المفتي الأمين حارس التواصل
-جريدة النهار – عماد سعيد
ينتمي المفتي السيد علي الأمين الى بيت زاول الثقافة و الفقه و العلم منذ أمد طويل، ومذ تفتحت عيناه فيه كان الكتاب يحتل أولوية مطلقة، وتاليا ما كان علماء الشيعة يتوافدون اليه، وكانت تلك اللقاءات بمثابة مدرسته الأولى، مناهلها تفتحت أزاهير الطريق التي ستذهب به في ما بعد الى النجف للاستزادة من المصدر الأساس.
كان هذا من الماضي الذي اسس لحاضر صعب، ولكن عبره بامتياز ولا يزال. فغياب الامام السيد موسى الصدر، ترك معهد الدراسات الاسلامية الذي يحمل اسمه شاغرا، وكان لا بد لهذا الطموح من أن يكمل المسيرة، خصوصاً أن مؤسسه اراد ان يكون على حجم طموحاته، فيسحب الدين الى الحياة و يضخ بحاثة و علماء لا ينزعون الى الفردية، بل يعيشون هموم كل الناس و احلامهم و ىمالهم، و المجنمع ككل، فكان سماحة المفتي الخيار الصح في المكان الصح.
و يستند السيد علي الأمين الى خلفية دينية ثقافية و سلوكية، اثبتت الايام انها موسوعية و مرجعية في آن واحد، فهو الى كونه يطلع على العالم من خلال استيعاب كامل للتراث الاسلامي بكامل تفريعاته ، لا يغيب عن التراث العربي و الانساني عموماً، وهذه الابعاد املت على تلامذة المعهد ان يحذو حذو القيم عليه، خاصة ان طموحه لمؤسسته الا تستقطب الجنوبيين فحسب، بل ان تندفع في كل الاتجاهات الممكنة، وتكون مركزا ملهما للخريطة الشيعية. وبعض هذه الرغبة تحقق، لكن المكان ضاق على نازليه، لذلك عمد المفتي الى تأييد بناء صرح ضخم، بأسلوب حديث يلبي كل الحاجات المستجدة و التي تتسع باستمرار. و المفتي الأمين ليس منغلقا على نفسه داخل عباءة سوداء شيعية، بل يستقدم الى منصته التي كانها الامام المغيب السيد موسى الصدر، و التي ترتكز على الانفتاح على كل الطوائف من دون مواقف مسبقة، ادت الى تجزؤ المسلمين في لبنان، ورفدهم بحال مرضية برفضهم للآخر، و التخلي عن التواصل ليس فيما بينهم فحسب، بل أيضا من جناح الوطن الثاني، و هذه من الأسباب التي أوصلت الى محنة في لبنان لا يزال يعيش آثارها حتى اليوم بكل أسف.
وبناء على هذا الاقتناع يسعى المفتي الأمين الى نسج اوسع العلاقات مع كل الطراف الأخرى، الدينية و السياسية، لوعيه التام أن الحوار يجب أن يكون اللغة الوحيدة بين جميع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم و مذاهبهم، و ان الحوار يجب أن يكون اللغة الوحيدة بين جميع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم و مذاهبهم، وأن الحوار الاسلامي – المسيحي تحديداً ، و الذي أطلقه الامام الصدر ، هو أساس حيوي في هذا الاتجاه، لذا نراه يدخل الكنيسة كما يدخل الجامع، و الأديرة كما الحسينيات، متحدثا عن ضرورة التواصل الذي اصبح لازمة في كل توجهاته، وهذا ليس مستحيلاً اذا كنا لا نزال نتذكر الثمن الغالي الذي دفعناه ابان الحرب الاهلية.
و حاجتنا الى سماحة مفتي صور و جبل عامل السيد علي الأمين ملحة بقدر ما هي ضرورية، فأمثاله يمكن أن يأخذوا بيدنا الى ضوء غرب عن دنيانا، بعدما استبدلنا الكلمة بالبندقية، و التواصل بالتباعد.
عماد سعيد
النهار 2003