النهار 22-08-2006
السيّد علي الامين لـ -النّهار-:
نرفض تخوين من يطالب بنزع السلاح
لو طبقت الاتفاقات السابقة لما وصلنا الى هنا
في خضم الضوضاء السياسية الناتجة من غبار المعارك وقرقعة السلاح الذي لا يزال ذا سطوة في المعادلة السياسية اللبنانية، ترتفع اصوات تخز ضمائر الكثيرين وتؤكد ان الصورة ليست كما يحاول بعضهم ان يرسمها. مفتي صور وجبل عامل السيد علي الامين يطرح لـ”النهار” سلسلة مواقف طالب فيها الحكومة اللبنانية بأن تتحمل مسؤولياتها في نشر الجيش في الجنوب بعدما تغاضت الحكومات المتعاقبة عن هذه الضرورة منذ عقود. واكد ان “احدا لم يسأل الطائفة الشيعية في الحرب التي دارت لأنها لم تكن موافقة عليها، شأنها شأن جميع اللبنانيين”. ورفض منطق تخوين من يطالب بنزع سلاح “حزب الله”، مشددا على”ضرورة اسقاط منطق المحرمات والخيانات من قاموس مجتمعنا”.
وفي ما يأتي نص الحوار:
• كيف تقوّم حرب الـ 33 يوما التي شنت على لبنان؟
– كانت حربا شرسة ومجنونة جعلتها اسرائيل عقابا جماعيا للبنان دولة وشعبا ومؤسسات ومقدرات وتجاوزت فيها كل القوانين والاعراف الدولية، وليس ذلك جديدا عليها، فهذا اسلوبها ومنهجها منذ نشأتها. كما تجاوزت اسرائيل بأهدافها المعلنة ومسرح عملياتها الحربية مسألة اختطاف الجنديين واسرهما. في كل الاحوال ظهر لنا ان هذه الحرب ليس للبنان وشعبه ناقة فيها ولا جمل! فقد فرضت هذه الحرب على دولة وشعب لا يريدانها، والجميع طالب بوقف فوري للنار منذ اندلاعها واسرائيل مضت في عدوانها من دون اي رادع.
وكشفت لنا هذه الحرب وسواها من الحروب المتكررة التي شنتها اسرائيل على لبنان مدى التقصير في عدم الاستعداد في مختلف المجالات بما يخفف حجم الخسائر في الارواح والممتلكات والمنشآت، وهي استعدادات واجبة على من يتوقع الحرب او من يعد لها ويدفع في اتجاهها ليكون قادرا على تجنب آثارها وإبعاد اخطارها بالحد الادنى عن شعبه ووطنه. وكان في الامكان تفادي الكثير من الخسائر الكبرى التي ترتبت على هذه الحرب لو كان الحد الادنى من الاستعداد موجودا، مما يشكل جزءا من القوة المطلوب اعدادها لمواجهة العدوان. هذا كله اذا افترضنا ان الحرب في الاصل كانت ضرورية وواجبة على لبنان وحده.
ولكن ما نراه، من شكل الحرب المفتوحة وحجمها الكبير ونوع الاسلحة المستخدمة فيها، انها حرب من نوع آخر غير معهود في حروب التحرير والمقاومة الشعبية، بل هي من نوع الحرب الشاملة التي تخوضها الدول بجيوشها، وهي ان وجبت على هذا النحو فهي واجبة على الكل وليس في استطاعة الجزء ان يتحمل تبعاتها وينهض بأعبائها لعدم قدرة الجزء ان يقوم مقام الكل.
لذلك نرى ان هذه الحرب لم تكن واجبة على لبنان بمفرده الا ضمن استراتيجية عربية شاملة للحرب والمواجهة، يكون لبنان جزءا منها وليس كبش الفداء لها وفيها. وقد دفع لبنان الاثمان الباهظة في معركة غير متكافئة ومن دون اعداد او استعداد، فأين الحكمة والشجاعة في ذلك؟ واين الخدمة لقضية العرب والتحرير في كل ما جرى؟
لا فرق في عالم النتائج والاثار التي ترتبت بين ان يكون العدو الاسرائيلي هو الذي جرنا الى هذه الحرب، او ان نكون نحن قد فرضناها على انفسنا!
• كيف ترى الحل للخروج من المأزق الراهن المستمر رغم توقف الحرب؟
– ان وحدتنا كلبنانيين التي تجلت في التضامن الشعبي في مختلف الصور والاشكال وفي التعاون الحكومي الذي برز في مختلف المحافل الدولية تشكل اساسا للحل وللخروج من المأزق. والنقاط التي طرحتها الحكومة اللبنانية ووافق عليها مختلف الاطراف بالاجماع كما قالوا، هي نقاط مستمدة من اتفاقات سابقة كانت الاساس في انخراط الجميع في مشروع الدولة. ولو طبقت الاتفاقات الماضية لما وصلنا الى ما نحن فيه اليوم. لذلك ارى ان النقاط المذكورة، وان كانت موجهة في الاصل لحل المشكلة الخارجية الناجمة عن العدوان الاسرائيلي، تصلح ايضا مدخلا لحل الازمة السياسية الداخلية من خلال الالتزام الكامل مشروع الدولة والعودة الى مؤسساتها الدستورية والقانونية والسياسية، فتوضع كل الاوراق في يد الدولة التي تشكل مظلة لجميع اللبنانيين الذين لن يجدوا الحماية والامن والازدهار والاستقرار الا في ظل دولة واحدة لها منهم الولاء ولهم عليها الحماية ومنها العدالة للجميع. وقد اثبتت كل التجارب على الساحة اللبنانية فشل حماية، ورعاية، الطوائف والاحزاب لنفسها، فلا بديل من الدولة الواحدة التي ينخرط فيها الجميع من دون استثناء.
• بين النزاع الدائر حول سلاح المقاومة ودورها من جهة، ومشروع قيام الدولة وحصرية السلاح بيدها من جهة اخرى اين يجد سماحة السيد نفسه؟
– ارى مشروع الدولة بالنسبة الى الوطن والشعب مشروع قيامة. وعندما يدور الامر بين قيامة وعدمه نختار قيامته على كل شيء آخر، خصوصا ان الدولة حين تقوم فعلا بالدور المنوط بها تتحمل هي وحدها مسؤولية تحقيق السيادة والحماية التي هي في الاساس مسؤولية ملقاة على عاتقها ومن مهماتها الاولى الداخلية في القسم الذي يدلي به المسؤولون الكبار عندما يتحملون المسؤولية والامانة. وهذه ليست مسؤولية يكلف بها الشهب حزبا او جماعة انما يطلبها من الدولة التي تمثل الجميع.
نزع السلاح وتوصيف “الخيانة”
•قال السيد محمد حسين فضل الله ان اي حديث عن نزع سلاح المقاومة بعدما حصل يرقى الى مستوى الخيانة العظمى. ما تعليقك على هذا الكلام؟
– هذا الكلام في جوهره يتجه الى تصنيف الناس، وهو امر غير مقبول ويعد من غرائب الامور، خصوصا في حين يسعى الجميع الى تعزيز التضامن الوطني والتقريب بين وجهات النظر لمواجهة خطر الاعتداءات الاسرائيلية. فجميع اللبنانيين في خندق واحد وليس من فريق اكثر وطنية وامانة من فريق آخر.
وكيف يصح هذا التوصيف في حين ان مسألة نزع السلاح هي محل بحث ونظر لوضع الحلول المناسبة لها على طاولة الحوار الوطني، وكما انها مطروحة في جدول المناقشة في افرقاء اساسيين في الحوار وشركاء حقيقيين في عملية بناء الدولة؟ هل يصح اتهامهم كلاً او بعضاً بذلك، مع ما اثبته الجميع من تضامن في زمن المحنة وتأييد وتعاون في هذه المرحلة وصل الى حد الاحتضان وتجاوز الماضي ونسيانه؟ ثم اذا فرضنا ان اتفاقا تم على نزع السلاح فانه لا يسلم الى الاعداء حتى يكون خيانة صغرى او كبرى او عظمى. بل هو سلاح يسلم الى الدولة اللبنانية التي يشارك فيها الجميع بمن فيهم اصحاب السلاح. فهو منهم واليهم من خلال كون الجميع ممثلين في الدولة التي قوتها قوة لكل اللبنانيين. ولو كانت في المسألة خيانة او تحريم فلماذا وضعها اصحابها المعنيون بها وبقية المتحاورين على طاولة الحوار؟
اننا في هذه المرحلة اشد حاجة الى المزيد من الموضوعية والى الابتعاد عن المبالغات والكلمات التي تزرع الخوف وتبني الحواجز المانعة من طرح الاسئلة المشروعة فهذه الاسئلة هي التي تعزز الثقة بين اللبنانيين وتساهم في ازالة المخاوف. وفي اعتقادي ان كل الاسئلة مشروعة، فكيف اذا كانت متعلقة بالوطن والمصير والمستقبل؟ وهي من الجدل بالتي هي احسن كما ورد في القرآن الكريم الذي يطرد الاوهام ويدعم جسور التواصل والتفاهم في مجتمع العيش المشترك الذي يجب ان يسقط المحرمات والخيانات من قاموس عيشه وعلاقات بعضه مع البعض الآخر.
• كيف تنظر الى قرار نشر الجيش في الجنوب وما هي المهمات التي تعتبر انها مطلوبة منه؟
– لا شك في ان انتشار الجيش اللبناني على كل الاراضي اللبنانية موضع الترحيب والتأييد من الشعب كله. فهو السياج للوطن وضمان الامن والاستقرار. وهو حيثما يوجد يكن عنوانا لسيادة الدولة وسلطتها المستقلة. والخطوة التي قامت بها الحكومة اخيرا موضع ترحيب ايضا، وهي من الواجبات التي كان على الحكومات المتعاقبة ان تأخذها منذ اتفاق الطائف. ولم نسمع في العالم برئيس او حكومة، قديما ام حديثا، يرفض نشر جيش البلاد وبسط سلطته على كامل اراضي الوطن الا في لبنان مما اثار استغراب المجتمع الدولي بأسره. في اي حال، وكما يقال، ان تصل متأخر خير من الا تصل ابدا. والمهمات الملقاة على عاتق الجيش اللبناني كثيرة وكبيرة، في طليعتها حماية البلاد من الاعتداءات الاسرائيلية وبسط سلطة الدولة على كامل تراب الوطن. ووجود الجيش في الجنوب وفي كل لبنان هو اساس مشروع قيام الدولة وضرورة وحيدة لحماية الوطن. وهو الذي يعزز الانتماء الوطني والتمسك بالدولة ومؤسساتها ويمنع التطلعات خارج الحدود. وبوجوده تضعف الارتباطات والولاءات البعيدة ويعود النشيد الوطني لجميع اللبنانيين.
“حزب الله” والشيعة والحرب
• هل ترون ان “حزب الله” احتكر الطائفة الشيعية وجر باسمها البلاد الى حرب شعواء؟ ام ان هذا الاتهام لا يصح؟ وهل من اكثرية شيعية صامتة؟
– لا اعتقد ان “حزب الله” سأل الطائفة الشيعية رأيها في الحرب. ولعل النزوح الكثيف من الجنوب خير دليل على رفض اهل الجنوب الحرب. والطائفة الشيعية لم تعط احدا تفويضا ليعلن الحرب باسمها او لتجر الى حرب بعيدة عن ارادتها وارادة بقية الطوائف اللبنانية. وما جرى في الجنوب لا يعبر عن ارادة الطائفة الشيعية ولا هو مسؤوليتها، بل هو مسؤولية الفراغ الذي تركته الدولة اللبنانية عقودا في تلك المنطقة. وقد رضيت الحكومات المتعاقبة بأن يبقى الجنوب خارجا عن سلطتها كأنه قطعة ارض غريبة عنها. وما حصل نتيجة طبيعية تحصل عندما تتخلى الدولة عن دورها في حماية منطقة ومواطنيها.
• هل تجد الطائفة الشيعية نفسها بين ولاءين: ولاء للمقاومة وولاء للدولة؟
– اللبنانيون الشيعة شأنهم شأن بقية اللبنانيين في التمسك بمشروع الدولة اللبنانية والولاء لها. ويشهد تاريخهم الماضي والحاضر باخلاصهم وتضحياتهم في هذا السبيل. وعندما كان مشروع الدويلات قائما في الجنوب وغير الجنوب قاتل اللبنانيون الشيعة من اجل مشروع الدولة الواحدة ومن اجل الوطن الواحد والنهائي لبنان. وهم عندما وقفوا مع المقاومة الفلسطينية انما فعلوا ذلك من باب الواجب الذي يفرض التضامن مع الاخوة والاشقاء الذين اخرجوا من ديارهم ظلما وعدوانا. وعندما تحولت بعض تلك الفصائل لاقامة مشروع دولة في لبنان كان اللبنانيون الشيعة في طليعة رافضي مشروع الدولة ضمن الدولة وفي طليعة المتمسكين بالدولة اللبنانية. ولذلك لا ارى ان التأييد الذي تحظى به المقاومة في الجنوب هو في مقابل الولاء للدولة اللبنانية. انه تأييد ساهمت فيه الدولة بكل مؤسساتها وقطاعاتها. ولم يفهم اللبنانيون الشيعة من هذا التأييد انه ولاء للمقاومة في مقابل الولاء للدولة اللبنانية. واعتقد انه لو اجرينا استفتاء في الجنوب على مشروع الدولة اللبنانية والولاء لها ستكون النتيجة كما في بقية المناطق اللبنانية الاجماع على الولاء للوطن اللبناني والدولة اللبنانية. ليس للبنانيين الشيعة من مشروع او ولاء خاص بهم سوى مشروع الدولة اللبنانية الواحدة التي يجب ان تحزم امرها وتبسط سلطتها على كامل التراب اللبناني. وهي كانت تقول ان سلطتها موجودة في الجنوب، وكان ذلك كلاما يقال للعالم الخارجي لتبرير عدم نشر الجيش في الجنوب، لاننا نعرف ان السلطة الكاملة في الجنوب لم تكن بيد الدولة اللبنانية منذ اتفاق القاهرة.
• كيف عايشتم الاسابيع الاولى للحرب في صور؟
– كانت فترة صعبة وعصيبة على الناس عموما، وعلينا خصوصا بعد تدمير المبنى الذي كنا نسكن فيه في منطقة الآثار في صور. فاضطررنا الى العيش في بعض الملاجئ التي لا يتوافر فيها الماء ولا الكهرباء وهي مشرعة الابواب وكنا نفترش فيها التراب ونتقاسمها مع القطط والجرذان ومختلف الحشرات. هذه كانت حالة عامة عاشها معظم المواطنين في صور والذين نزحوا الى صور. وفي اليوم الذي جمعت فيه ضحيا المجازر الاسرائيلية في المستشفى الحكومي في صور وبلغ عددها اكثر من 100 لم نجد بعد الصلاة عليها العدد الكافي لتشييع الجنائز وحمل النعوش فتولى جنود الجيش اللبناني نقلها بشاحناته الى المقبرة.
• بم تتوجهون الى الرأي العام العالمي والى الدولة اللبنانية؟
– نتوجه الى الرأي العام العالمي والى المنظمات الانسانية كي تبذل جهدها في المساعدة بعد العدوان، وان ترفع اصواتها للتنديد بالمجازر الوحشية التي ارتكبها الاسرائيليون ضد القيم والمبادئ الانسانية وندعوها كي ترسل وسائل اعلامها لمشاهدة حجم الدمار الذي تسببت به آلة الحرب الاسرائيلية.
ونتوجه الى الدولة اللبنانية لتجند كل طاقاتها لتأمين عودة كريمة للنازحين، وان تتولى وحدها ذلك عبر اجهزتها. فلا دولة في العالم تترك شعبها لخدمات مستوردة وللزعامات السياسية والاحزاب لتكون مصالح الناس الحيوية سببا لارتبطاها وابتعادها عن الدولة. ان الدولة هي اولى المؤسسات واحقها بأن تحوز ولاء شعبها من خلال ابعاد الخدمات عن الاطر السياسية والحزبية. فلماذا لا يمكن المواطن ان يصل الى حقه في التعليم والطبابة والتوظيف وبقية الخدمات الا عبر الاحزاب والزعامات؟ ولماذا لا يتمكن المواطن الذي تهدم بيته من اعماره الا عبر مؤسسات حزبية؟ هذا الامر اذا حصل كما يتم تداوله فسنرجع الى الوراء في حين نبحث عن التقدم الى الامام في مشروع الدولة الذي يحتضن الجميع. ان على الدولة اللبنانية ان تصدق انها دولة، فتسعى جاهدة الى ربط المواطن بها وبالوطن.
حاوره طوني ابي نجم
مرتبط