العلامة المجتهد
السيد علي الامين في حوار شامل مع “الشرق”:
أجرى الحوار: أسامة الزين
عندما تحدد موعد لمحاورة عالم من علماء الفقه والدين، يختلج قلبك امام وقار العباءة السوداء، والعمامة التي ترمز لصاحبها، سيد من احفاد رسول الله، وعلم من اعلام الاسلام، درس الدين بانفتاح ليصبح مرجعية من مراجع النجف، صديقا للامام موسى الصدر ومربيا لاجيال متعاقبة.
العلامة علي الامين، لم يتأخر عن موعد المقابلة ولو ثانية واحدة، فهو يدرك معنى الالتزام، فالحياة بالنسبة اليه هي التزام، الحوار معه يكاد لا ينتهي، ولو اختلفت معه في مواضيع متعددة، لكنه يؤمن بالحوار وتبيان الحجة للاقناع، لا بالسلاح والارهاب.
هادئ في اجوبته، حريص على الجلوس على مقعد يرفرف فومة العلم اللبناني لا يرحم في نقده للوصول الى الحقيقة، خصوصاً تجاه الرئيس نبيه بري وحزب الله.
فقد اعتبر السيد علي الامين ان دولة المستقبل هي الدولة التي لا تكون الطوائف فيها مرجعية للدولة.
واوضح الامين في حديث «للشرق» ان «العلاقة مع المسؤولين الكبار في حزب الله هي علاقة قديمة قبل التأسيس وقبل ولادة الثورة الاسلامية في ايران منذ كان اعضاء الحزب في النجف حيث كانت تربطهم علاقات الدراسة مع بعضهم وعلاقة الاستاذ والطلاب مع بعض آخر ولكن السياسة في ما بعد هي التي بعدت بينهم» مضيفا «عندما انكشف لي النهج الالغائي الاقصائي تنحيت جانبا».
واكد الامين ان الخلاف مع حزب الله ليس على المقاومة انما على الآلية المفروضة لمقاومة اسرائيل معتبرا ان «ليس على اللبنانيين وحدهم مقاومة اسرائيل عن العرب فإذا اختار العرب مواجهة اسرائيل عندئذ يلحقنا ما يلحق بهم».
ورفض الامين ان «يبقى الجنوب ساحة مفتوحة ومنصة لتجارب الصواريخ الايرانية تحت عنوان رعد وزلزال». ولفت الى انه «عندما تخلى الرئيس بري عن مشروع الامام موسى الصدر بدأ الخلاف معه» معتبرا ان «ميليشيا حركة امل التي ظهرت في 7 ايار هي خلاف لمشروع الامام الصدر ولما كان يدعو اليه».
وبالنسبة للانتخابات رأى الامين ان «قانون 1960 هو رجوع الى الوراء» مؤيدا «خفض سن الاقتراع مع تحقيق المطالب الشبابية».
ووصف الامين الرئيس السنيورة «برجل دولة بامتياز ويتمتع بالصبر والشجاعة وهذه نقطة سيذكرها له التاريخ». وفي ما يلي نص الحوار:
الخلاف مع حزب الله ليس على المقاومة بل على الآلية
السنيورة رجل دولة بامتياز خصوصاً بعد 7 ايار ومواقفه من مجلس الجنوب
بري خرج عن خط الامام الصدر وتخلى عن مشروع الدولة
نحن جزء من الصراع مع اسرائيل اذا اختار العرب المواجهة
قانون 1960 رجوع الى الوراء ونسعى الى الدولة التي حاول الشهيد الحريري بناءها
طموح لدولة المستقبل
> سماحة السيد علي انت متفائل؟
– نحن نقول دائما التفاؤل صفة جيدة، تفاءلوا بالخير تجدوه، وان كان ما نراه من معطيات على مستوى اداء الدولة والخلافات السياسية موجودا الا انه لايزال بيننا وبين الدولة التي نطمح اليها مسافة طويلة.
> أي دولة تطمح اليها؟
– طبعا الدولة التي ناضل من اجلها مختلف اللبنانيين وتطلعوا اليها عبر عهود خصوصا في الفترة الاخيرة التي سعى اليها الشهيد رفيق الحريري، هي دولة المؤسسات والقانون والتي تشكل مظلة ومرجعية لمختلف الاطراف اللبنانية، الدولة البعيدة عن الطائفية ومرجعية الطوائف لا ان تكون الطوائف مرجعية للدولة وكان هناك درجة كبيرة من الآمال للوصول اليها منذ اتفاق الطائف، ولكن مع الاسف الامور لم تكن بحجم الآمال.
العلاقة مع السنيورة
> ما رأيكم بأداء الرئيس فؤاد السنيورة؟
– لقد كانت الفترة السابقة التي قضاها الرئيس السنيورة في الحكم فترة عسيرة وممتلئة بالصعاب وقد اثبت انه رجل دولة بامتياز يتمتع بمواصفات الصبر والشجاعة وواجه مختلف الامواج العالية وهذه نقطة نذكرها له وسيذكرها التاريخ له، ولكن حصل بعد السابع من ايار شيء من التراجع في الاداء والمواقف الصلبة وانا لم اكن مع هذه التراجعات التي حصلت بعد السابع من ايار وبعد اتفاق الدوحة ظهر ضعف الاداء الحكومي واختلف عن المرحلة السابقة على اتفاق الدوحة والسابع من ايار عندما صمدت الحكومة اللبنانية في وجه محاولات التعطيل والاحتلال لساحة رياض الصلح واخذت على رغم ذلك القرار ببسط سلطة الدولة ولكن التراجع عن القرارات حصل بعد السابع من ايار وقلت حينها للرئيس السنيورة بأن الانسان يتراجع من اجل ان يدفع الشر واما وقد حصل الشر باجتياح بيروت فلا حاجة لهذا التراجع لان الحكومة هي الحاكمة والتراجع يجعلها محكومة من قبل الآخرين.
> لكنه كان مهددا ايضا في الهجوم على السراي حينها؟
– انتهى التهديد باستباحة بيروت وكانت هناك خيارات اخرى كالاستقالة وتحميل المسؤولية في ادارة البلد الى الجيش مثلا ولازلنا نشهد هذه التراجعات في الاداء بعد اتفاق الدوحة، وعلى سبيل المثال كان موقف الرئيس السنيورة من موضوع مجلس الجنوب موقف رجل دولة يريد اخضاع هذه المؤسسة لقوانين الدولة واحكامها ولكن ما حصل بعد ذلك من قيام رئيس الجمهورية بجمع الرئيسين بري والسنيورة هذا فيه من التراجع في اداء الحكم والحاكم لان رئيس الجمهورية هو حامي الدستور والقانون والمؤسسات والمطلوب ان يفرض على مؤسسة مجلس الجنوب وغيرها الخضوع للقانون من دون الدخول في ارضاء هذا الزعيم او ذاك التنظيم.
> هل بلغتم ملاحظاتكم هذه للرئيس السنيورة؟
– نعم لقد اوصلت هذه الملاحظات وغيرها الى الرئيس السنيورة وغيره من المسؤولين قبل اتفاق الدوحة وبعده ومازلت اقول بأن الرئيس السنيورة هو رجل دولة بامتياز ولكن التراجعات التي حصلت بعد اتفاق الدوحة لا تجعلنا نشعر بأن الحكومة هي التي تحكم فلاتزال القوى المهيمنة هي التي تحكم تحت التهديد بالثلث المعطل وسلطة الامر الواقع المتروكة لهم في الجنوب وبيروت وغيرها.
الهدنة مع اسرائيل
> عذرا على السؤال، هل انتم مع اتفاق الهدنة مع اسرائيل؟
– نحن طبعا في عملية الصراع العربي الاسرائيلي جزءاً من امته، وهذا الجزء لا يمكنه ان ينفرد عنهم في الرؤية، والخلاف بيننا وبين حزب الله وحركة امل في العام 1996 تركز على انه لا يمكن ترك الجنوب ساحة للصراع العربي الاسرائيلي فلا يمكنه ان يكون وحيدا في عملية المواجهة، فإذا اختار العرب المواجهة مع اسرائيل عندئذ نحن جزء من هذه الامة يلحقنا ما يلحقها اما في الوقت الذي يقدم فيه العرب مبادرة السلام فضلا عن معاهدات بين دول عربية متعددة واسرائيل، فهل ننفرد نحن في الصراع العربي الاسرائيلي؟!
إنها حرب غير متكافئة ولا يمكننا ترك الجنوب ساحة لاختبار هذا الصراع الذي يستفيد منه وضع اقليمي. المستفيد هو ايران التي تريد مزيدا من النفوذ في المنطقة العربية وهذا الوضع في الجنوب يعطيها هذا الدور، لذلك نحن قلنا لهم نحن نرفض هذا الدور، ونرفض ان يبقى الجنوب ساحة ومنصة لتجارب الصواريخ التي تصنع في ايران وغيرها تحت عنوان «رعد»، «زلزال»، فهذه ليست حرب مقاومة بل حرب جيوش لذلك رفضنا هذا الاسلوب في المقاومة.
المشروع الايراني
> لماذا تقفون ضد المشروع الايراني؟
– من الخطأ ان يكون لايران مشروع في لبنان ولا اي دولة في ارض دولة اخرى، نحن مع ايران ولكن ان تبقي مشاريعها ضمن حدودها وان تتعاطى مع لبنان كدولة لا مع مجموعة من الطوائف والعشائر والاحزاب وهذا ما رفضناه.
في لقاءاتنا القديمة في 1980 كنا نقول لهم، «اهل مكة ادرى بشعابها»، لا يمكن ان يكون هناك شخص اختاره اهل اصفهان واصبحت طاعته واجبة على اهل لبنان، لذلك نحن في لبنان لنا خصوصيتنا ودورنا والروابط الوطنية التي تحكمنا، والعلاقة معنا يجب ان تمر عبر الدولة اللبنانية وروابط الاديان مع ايران وغيرها لا يجوز ان تكون على حساب الاوطان.
> هل يؤمن الشرع الاسلامي في ولاية الفقيه؟
– موجودة وبحثت فيها، ولاية الفقيه هي موجودة في الامور الحسبية والاحوال الشخصية مثل ولاية القاضي الشرعي الآن على القصار والايتام والغائب، هذه الامور كانوا يبحثونها ولاية من اجل سد الثغرات لفاقد الاهلية، مثلا القاصر الذي يريد المتاجرة بأمواله التي ورثها عن اهله، فالمؤهل لهذا العمل هو الفقيه على اعتباره عالما مؤمنا نزيها عادلا يقوم بدور الرعاية والولاية معنى ذلك ولاية على القاصرين وفاقدي الاهلية هذا اصل ولاية الفقيه. بعدئذ حاول بعض العلماء في العصور المتأخرة ان يعطيا ولاية الفقيه ساحة اوسع وان ينتقلوا من الولاية على القاصرين الى الولاية على البالغين فأعطوها المعنى السياسي بحيث انهم اخرجوها من مضمونها الاساسي والشرعي الى مضمون سياسي من اجل اعطاء صفة القداسة للحاكم وللنظام ويصبح هذا الحاكم موجودا باسم الدين لانه اذا كان له الولاية الدينية التي نزلت من فوق والناس يؤمنون بالاسلام وبالقيم الدينية وتعطي هذه الولاية شيئا من المضمون المقدس فيخشى الناس من مواجهته ويتعزز بذلك موقعه في السلطة والنظام الالهي.. طبعا معظم فقهاء الامامية في العصور لا يرون للفقيه ولاية بالمعنى السياسي السابقة والمتأخرة لا يرون ولايةً بالمعنى الحسبي فقط وفي الاحوال الشخصية وليست للفقيه ولاية سياسية على الناس الراشدين بحيث يكم الافواه ويتصرف عنها في احوالها ومصيرها وحياتها، هذا ليس مقبولا عند معظم الفقهاء.
خفض سن الاقتراع
> هل انتم مع خفض سن الاقتراع؟
– هذا اصبح واقعا، اعتقد ان شبابنا لا يحتاج الى خفض سن الاقتراع بقدر ما يحتاج الى تأمين فرص عمل والطبابة والتعليم المجاني، والشباب اليوم ليسوا بحاجة ان يقال لهم اعطيناكم شيكا بلا رصيد وستصرفونه بعد 4 او 5 سنوات ربما والله اعلم هل سيكون هناك رصيد ليسحب ام لا!؟
الحقيقة ان هؤلاء الشباب يحتاجون عند تخرّجهم من الجامعات الى المؤسسات التي تستوعب امكاناتهم وقدراتهم ويحتاجون الى المساواة في تكافؤ الفرص والعيش مع اولاد الزعامات والقيادات.
سياسيا: الانتخابات النيابية
> بالنسبة للانتخابات هل برأيك قانون 1960 يؤمن العدالة؟
– حتما قانون 60 هو رجوع الى الوراء ولا يلبي طموحاتنا بمجلس نيابي يمثل مختلف شرائح المجتمع اللبناني، ولكن هذه الاعتراضات كلها لم تؤثر شيئا لان النواب الذين يعترضون عليه اليوم هم الذين صادقوا عليه بالامس في المجلس النيابي وبدأوا يبكون على قانون النسبية الذي بدا كالقديس الذي ذبحوه ثم حصلت البراءة من دمه، وعلى كل حال القانون الحالي لم يعد بالامكان تغييره وعلينا الانتظار الى المراحل المقبلة.
المرجعيات اللبنانية سياسية ام دينية
> لماذا لا تعلن عن مرجعيتكم؟
– هناك مرجعيات عديدة في العراق وغيره، وفي ما يعود اليّ شخصيا لا ارى اني مؤهّل في هذه المرحلة لتحمّل هذه المسؤولية واحتاج الى مزيد من الوقت لدراسة النظريات الفقهية والقواعد الاصولية واحتاج الى مزيد من الوقت لاعادة النظر والتجديد فيها والى التدريس لصقل تلك الرؤى التي تكوّنت من خلال الدراسة والتدريس، ونحن لازلنا نقوم بدورنا التوجيهي والارشادي في التوعية العامة منذ عقود ونأمل من المرجعيات الموجودة ان تقوم بهذا الدور المرجعي المطلوب منها وفي الحديث (السعيد من اكتفى بغيره).
> هل هناك مرجعيات شيعية في لبنان؟
– المرجعيات الدينية للاسف في لبنان او خارجه خضعت لما هو السائد في كثير من الاحيان وبعض المرجعيات الدينية كما في لبنان اصبحت مرجعية حزبية فما يحصل اليوم هو ان القواعد الشعبية لا تأخذ احكامها من هذا المرجع الديني او من المؤسسة الدينية ولكنها تأخذ احكامها وتوجيهاتها من الاحزاب الدينية وهذا ما اضعف المرجعيات الدينية واصبحت المرجعية الفعلية هي الحزب او التنظيم او الرابط الحزبي ولم يعد المرجع الديني هو العالم الذي يرجعون اليه او المؤسسة الدينية بل على العكس اصبحت المؤسسة الدينية والمرجعية جزءا من المؤسسة الحزبية.
الثلث المعطل
> حضرتكم مع الاكثرية تحكم والاقلية تعارض من دون الثلث المعطل؟
– هذا الوضع الموجود غير طبيعي ويختلف عن كل الانظمة المتفق عليها في العالم لان الديموقراطية الاتفاقية التي يزعمون لا تعني عشوائية الحكم والسلطة وانما تعني اتفاق اللبنانيين على مرجعية المؤسسات الدستورية والقانونية وقد قلت لبعض اطراف المعارضة ذات يوم لماذا تريدون ثلثا معطلا في لبنان؟ ان على الاكثرية ان تعطي المعارضة في لبنان حصة مشابهة لحصة المعارضة في سورية وايران!!
العلاقة مع حزب الله
> مختلف القيادات في حزب الله من السيد حسن نصر الله الى السيد هاشم صفي الذين الى الشيخ نبيل قاووق كانوا يتلقون علومهم لديكم، لماذا الاختلاف والواضح ان الخلاف جذري، في التصورات، والرؤى والمشاريع، لماذا؟
– العلاقة مع حزب الله هي علاقة قديمة من الماضي سببها يعود الى ان معظم القيادات خصوصا في الصف الاول كانوا بمثابة زملاء في النجف الاشرف كالسيد عباس الموسوي رحمه الله والشيخ صبحي الطفيلي والقيادات الاخرى التي كانت دون هذه المواقع. وكانت تربطنا بهم علاقات الدراسة حيث كنت ادرّس مادة الفقه والاصول في ايران وفي لبنان ايضا. فعلاقتي مع الطلاب الذين كنت ادرسهم لم تكن علاقة الطالب بأستاذه فقط، بل كانت زمالة واخوة كما هي الحال عادة في الدراسة الدينية.
وعندما تأسس حزب الله في الثمانينات ونتيجة لانني كنت اقوم بعمليات التدريس لمعظم هؤلاء الكوادر كانوا يرجعون اليّ كعالم ديني واستاذ له رأيه في قضايا الدين.
المقاومة – حزب الله – اسرائيل
> إذا حددنا اوجه الاختلاف اكثر، هل كان بسبب المقاومة ضد اسرائيل؟
– لا على الاطلاق، لم يكن الاختلاف بسبب المقاومة ضد اسرائيل، هذا امر كان محسوما، لذلك عندما اختلفوا مع حركة «امل» لم يكن الخلاف على مقاومة اسرائيل فأمل كانت تمسك الجنوب وكان لايزال هناك عمل لمقاومة اسرائيل، الخلاف كان حول الآلية وكيفية المقاومة، السؤال كان هل نعود الى ما قبل 1982؟ الاسلوب الذي كان معتمدا لدى الاحزاب والتنظيمات الفلسطينية كالصواريخ التي كانت تطلق، فكنا نرفض العودة بالجنوب الى ما قبل العام 1982 اداء واسلوبا. وكان هناك مسعى من اجل اعادة الجنوب الى حضن الدولة ولكن حزب الله كان يسعى لكي يبقى الجنوب ساحة للنفوذ الايراني. هذا كان من اسباب الخلاف في معهد الشرع الاسلامي في حي السلم، كانوا يرجعون الينا بسبب الموقع العلمي الذي كنت احتله. ولكن بعدما اصبحوا حركة سياسية بدأ ينكشف النهج الالغائي والاقصائي الذي يتعاطون به، وليس حسب القواعد والاصول التي كنا ندرسها، عندئذ تنحيت جانبا منذ 1986. تركت الضاحية الجنوبية وذهبت الى الجنوب واكملت عملية التدريس الديني وشيئا فشيئا بدأت تتكشّف خلافات في وجهات النظر وادركت حينها بأننا ندرس جماعات ولكن لا نملك قرارها على الارض. وبدأ يظهر عمق المشروع الايراني لذلك بدأ الاختلاف الشيعي الشيعي في تلك المرحلة، فاختلافنا في الرؤية لان المشروع الايراني الذي يحملونه يتنافى مع المشروع الوطني الذي كنا ندعو اليه وهو مشروع الامام الصدر اللبناني وليس عبر هذا الحزب او تلك الجماعة. لماذا ينبغي ان يكون لايران مشروع؟ هل تقبل ايران بوجود مشروع لدولة اخرى على اراضيها؟! طبعا لا تقبل، فلماذا يريدون منا القبول بأن تكون ارضنا ساحة لمشاريع الدول الاخرى، اقليمية او لغيرها.
الخلاف مع بري
> ما هو جوهر خلافكم مع الرئيس بري؟ ولماذا سحبت الغطاء الديني الذي كنتم تعطونه له؟
– الخلاف مع الرئيس بري سببه انه بدأ يتخلى شيئا فشيئا عن مشروع الامام الصدر، والصلة التي كانت تربطنا بحركة امل والرئيس بري هي تبنيه لمشروع الامام الصدر الذي يطالب بعودة الدولة الى الجنوب. وفي العيش المشترك والمحافظة على الجنوب وارجاعه لاحضان الدولة اللبنانية، لا ان يخرج من احضان تنظيمات واحزاب ليعود لاحضان وتنظيمات اخرى.
الرئيس بري اكتسب هذا التأثير في الجنوب لانه حمل مشروع الامام الصدر الامام كان يدعو الى وجوب عودة الشرعية والجيش اللبناني الى الجنوب وتحرير كامل التراب اللبناني، ولطالما كان الامام يطرح شعار العيش المشترك اثناء الحرب الاهلية عندما كان يقول «من يطلق النار على دير الاحمر او غيرها فكأنما اطلقه على بيتي وداري» ليبين عمق التمسك بالعيش المشترك. هذه هي المفاهيم التي اسسها واطلقها الامام الصدر وجاء الورثة من بعده على هذا الاساس.
ولذلك نحن وقفنا الى جانب الرئيس بري في الثمانينات والتسعينات فهم اي اعضاء حركة امل كانوا يحملون ويتابعون مشروع الامام الصدر وحزب الله في تلك الفترة حمل شعار ولاية الفقيه والجمهورية الاسلامية والنفوذ الايراني في المنطقة رفضنا هذا الامر، لذلك كنا مع الرئيس بري في ذلك الوقت وحين لم يكن هناك شخصية دينية تدافع عنه الا علي الامين. وفوجئنا بعدها في 90، 91 و93 في الشعارات التي رفعها الرئيس بري انه لا عودة الى ما قبل 82 بمعنى ان يكون الجنوب منصة لاطلاق الصواريخ، واذا بنا وقعت الكارثة في 93!
> لماذا تخلى عن دور المحافظة على الجنوب؟!
– وفي سنة 1996 تكرر الامر في حرب نيسان بشكل اوسع حيث عاد واستخدم الجنوب بنفس الاساليب التي كانت رفضتها حركة امل قبل 1982 حيث وقع صراع بين «امل» والتنظيمات الفلسطينية حول اطلاق الصواريخ، لان الصواريخ ليست عملا مقاوما، وادت الى اجتياح اسرائيل عام 1982 وتفاجأنا انها كررت ذلك في عام 1996، لماذا تخلت حركة امل عن هذا الامر وصمتت مع اني طالبت حينها. ثم تكرر الامر في حرب تموز ويومها اتيت الى الرئيس بري فقلت له متسائلا كيف يمكن السكوت على ما جرى في الجنوب الامر الغير المقبول في الماضي لم نسكت عن التنظيمات الفلسطينية واليوم لانهم من ابناء الطائفة الشيعية نسكت!
نحن نرفض مبدأ عدم التكافؤ في الحرب والاسلوب في الصراع فنحن لنا شركاء في هذا الوطن.
هل نجر الوطن الى حرب لا يريدونها حتى ابناء الجنوب نفسه. قلت له هذا الجنوب الذي تتغنى به بأنك عمّرت فيه الكثير ها هو يتدمر ويحترق فماذا تقدم له؟! لم يجبني بشيء.
وعندها بدأت اقول ان هذا الامر لا يمكن ان يستمر واعلنا الصرخة عن رفضنا لما حدث في حرب تموز.. وبقينا على الخلاف الى ان جاءت «ثالثة» الاثافي بحيث ظهر الرئيس بري وقد تخلى عن مشروع الدولة لصالح الدويلة التي ليس له مكان فيها فالدويلة لغيره وازداد الخلاف اكثر، عندما قلت له انت مؤتمن على الجنوب وهذه المكانة التي وصلت اليها هي من خلال شعار الحفاظ عليه وعلى مشروع الدولة والعيش المشترك الى ان جاءت حرب 2006 وقضية السابع من ايار وقبلها تعطيل المجلس النيابي والفراغ الدستوري.
والرئيس بري هو دولة الرئيس وركن من اركان الدولة اللبنانية، ويقول بأنه حلّ الميليشيا التي كانت لديه منذ اتفاق الطائف، واذا بالميليشيا ظهرت في ايار من جديد في بيروت والجبل وفي مدينة صور حيث اجتاحوا دار الافتاء الجعفري ومازالوا حتى اليوم يحتلونها كما يحتلون منزل دار الافتاء ايضا، هناك كتبي واغراضي وخصوصياتي وحتى ودائع الناس التي كانت موجودة فيه، وحولوها الى مكتب لحركة «امل» كيف تقول انك رجل دولة وتريد ان تبني دولة وفعلت ما فعلته في بيروت، الجبل، وصور وتبين ان لديك ميليشيا وسلاحاً فكيف تطالب بالدولة؟
> إذا بري هو تخلى عن مشروع الدولة وعن اتفاق الطائف خصوصا بعدما تبين انه لم يحل الميليشيا العسكرية وهذه الامور هي التي اختلفنا معه عليها وقد وجد الغطاء الديني الايراني اولى له لذلك ذهب للمشروع الايراني.
تموز.. انتصار ام هزيمة!
> لطالما أتيت على ذكر حرب تموز، هل تعتبرها انتصارا لحزب الله؟
– قلت يومها اذا كان النصر هو تهجير مليون لبناني والتدمير الذي جرى لمعظم قرى الجنوب والضاحية الجنوبية وحوالى 4000 قتيل وجريح، اذا كان هذا نصرا فكيف تكون الهزيمة والخسارة. هذا امر لم يعد يستحق البحث فيه حتى هم انفسهم تخلوا عنه على ما يبدو، وما يجري في قطاع غزة لم يكثروا الحديث عليه كما حصل في الجنوب ولم يكن نصرا ورأيت بأم عيني معاناة اهلي وشعبي عندما كانت الرايات البيض منتشرة في بنت جبيل الى جبيل، لكن بعدما عادوا الى القرى رفعوا رايات النصر، قلت يومها: خرجنا نحمل الرايات بيضا وعدنا نرفع الايدي انتصارا. طبعا ارادوا ان يخففوا من عبء الخطأ والخطيئة التي ارتكبوها بحق الجنوب واهله والوطن، عندئذ حولوا الهزيمة الى انتصار لان المنتصر لا يحاسب عادة وساعدتهم الدولة على هذا الانتصار ووسائل الاعلام ومكنتهم وقالت لهم خذوا الاموال وعمّروا. فأرجعوا هيمنتهم ايضا من خلال الدولة التي رفضوها واسقطوها في السابع من ايار.