الجمعة , أبريل 26 2024

الفرق بين الفتوى ومشروعية التساؤل حول الزواج المختلط

 

جسور: بعض الأوساط تقول إن السيد الأمين قد أفتى بحق الزواج المختلط، فهل يمكن لك أن تعرف لنا الفتوى والجهة التي يمكنها إصدار الفتوى؟
العلاّمة السيد علي الأمين: الفتوى هي الحكم و التشريع الذي يتوصل إليه المجتهد من خلال النظر في الأدلة و الحجج الشرعية و العقلية و الفتوى التي يجوز العمل بها هي التي تصدر عن المرجعية و لست في الموقع الذي يسمح بإصدار الفتوى في هذه المسألة و لذلك من أراد العمل فعليه أن يعود إلى المرجعية الدينية و إلى مقلده من أجل أن يأخذ الفتوى منه و أما ما طرحته فهو ليس فتوى في هذه المسألة , بل هو محاولة فلسفة للحكم و التعرف على بعض أسراره و فوائده و الدفاع عن شبهة واردة على الحكم و التشريع حيث ان هناك سؤالا , وهو :
لماذا التشريع الإسلامي يجيز لكم الأخذ ولا يجيز لكم العطاء ؟ فأنتم لكم أن تتزوجوا من أهل الكتاب و ليس لأهل الكتاب أن يتزوجوا منكم ؛ و في جوابي على هذا السؤال في المحاضرة تحدثت عن شرح وجهة نظر المنع والعطاء و يتولد من وجهة النظر هذه مسألة ينبغي أن يبحث عنها فقهيا و علميا على مستوى الإستدلال الفقهي و لدى المرجعية الدينية .
و حاصل ما ذكرته في الإجابة على هذا السؤال حسبما أفهمه من روح النصوص الدينية أن التشريع الإسلامي لا يخطط لحدوث العلاقة الزوجية فقط , بل يهتم إضافة إلى ذلك بتوفير المناخ الملائم لإستمرارالعلاقة الزوجية و إستقرارها و لأجل تحقيق هذه الغاية , إشترط الإسلام جملة من الأمور لتحقيق الزواج الناجح و المستقر ,فليس المهم أن يحدث الزواج اليوم ونصل إلى الطلاق غدا . و من جملة الشروط لإيجاد علاقة زوجية مستقرة التوافق في الدين و العقيدة و الإسلام عندما يمنع المرأة المسلمة من التزويج بالمشرك أو غيره من أهل الكتاب ليس لوجود نقص في بشرية هذا الإنسان و لا لوجود نقص في إنسانيته و لا في المعدات المادية للعلاقة الزوجية , لأن العلاقة الزوجية تختلف عن الجنسية , فإن الأولى أعمّ و أ شمل من الثانية حيث لا تحتاج العلاقة الجنسية إلاّ إلى ذكر وأنثى بينما العلاقة الزوجية تحتاج إضافة إلى ذلك إلى العناصر التي توفّر المناخ الطبيعي و الملائم لإيجاد الأسرة و العائلة التي تشكل المدرسة الإجتماعية الأولى ولا يكون الدخول إلى هذه المدرسة بشكل عشوائي و غير مدروس ,لأنّ ذلك ينعكس سلباً على العلاقة الزوجية و يهدمها و هذا يخالف الهدف من وجودها.
و عندما يسمح الإسلام بزواج المسلم من المرأة المسيحية واليهودية فلأن التوافق في الدين و العقيدة موجود بينهما بالشكل الذي لا يسمح بنشوء مشكلة من هذه الناحية لأن الزوج إذا كان مسلما‍ً فهو لا يكون مسلماً إلا إذا كان يحترم معتقد و دين المرأة المسيحية لأنّ إسلامه يدعوه إلى التصديق بالشرائع السابقة على الإسلام و احترامها و بما أن زوجته المسيحية قد رضيت به زوجاً , فستبادله نفس الإحترام لعقيدته وفاقاً لموقفه و قضاءً لعلاقة الزوجية بينهما، وعندئذ لن توجد مشكلة بينهما على مستوى الدين و العقيدة .و أما إذا إنعكس الأمر و كان الرجل مسيحيا و المرأة مسلمة ؛فإذا كان الرجل المسيحي يرفض معتقد المرأة المسلمة و لا يحترمه فإن هذا الرفض يشكل مناخاً لحدوث الإختلافات و المشاكل بينهما و ليس إختلافاً عابراً حتى يكون بالإمكان علاجه , بل هو منشأ‍ لإختلاف مستمر يهدد الحياة الزوجية بالزوال و الأسرة بالتفكك ؛ وعدم البناء أصلاً أفضل من إيجاد البناء المعرض لخطر الإنهدام . و لذلك فإن الإسلام عندما يمنع من العلاقة الزوجية بين المرأة المسلمة و الرجل المسيحي , ليس من باب عدم الإحترام و لا من باب وجود عيب أو نقص في إنسانيته لأن الله يقول (وكرمنا بني آدم ) بلا فرق بين بني البشر على إختلاف عروقهم و إنتماءاتهم الدينية ولكن هذا المنع من حدوث العلاقة الزوجية لأن عناصر الأستقرار لهذه العلاقة غير متوفره نتيجة الرفض لدين الشريك الآخر ومعتقده.
و من هنا ينشأ سؤال و هو أن المسيحي من أهل الكتاب إذا لم يكن رافضا لدين المرأة المسلمه و معتقدها لأنه ليس كل مسيحي رافضا للاسلام كدين سماوي كما نفهم ذلك على ضوء آيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى( و إن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله و ما أنزل إليكم و ما أنزل إليهم خاشعين لله و لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم) و قوله تعالى ( و لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون ) فإذا كان الرجل المسيحي من هؤلاء الذين يحترمون دين و عقيدة المرأة المسلمة فحينئذ لن توجد مشكلة على مستوى الدين و العقيدة بينهما لأنها كمسلمة تحترم الشريعة المسيحية لأن ذلك من لوازم إسلامها و الرجل المسيحي قد فرضناه ليس رافضا للإسلام كدين سماوي فيحترمه كما يحترم المسيحية كدين له و بهذا تكون عوامل الفرقة و الخلاف بينهما من ناحية الدين و العقيدة قد أزيلت . و هذه المسألة تبقى في إطار وجهة النظر التي تحتاج الى بحث و درس و جواب من المرجعية الدينية العليا خصوصا و أن القرآن الكريم و هو المصدر التشريعي الأول من مصادر الأحكام الشرعية لم يتعرض الى منع صريح لقيام هذه العلاقة بين المرأة المسلمة والرجل المسيحي الذي يقبل الإسلام دينا سماويا و يحترمه كما يقبل بقية الأديان و يحترمها ، هذا مضافاً إلى وجود نصوص تحدثت عن وجود هذه العلاقة الزوجية في المدينة المنورة قبل نزول آية النهي عن الزواج من المشركين والمشركات. و هذه المسألة تبقى في ساحة مراجع الدين و الفتوى على بساط البحث و الإستدلال..
العلامة السيد علي الأمين
مجلة جسور الأسترالية-سدني-١٩٩٥-