الجمعة , أكتوبر 11 2024
الامين | العلامة السيد علي الأمين .. شكرًا وعرفانًا - بقلم : سمر الفوالجة

العلامة السيد علي الأمين .. شكرًا وعرفانًا – بقلم : سمر الفوالجة

العلامة السيد علي الأمين .. شكرًا وعرفانًا

بقلم : سمر الفوالجة

لقد عاش المسلمون بمختلف المذاهب العقدية والفقهية مع بعضهم، كما تعايش المسلمون مع غيرهم من الأديان في ظلّ الدولة الإسلامية، وعندما  كانت تحصل الفتن والصراعات كما حدث في العصر البويهي، والحروب التي نشأت ما بين العثمانيين والصفويين، فقد كان يقف عقلاء الأمة للتأكيد على وحدتها، ونبذ الخلاف، وردّ مقولات المغالين والمتطرفين.

ويعدّ العلامة السيد علي الأمين أحد هؤلاء العقلاء، و يُقدّم بوصفه مرجعًا شيعيًا داعيًا إلى الوسطية والاعتدال ووحدة الأمة العربية والإسلامية، ويُكثر في ندواته وكتبه واللقاءات التي تُجرى معه على التأكيد من كون الأديان رسالة السّلام، وأنّها تُزَجُّ بشكل متعمّد في الصّراعات والنزاعات البشرية، كما ويدعو لحوار الأديان وتقريب المذاهب.

يقول  الدكتور رضوان السيد عن الصّفات التي أعجبته بشخصية العلامة: “وقد أثارت إعجابي بشخصيته خمس سمات: النزاهة والشجاعة والعلم والتواضع والصدق مع النّفس ومع الآخرين.”

وللأمين تصوّراته الخاصّة حول المواضيع الدينية والفكرية المختلفة، نجمل منها التالي:

 

* الإنسان المتعدد وصراع الأديان.

يؤسس العلامة فقهه للوجود على أنّه وجود تتعدد فيه نوابت وملل النّاس ونحلهم، إنّ هذه الانتماءات المختلفة والمتعددة توجب على أهل العقل السعي نحو تشكيل صيغة للسلام، إنّ الوفاق التّام حقيقة غير موجودة كما يقول العلامة، لكن إذا كانت صعبة المنال فهل نستسلم للمنطق القائل بالصّراع بين الهويات الدينية والثقافية؟

لقد كثر الحديث حول نبوءة هنتجتون “صراع الحضارات” إنها نبوءة خاطئة بحسب قول الأمين، وفي تقديره أنّ الصّراعات التي حدثت في التاريخ القديم والحديث قد وقعت لأسباب غير دينية، ويمثّل هذه الأسباب ب”حب السيطرة، وسياسة التوسع، والهيمنة والاستئثار بالسلطات وامتلاك الثّروات.”

إذًا فالدين يقدم منظومة من القيم والمبادئ التي تعمل على صناعة الوعي والتّرشيد إلى القيم الإنسانية التي توحد النظر نحو الإنسان على اختلاف الأعراق والأجناس والألوان.

والإنسان هو المسؤول عن فهمه الخاطئ للمنظومة الدينية، التي استغلها لتعبئة النفوس بالكراهية، وحيازة السلطة، والسيطرة على الآخرين.

ويدعو العلامة الأمين إلى حوار جادّ ما بين الأديان، فالدين هو عامل جمع لا عامل اختلاف، والأديان ذات جوهر واحد مهما اختلفت الصيغ والأشكال، وينبّه على عدم تضييع الوقت في مادة الاختلاف في الشرعة والمنهاج، إنّما المهم هو استباق الخيرات، أن نصنع السلام والأمن بيننا هذا هو المهم، أما الاختلاف فمرجعه إلى الله الذي يحكم يوم القيامة بين العباد.

وقد اقترح العلامة على يوكا بارما وهو أحد أساقفة فنلندا وتوركو إنشاء معهد ديني مشترك، يُتدارس فيه القواسم المشتركة بين المسيحية والإسلام، ويجلس الشيخ والقس على مقعد واحد، وفي مدرسة واحدة، ثم الانطلاق نحو العالم لنشر الوعي الديني بين الأمم والشعوب.

 

* الدولة الوطنية والعقد الاجتماعي.

إنّ الدولة والحاكم بحسب الأمين لا يُشترط فيهما دين، ذلك أنّ هذا الموضوع يندرج في باب المصالح والمفاسد، “فنحن لا نتضرر من الهوية الدينية للدولة والحاكم، لكن الضّرر يأتي من فقدان الحقّ والعدل.”

لا دين للدولة إلا تحقيق العدل بين الناس، وصون حقوقهم وحرياتهم، واستقامة النّظام.

وقد قسّم الميرزا حسين النائني وهو أحد أعلام الفقه الجعفري السّلطة إلى قسمين كما ينقل العلامة الأمين من كتاب( تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة):

1- سلطة استبدادية باطلة لا يمكن إثبات شرعيتها، لأنها قائمة على استعباد الناس واسترقاقهم، وسمّاها “بالسلطة الفرعونية”

2- سلطة دستورية تخضع للقوانين التي تحدّ من الظلم وتمنح الحرية لأفراد المملكة، وأطلق عليها اسم السلطة” المحدودة والمقيدة والمشروطة والمسؤولة والعادلة.”

ويرى الأمين أنّ مشروع الدولة الدينية لا يتسق وينسجم مع النّسق المعاصر للحياة والدولة، وأنّ نظرية ولاية الفقيه غير قادرة على الاستمرارية باعتبارها نظرية مذهبية خاصة، ولا يمكن أن تعيش في وسط التعددية المذهبية.

ويرى أنّ الدولة التي قامت بالعهود الإسلامية كانت دولة مدنية ووطنية، تقوم بشأن مدني، وقد كانت وثيقة المدينة شاهدًا على نسج العلاقات المدنية بين مجتمع حاضنته دولة وطنية.

وفي آيات الحاكمية وتكفير الحاكم السياسي فإن الأمين يرى أن الحكم في الآيات المقصود به حكم القضاء، وليست الآيات ناظرة إلى شرعية من يحكم الناس بما يسمى بالحاكم الرئيس أو الملك، ولا إلى النظام السياسي.

كما يعتقد أنّ تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو مذهبي يفتح طريقًا لاستغلال الدين في تحصيل المكاسب الدنيوية والطموحات السلطوية. إضافة أنّ ذلك يُضعف من صوت المرجعيات الدينية العاملة على التقريب، لتعلو أصوات الأحزاب التي يُظنّ أنّها الممثلة الوحيدة للدين والطائفة.

ويدعو الأمين إلى نظام سياسي قائم على أساس الإنسانية؛ بحيث يتساوى الجميع فيه بالتشريعات والأحكام والقوانين، مع احتفاظ كل فرد أو جماعة بالخصوصيات الدينية والسياسية التي لا تتنافى مع العقد الاجتماعي الذي قامت عليه قواعد النظام.

* التّقريب ما بين السّنة والشيعة.

كتب الأمين مؤلفا عنوانه ( السنة والشيعة أمة واحدة)، ويعتقد أنّ العمل على تقريب المذاهب هو من الأحكام الشرعية التي يجب القيام بها، وهو ضرب من الأمر بالمعروف، وفي هذا العمل يُقطع الطريق على السياسيين الذين يحاولون توظيف الخلافات الفقهية في مشاريعهم السياسية.

ويؤكد الأمين على أنّه من الخطأ التسليم بوصاية إيران وحزب الله على أتباع المذهب الشيعي، وأنّ الطائفة والمذهب أوسع من أن يختزلهما حزب أو دولة، كما أنّه يرى أنّ السياسة الإيرانية خاطئة وهو على خلاف معها منذ ثمانينات القرن الماضي.

وأمّا سبّ الصحابة وشتمهم والحكم عليهم بالفسق والظلم فهو قول نجده عند علماء الطائفة الشيعية القديم وبعض المعاصرين، إلا أنّ الأمين يُنبّه بأنّ من خصائص المذهب الجعفري فتح باب الاجتهاد، ولذلك فلا يكون رأي شخص ممثلا للمذهب، فالمذهب حركة فكرية متحركة، وليس حالة فكرية وعقائدية جامدة.

ويعلق الأمين على فتوى الشيخ شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الجعفري بأنها خطوة متقدمة في عملية التقريب، وكان من المطلوب متابعتها من قبل مرجعيات الأزهر وصدور مثلها في النجف الأشرف.

وقد تباحث الأمين مع الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله مسألة إرسال طلاب شيعة من لبنان وغيره للدراسة في الأزهر وقد وافق على ذلك.

إنّ المذاهب ليست قدرا لا يمكن تجاوزه، وفي عالمنا العربي والإسلامي الذي نشهد فيه الانقسامات والصراعات باسم المذهب والطائفة، عليه أن يعي أن الدين بريء من كل هذه النزاعات، وأنّ الذين يتوسلون الدين في صراعاتهم إنّما يستجدون السلطة والمكسب ويتخذون الدين تعبئة لأهدافهم.

وليس أتباع المذاهب هم المستفيدون من الصراعات، لذلك عليهم يتحلّوا بقدر من الوعي للزوايا التي يُراد حصرهم فيها، إن العلامة الأمين صوت للوسطية والاعتدال والتقريب، في ظلّ كل هذا التطرف والتعصب المذهبي.