الثلاثاء , أكتوبر 15 2024

الكتب السماويّة ودعوى التحريف

 

جسور: يدّعي بعضهم-كما نسمع- أن الإنجيل الذي بين أيدينا هو كتاب أصابه التحريف !
العلاّمة السيد علي الأمين:  لايوجد عندنا شك في صدور الكتب السماوية ومنها الإنجيل و التوراة والقرآن و فيها أمهات الشرائع التي أرسلها الله إلى البشر بواسطة الرسل و الأنبياء و قد تختلف و سائل الإثبات في درجة الوضوح عندما نريد التأكد أن ما بأيدينا هي نفس الكتب التي جاء بها الأنبياء من عند الله و يرجع سبب الإختلاف في درجة الوضوح الى إختلاف طبيعة المعجزات التي ظهرت على أيدي الأنبياء لإثبات صدق إرتباطهم بالله تعالى فمنها معجزات آنية تنتهي بإنتهاء الجيل الذي عاشها و شاهدها و تصبح تاريخاً بالنسبة للأجيال القادمة تثبت لديهم بالنقل التاريخي القطعي و القرائن الدالة على صدور تلك المعجزات و على صحة الكتاب الذي وصل إليهم، ومنها معجزات دائمة كما هو الحال في القرآن الكريم حيث اعتمد على معجزة قائمة في مضمونه و صياغته و نحن نؤمن من خلال القرآن الكريم بوجود الكتب السماوية السابقة عليه و أيضاً لا بد من اعتماد النقل التاريخي القطعي الذي يثبت أن الكتب الموجودة بين أيدينا من الإنجيل و التوراة والقرآن هي نفس الكتب الصادرة عن الله تعالى ، ونؤمن أيضاً أن هذه الكتب ليست غريبة عن بعضها في أصل التشريعات الموجودة فيها كما يشير إلى ذلك قول الله في القرآن الكريم ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أنْ أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه) و قوله تعالى ( إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم و موسى)…
يبقى الكلام في أن النصوص الدينية عندما يدرسها المفكر و البحّاثة فلا بدّ و أن يبحث قبل كل شيء عن أصل صدور النص الديني الموجود بين يديه و بعد إثبات أصل وجوده يبحث عن دلالة هذا النص و عن وجود معارض له في النصوص الأخرى أو لإختلاف النسخ في الكتب الموجودة كما هو الحال في نصوص السيرة النبوية و أحاديثها الدينية حيث تستخدم قواعد باب التعارض لترجيح نص ديني على نص آخر . و أما قوله تعالى في القرآن ( يحرفون الكلم عن مواضعه) ليس إشارة إلى تحريف الكتاب المقدس بل هو بصدد التعريض بكل من يحاول أن يتلاعب في دلالة النصوص الدينية سواء كانت في التوراة و الإنجيل و القرآن أو يحاول أن يصدر أحكاماً هي من صنع يده ومن عند نفسه و يقول انها من عند الله و هذه حالة عامة لا تختص بكتاب سماوي دون آخر فكما لايجوز أن نطرح السنة النبوية لأن فيها روايات مكذوبة بل لا بد من البحث و التمييز بين الصحيح و غيره كذلك الحال لا يجوز أن نطرح الكتب السماوية و نتركها بدعوى التحريف لأننا بذلك نخرج عن الموضوعية والنزاهة التي يجب أن يتحلى بهما الباحث والفقيه خصوصاً عندما تكون دعوى التحريف عارية عن الشاهد والدليل و ليس في القرآن الكريم ما يدل على عدم شرعية وصحة الإنجيل و التوراة .وأنا أدعو إلى دراسة مقارنة وواسعة للكتب السماوية الثلاثة و سنجد أن ما فيه الإتفاق أكثر مما في ظاهره الإختلاف .
و الحاصل أنه لا بدّ من إعتماد الوسائل العلمية لإثبات أن الكتاب الذي بين أيدينا هو نفس الكتاب الصادر . و من الوسائل العلمية المعتمدة لدى الباحثين في إثبات كتاب إلى صاحبه تناقل هذا الكتاب جيلاً بعد جيل ، وهذا يؤدي إلى حصول التواتر و اليقين بصحة صدوره عنه كما هو الحال في إثبات كتب الحديث الموجودة بين أيدينا و أنها صادرة عن أصحابها الذين تفصلهم عنا قرون عديدة.
العلامة السيد علي الأمين
مجلة جسور الأسترالية-سدني-١٩٩٥-