤدي حتماً إلى ايقاظ الفتن النائمة وهي حالقة للدّين وحارقة للدنيا وذلك هو الخسران المبين.
ولذلك فإننا نناشد فخامة الرئيس علي عبد الله صالح وندعوه إلى وقفة يسجّلها له التاريخ وتبقى حديث الأجيال أن يعلن عن إصدار عفو عام عن الذين حملوا السلاح فإن الدم لن يحلّ المشكلة بل سيترك آثاره السيئة في النفوس كما قال أجدادنا العرب ( الدم يستسقي الدم). والمطلوب من الحوثيين أن يتخلوا عن المواجهة العسكريّة ويدخلوا في العمليّة السياسيّة ضمن الثوابت التي تجب المحافظة عليها وهي وحدة الوطن والشعب ومرجعيّة الدولة والمؤسسات والسّلم الأهلي الذي يشكل القاعدة في عمليّة الإصلاح والتطوير.
والإمام زيد رضوان الله عليه كان كأجداده وآبائه من الأئمة الطاهرين حريصاُ على وحدة الأمّة وجمع شملها وقد كانت له من الأسباب التي رآها والظروف الخاصة المحيطة به ما أوجب خروجه في ذلك الظرف ولم يكن يريد تأسيس قاعدة عامة في الخروج في كل الأزمان والأوقات وهذا ما عمل عليه أئمة أهل البيت بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) وهم المؤتمنون على ثورته وقد رفضوا الخروج بعد ذلك كما فعل الإمام زين العابدين والإمام الباقر والصادق وسائر الأئمة عليهم السلام في عدم الخروج وقد تعدّدت الروايات في ذلك عنهم منها ما روي عن الإمام الصادق في كلام موجّه للّذين حاولوا الخروج بعد استشهاد الإمام زيد ( لا يخرج الخارج منا أهل البيت إلا واصطلمته البليّة واخترمته المنيّة وكان خروجه زيادة في مكروهنا ومكروه شيعتنا ) وقد أظهرت مواقفهم وأقوالهم بأن الخروج على الحاكم لم يكن قاعدة عامّة وأنّ ما قام به الإمام الحسين عليه السلام كان قضية في واقعةلم تتكرّر في حياة الأئمة ممّا يعني أن الأسباب كانت خاصّة بالإمام الحسين عليه السلام ولذلك انصرف الأئمة إلى مشروع اسلام الثقافة والمعرفة ونشر أحكامه وتعاليمه بالحكمة والموعظة الحسنة ورفضوا المشاريع الأنفصالية التي تؤدي الى الانقسامات والنزاعات الدمويّة التي لا طائل منها سوى إحداث المزيد من الضعف في جسم الأمة وتفكيكها.
وتابع سماحته أن المشكلة التي وقعت فيها الحركات الدينية في العالم العربي والاسلامي أنها تخلّت عن نهج الأئمة والسلف الصالح في الدعوة ونشر الرسالة وتثقيف الأمة وتعليمها أحكام دينها وإبراز محاسن الشريعة ودفع الشبهات عنها وذهب معظم هذه الحركات الدينية إلى مشاريع السلطة والحكم والمصارعة عليهما بكل الوسائل بما فيها وسائل القتل والقمع عملا بمبدأ قد رفضوه شرعاً في المرحلة الفكرية وهو مبدأ( الغاية تبرر الوسيلة) كما جرى ويجري في فلسطين ولبنان والصومال وباكستان وايران واليمن باسم الاسلام والدين الذي يدعوهم الى نبذ التفرّق والتعصّب والإقتتال وهم يقرأون قوله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) وقوله تعالى ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) وقد قال رسول الله (ص) ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) وعن الإمام علي (ع) ( فإن جماعة فيما تكرهون من الحق خير من فرقة فيما تحبون من الباطل ، وإن الله لم يعط أحداً بفرقة خيراً ممّن مضى ولا ممّن بقي)لقد أصبحت السلطة أكبر همهم أوكله ونسوا الحديث القائل(لئن يهد الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس) وعلى كل حال فإننا نقول للذين يريدون الدخول في صراع السلطة وسفك الدماء عليها أن يفعلوا ذلك بأسمائهم وأسماء طموحاتهم وعناوين أحزابهم وليس بإسم الله ورسله وكتبه وليس باسم المذاهب وائمة الدين.