مفتي صور وجبل عامل العلاّمة السيد علي الأمين لـ "الشراع":
الشعب العراقي لا تعنيه الانتخابات بل خروج المحتل من أرضه
كان لمفتي صور العلامة السيد علي الأمين موقف مميز من القضية العراقية خاصة لجهة مسؤوليته المعنوية و الدينية عن ابناء العراق على المذهب الشيعي كونه داعياً حريصاً على عروبة ووحدة العراق أرضاً و شعباً و مؤسسات ووحدة المسلمين فيه.
وكانت للسيد الأمين مواقف مميزة اعلنها في أكثر من مناسبة وفي لبنان وفي اميركا ومنذ أكثر من سنة (2002- 2003) محذرا من محاولة أميركا و اسرائيل زرع الفتن واعتماد مقاييس مذهبية وطائفية لتفتيته محذراً في الوقت نفسه بعض العراقيين وبعض المراجع عن حسن نية أو سذاجة أو سوء نية أو خضوعاً لمذهبيين سواء كانوا افراداً أو أجهزة أو دولاً … من السير بوعي أو بدونه في مشروع تفتيت العراق.
"الشراع" التقت السيد الأمين بعد عودته من اميركا وقبل توجهه الى استراليا في حوار شامل حول هذا الموضوع وغيره.
v هناك سؤال يطرح بقوة هذه الأيام : أين مصلحة العراق و العرب و المسلمين مما يبيت للعراق الآن؟ ومما يجري اليوم؟
إن مصلحة العراق اليوم و العرب و المسلمين تبقى في وحدة العراق ارضاً و شعباً ويجب التصدي لكل ما يبيت من مخططات ومؤامرات الشرذمة و التقسيم ويجب اعلان المواقف الواضحة و الصريحة ضد بقاء الاحتلال وضد بعض الأصوات التي تنفخ في بوق المذهبية و العرقية بين العراقيين.
v برأيكم كيف يكون دور المرجعيات الشيعية في لبنان فاعلاً على الساحة العراقية، خاصة ان معظم المرجعيات اللبنانية تربطها علاقات وثيقة مع العراق؟
إن المطلوب من المرجعيات الدينية و السياسية في لبنان أن تقوم بدور فاعل وواضح تبين فيه المخاطر التي يمكن ان تلحق بالعالم الاسلامي و العربي من خلال اللغة المذهبية الغريبة التي نسمعها في هذه الأيام في العراق وخارجه ويجب الدعوة الى مؤتمر عاجل لعلماء العراق السنة و الشيعة و القيادات الفاعلة في الساحة العراقية يعقد في بيروت من اجل أن يسمع الشيعة وغيرهم الآراء الصريحة و الواضحة حول لزوم المحافظة على وحدة الشعب العراقي بكل أطيافه ، وأن رأي بعض المراجع من الشيعة و السنة لا يمثل رأي الشعوب العربية و الاسلامية في العراق ومستقبله. فهو قضية الجميع التي يجب فيها التشاور و التناصح و التعاون من اجل القضاء على كل محاولات زرع بذور الفتن المذهبية و العرقية التي لن تقف عند حدود العراق اذا نجحت لا سمح الله.
لا مشروع خاصاً للشيعة
v كيف تقوّمون موقف ايران من مجريات الأمور في العراق؟ وهل ترون امكانية للتوفيق بين مصلحة العراق و الدور الايراني فيه؟
ان مصلحة العراق كما ذكرنا تقوم في عراق واحد موحد ارضاً و شعباً ومؤسسات وفي عراق سيد مستقل خال من الاحتلال و التدخل في شؤونه من قبل ايران وغيرها ويجب ان تكون العلاقة مع ايران وغيرها علاقات تقوم على الاحترام، ومصلحة ايران توم في عراق حر ديموقراطي يحترم حقوق الجوار و العهود و المواثيق الدولية . وإن شيعة العراق و إن كانت تربطهم روابط دينية مع ايران ولكن روابط الأديان لا يجوز ان تكون على حساب الأوطان فشيعة العراق هم جزء لا يتجزأ من الشعب العراقي العريق في التزاماته الدينية و القومية البعيدة عن التعصب العرقي وقد كان لهم اكبر الدور في ثورة العشرين التي حافظ فيها الشيعة العراقيون على سيادة العراق واستقلاله ولم يكن لشيعة العراق في الماضي و الحاضر من مشروع خاص بهم يعزلهم عن شعبهم وعن محيطهم العربي الذي ينتسبون اليه في الصميم فمشروعهم و تطلعاتهم هي مشروع و تطلعات كل الشعب العراقي نحو عراق واحد سيد مستقل بعيد عن التدخلات الخارجية فالشيعة في العراق هم عراقيون قبل ان يكونوا شيعة و السنة في العراق هم عراقيون قبل أن يكونوا سنّة وهم جميعاً جزءٌ من وطنهم العربي وعالمهم الاسلامي.
v ما هي الأسس التي ترون ان على المرجعية الشيعية العراقية اعتمادها لترتيب الوضع العراقي العام؟
إن المطلوب من المرجعية الدينية الشيعية في العراق أن تكون في موضع الأبوة لجميع المسلمين وهي ليست مرجعية خصوصية القطر الذي تتواجد فيه فهي ليست للشيعة وحدهم وليست للعراقيين وحدهم إنها التي تتفاعل مع كل قضايا المسلمين في العالم فتعزز وحدتهم وتعمل على ترسيخ الروابط فيما بينهم. ونحن نريد من المرجعية الزيد من الاهتمام بالحوزة الدينية في النجف الأشرف وسائر الحوزات الدينية في العالم من خلال تحديث المناهج واعادة النظر في طرق التدريس ووسائله مما يساعد على مزيد من الوعي و الانفتاح بين المذاهب والامم و الشعوب وقد يكون للسياسة أهلها ولكن لا يوجد سوى المرجعية أهلاً لحفظ الشريعة ونشر تعاليمها وتبليغ أحكامها.
خطورة إطلاق العنان للسلفيات الدينية المذهبية وتفجير العالم الإسلامي من داخله
v يبدو ان هناك تقاطع مصالح ومواقف بين السلفيات السنية و الشيعية في العراق؟ كيف يمكن مواجهة ذلك ، وما هو برأيكم تأثير تلك السلفيات على الوضع الاسلامي العام في المنطقة؟
إن إطلاق العنان للسلفيات الدينية المذهبية هي من ابرز الأخطار التي تواجه العالم الاسلامي بعد الفقر و التخلف و تسلط الحكومات الديكتاتورية إن لم نقل أن بعض ما هو حاصل من انقسام وتخلف هو بسبب تلك العقلية السلفية الظلامية التي تأخذ من الماضي الجانب المظلم تاركة الجوانب العديدة المضيئة من تاريخ أمتنا كما قال الشاعر القروي:
فقد مزقت هذي المذاهب شملنا وقد حطمتنا بين ناب و منسم
إني ارى في هذه الحركات السلفية محاولات مشبوهة لتفجير العالم الاسلامي من داخله ولذلك يجب على كل المرجعيات الدينية و السياسية العمل بالحكمة و الموعظة الحسنة وبكل الوسائل النافعة و الناجعة لدرء ذلك الخطر الماثل وأن ينشئوا المعاهد الدينية و المدارس المشتركة بين مختلف المذاهب و تأسيس المحطات الاذاعية و الفضائية لإظهار مفاسد السلفية و محاسن الإسلام الذي يتسع لجميع الآراء و الفقهاء و الأفكار.
v كثر الحديث الأميركي هذه الأيام عما يشبه الترويج لحرب أهلية في العراق، برأيكم ما هي خلفيات ذلك و كيف يمكن مواجهة تلك المخاطر؟
إن الحديث عن حرب أهلية مذهبية في العراق الهدف منه إشاعة الخوف من خروج الاحتلال من العراق ليصبح بقاؤه مطلباً لأننا ونحن في العراق لم نكن نسمع بكل هذه اللغات المذهبية التي نسمعها اليوم في ظل الاحتلال، إن العيش المشترك موجود بين مختلف الطوائف في العراق وقد مرت عليه قرون عديدة ويمكن للمرجعيات الدينية في العراق لمحاصرة بعض النافخين في ابواق الطائفية المذهبية. كما انه لا يجوز إطلاقاً أن يكون هم المرجعية الشيعية في العراق من يحكم العراق، وينبغي أن لا يكون همها أيضاً أن يكون الحاكم شيعياً بل المهم أن يكون الحاكم عادلاً يساوي بين المواطنين في الحقوق و الواجبات ، لأن الشعب لا يتضرر من سنية الحاكم و لا ينتفع من شيعيته بل من أسلوبه و طريقة إدارة البلاد.
v كيف ترون مستقبل العراق في ظل الأوضاع الراهنة فيه؟
ان الاختلاف الحاصل بين تيارات متعددة في العراق حول قضايا أساسية كالاختلاف على وسائل إنهاء الاحتلال و الاختلاف على الانتخابات وغير ذلك مما يباعد في وجهات النظر بين العراقيين، كل ذلك يعكس صورة قاتمة عن مستقبل العراق في الفترة المنظورة إن لم نقل بأن المستقبل سيكون أسوأ من الحاضر إذا استمرت الخلافات بين العراقيين.
v ما هو الدور الممكن من المراجع الشيعية في لبنان في سياق ترتيب البيت الشيعي في العالم، خاصة في العراق؟
إن الدور الممكن و المتاح للمرجعيات الدينية في لبنان أن تقدم النصائح ونماذج من التجارب التنظيمية التي أثبتت جدواها في مقام التمثيل الديني كما هو موجود في صيغة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الذي رسخ و عزز الانفتاح في لبنان بين مختلف الطوائف و المذاهب ورعى و لايزال قضايا الحوار الديني فيما بينها وهذا ما يحتاجه الشيعة في العراق اليوم، ويمكن أن يكون الدور أكثر تأثيراً للمرجعيات الدينية في لبنان في الاطار الأوسع من العراق لوجود التواصل بين علماء الشيعة في لبنان ومعظم البلاد التي يتواجد فيها الشيعة في العالم.
v هل انتم مرتاحون لمواقف المرجعيات الشيعية في العراق، خاصة موقف السيد السيستاني حول الانتخابات العراقية؟
قد يرى الشاهد ما لا يراه الغائب ولكن هذا لا يمنع من القول بأن الغائب له ان يبدي رأيه حسبما يصل إليه من المشهد العراقي ومن تجارب الشعوب قديماً و حديثاً ومواقفها عندما تتعرض الأوطان للغزو والاحتلال ومن الواضح أن الهم الأساسي و الشغل الشاغل للشعب الذي تحتل أرضه هو العمل على انتعاء الاحتلال، و الانتخابات المزمع اجراؤها في العراق قريباً ليست من أولويات الشعب في العراق وليست من اهتماماته فالشعب اليوم لا يعنيه نائباً أو وزيراً إنما يعنيه وفي طليعة اهتماماته خروج الاحتلال من أرضه. هذا ما نعتقده يقع في اولويات الشعب العراقي. ثم إن الانتخابات هي وسيلة يحتكم اليها الشعب بإرادته واختياره ويعتمد عليها في تأسيس مؤسسات الحكم و القانون وكل هذه الأمور لا معنى لها في ظل الاحتلال، وكيف يكون هناك انتخاب بدون توافق من المنتخبين على الانتخاب؟.
و على كل حال فإن الراسخ في نفوس الشعوب و اذهانهم أن الاحتلال باطل وما ينشأ في الباطل ورعايته يكون محكوماً بالبطلان و الفشل، وهناك أمثلة من التاريخ المعاصر للشعوب منها الحكومة والمؤسسات التي أنشأت في ظل الاحتلال النازي لفرنسا (حكومة فيشي) فلم تحصل لها سيادة ولم تعط شرعية للاحتلال وكان النصر لفرنسا الحرة بقيادة شارل ديغول.
الانتخابات مشكلة اخرى
v هناك من يقول ان الانتخابات و بعض الاستقرار في العراق، أفضل من الوضع الراهم هل توافقون على ذلك؟
إن الهدف من إجراء الانتخابات في اي بلد من البلدان هو حل المشاكل التي يعاني منها الشعب. و الذي نراه أن الانتخابات ستكون هي مشكلة اخرى تضاف إلى سلسلة المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي وقد توهم البعض ومنهم الاحتلال نفسه أن المشكلة التي نشأت من الاحتلال يمكن أن تعالج وتحلّ سابقاً بتشكيل مجلس للحكم الموقت ولم يتمكن المجلس الذي شكل برعاية الاحتلال وقيادة (بريمر) أن يعالج شيئاً من المشاكل التي تفاقمت وتراكمت. ثم جاء من يقول بأن تشكيل حكومة مؤقتة يمكن أن يحل المشكلة في العراق ولكن مجريات الأحداث أثبتت مرة اخرى ان الشرعية بعيدة عن هذه الحكومة وازدادت المشاكل تعقيداً ودموية. ولن تكون الأوضاع أحسن حالاً بعد الانتخابات لأن الموجودين في الحكم اليوم هم الذين سيوجدون غداً بفعل الانتخابات التي لن تأتي بالمعجزات ومن كل ذلك نرى أن مسار الحكومة والانتخابات في ظل الاحتلال ورعايته لن يمنح الثقة للشعب العراقي في التعاطي مع قوى الأمر الواقع ولن يؤمن الشعب العراقي بشرعية تلك القوى الجاثمة على ارضه ولا بالمؤسسات التي تولد تحت رعايته.
v في ظل المقاطعة شبه التامة من قبل القوى السنية في العراق، هل تدعمون فكرة انخراط الشيعة في الانتخابات؟
أنا لست مع المنطق الذي يقسم العراق الى شيعة و سنة تارة والى عرب وأكراد تارة اخرى والى مجموعات عرقية متعددة ثالثة إن الشعب العراقي هو شعب واحد وله التطلعات والأهداف نفسها في عراق واحد مستقر وآمن ومتطور ويجب أن يتفق الجميع على مستقبل العراق ولا يجوز لأي فريق في العراق أن يخطو خطوة تؤدي الى الشرخ و الانقسام فيما بينهم ولست مع انفراد الشيعة او غيرهم في الرأي فإن قدر الجميع ان يكونوا معاً في عراق واحد موحّد وهو امانة في أعناق الجميع.
البيت الشيعي
v أين أصبحت المساعي لترتيب أوضاع البيت الشيعي في لبنان؟
لقد كان المقصود من اللقاء الشيعي الموسّع الذي حصل في مدينة صور توسعة دائرة اللقاءات التي كانت تحصل على مستوى ضيق بين القيادات و الفعاليات من دون أن تتأثر بها الأوساط الشعبية لبقاء اللقاءات السابقة محصورة، فكان الانتقال إلى الدائرة الأوسع من اللقاءات لاشاعة الأجواء الايجابية وإيجاد المناخات الملائمة لمزيد من اللقاءات و الاجتماعات التي تصب في مصلحة الوطن الذي يحتاج دائماً الى وحدة مواطنيه وسعة دائرة التفاهم و التلاقي فيما بينهم خصوصاً إذا كانوا في مواقع القيادة.
v هل يمكن الفصل بين الأوضاع الشيعية في لبنان و العالم الإسلامي؟
إن الشيعة اللبنانيين هم جزء لا يتجزأ من الشعب اللبناني الذي له وطنه وله دولته وله المؤسسات السياسية و الدستورية التي تعبّر عن رأي الشعب كله وليس للشيعة اللبنانيين أوضاع خاصة بهم بمعزل عن قضايا العالم العربي و الإسلامي.
حوار الأستاذ أمين شعلان
التاريخ 20 كانون اول 2004