المصدر: نيو ليبانون – كاظم عكر
يعتبر العلامة المرجع السيد علي الأمين من القلائل بين المرجعيات الشيعية اللبنانية التي ما زالت تنبض بالعلم والعطاء الفكري والديني ,ويعتبر سماحته العلامة الأمين الاكثر حضورا وجرأة لناحية الحديث في الفكر السياسي الشيعي ,وقد تناولت أبحاثه ومطالعاته الفكرية والدينية والفقهية العديد من القضايا الاجتماعية والدينية والسياسية ,وأغني برؤيته العلمية الفقهية المكتبة الإسلامية الشيعية بما صدر له من مطالعات ومؤلفات وأبحاث كانت وما زالت كفيلة بنهوض الفكر الشيعي من كبوته إلى مواكبة العصر الجديد وتحدياته على مستوى الإجتماع والفكر والسياسة .
استطاع العلامة المرجع السيد علي الامين في كتابه " ولاية الدولة ودولة الفقيه " أن يجدد نظريات الفكر الشيعي تحديدا الى قضايا الدولة والمجتمع والولاية فجاءت أبحاثه ومطالعاته لتفتح آفاقا جديدة في إعادة فهم الفكر الشيعي ولتعيد النصّ الديني الى منبعه الأصل فتتوضح الصورة بالكامل حول الدولة والسلطة وولاية الفقيه وحول الشيعة ودورهم المفترض في بناء أوطانهم ودولتهم وضرورة انصهارهم في مجتمعاتهم ودولهم .
أثبت العلامة الأمين في كتابه " ولاية الدولة و دولة الفقيه " الأصل الفقهي لقيام الدولة وشرعيتها فأشار إلى أن الدولة ضرورة إجتماعية عقلائية تكتسب شرعيتها من الواقع اللازم المشتمل على حاجة العباد لجلب المصالح ودفع المفاسد الواجبة عقلا وعقلائيا , ورأى سماحته أن الرأي في شرعية الانظمة والدول هو رأيٌ ذهب إليه الكثيرون من العلماء والمراجع من بينهم المحقق الآخوند صاحب كفاية الأصول والميرزا النائيني الذي كتب رسالة في هذا الشأن وأسماها "تنبيه الأمة وتنزيه الملة ".
واستدل سماحته على شرعية وجود الدولة من جواب للإمام علي (ع) عن شبهة الخوارج عندما رفعوا شعارهم وقالوا: "ليس لك الحكم يا علي الحكم لله " فقال (ع) كلمة حق يراد بها باطل نعم لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله وإنه لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ الله فيها الاجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح برٌّ ويُستراح من فاجر" .
ورأى سماحة العلامة الأمين أن الإمام علي (ع) قد أبطل بهذه الكلمات الشبهة المؤدية الى الفراغ القاتل وانهيار الدولة التي لا بد للمجتمع من قيامها ووجوب العمل فيها على الموالي والمعارض , وتأتي هذه الإمرة والحاكمية في الدولة كما يرى العلامة الأمين لحفظ استمرار المجتمعات وضمان وجودها واستقرارها .
وفي شرعية هذه الدولة رأى العلامة السيد علي الأمين أن الواجب المطلوب من إقامة السلطة والدولة هو تحقيق العدالة التي تتجلى بالقيادة المعصومة واذا تعذر ذلك فلا مبرر لسقوط الدولة بالكامل استنادا إلى مقولة الإمام علي (ع) وأنه لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر " ورأى العلامة الأمين أن الإخفاق في تحقيق بعض مراتب العدالة لا يبرر سقوط المراتب الأخرى المقدور منها .بناء على القاعدة الثابتة عند الفقهاء " الميسور لا يسقط بالمعسور " واستنادا إلى قولهم عليهم السلام " ما لا يدرك كله لا يترك جله "
السلطة والولاية :
لا تعني هذه السلطة حسب رأي العلامة السيد علي الأمين الولاية على الانسان على اعتبار ان الفقهاء جرّدوا هذه السلطة من الأوصاف الدينية وعرّفوها من خلال دورها المدني في حياة المجتمع الانساني بالقول : إنها إقامة وظائف لازمة لرعاية المصلحة العامة .
ورأى العلامة الأمين أن مقتضى القاعدة والأصل عند الفقهاء في الولاية بمعنى الإمرة أو السلطة عدم ولاية إنسان على إنسان إلا من خلال حالة تعاقدية ناشئة عن التوافق والتراضي بين الأفراد والمجتمعات وليست الولاية من باب الإلزام الديني والتكليف الإلهي بل هي من باب أوامر الوفاء المحمولة على التقرير والإمضاء , ووفقا لهذا الأصل لا يرى سماحة العلامة السيد علي الأمين أي ولاية سياسية للفقيه خارج إطار الحالة التعاقدية الآنفة الذكر . ويرى سماحتة أن ولاية الفقيه إن ثبتت فهي في أحسن الأحوال لن تكون أوسع دائرة من الولاية الثابتة للإمام المعصوم كما انها ليست ولاية مانعة من إبداء الرأي والتعبير وهي ليست ولاية مصادرة لحرية التفكير ولاولاية رافضة للمشورة والتغيير وليس بيدها تقرير المصير وذلك استنادا لقول أمير المؤمنين علي (ع) " ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي فإن من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه , فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي بفوق أن اخطيء ولا ىمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله في نفسي ما هو أملك به مني "
يتبع
كاظم عكر
newlebanon.info