الإثنين , ديسمبر 2 2024

المناجاة الانجيلية الوسطى – الإمام زين العابدين

مناجاة الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام

المعروفة بالإنجيلية الوسطى

 سبحانك يا إلهي ما أحلمك وأعظمك وأعزك وأكرمك وأعلاك وأقدمك وأحكمك وأعلمك! وسع علمك تمرد المتكبرين، واستغرقت نعمتك شكر الشاكرين، وعظم نضلك عن إحصاء المحصين، وجل طولك عن وصف الواصفين.

 خلقتنا بقدرتك ولم نك شيئا، وصورتنا في الظلماء بكنه لطفك، وأنهضتنا إلى نسيم روحك، وغذوتنا بطيب رزقك، ومكنت لنا في مهاد أرضك، ودعوتنا إلى طاعتك، فاستنجدنا بإحسانك على عصيانك، ولولا حلمك ما أمهلتنا إذ كنت قد سدلتنا بسترك، وأكرمتنا بمعرفتك، وأظهرت علينا حجتك، وأسبغت علينا نعمتك، وهديتنا إلى توحيدك، وسهلت لنا المسلك إلى النجاة، وحذرتنا سبيل المهلكة، فكان جزاؤك منا أن كافأناك على الإحسان بالإساءة اجتراء منا على ما أسخط، ومسارعة إلى ما باعد من رضاك واغتباطا بغرور آمالنا، وإعراضا على زواجر آجالنا، فلم يردعنا ذلك حتى أتانا وعدك، ليأخذ القوة منا، فدعوناك مستحطين لميسور رزقك، منتقصين لجوائزك، فنعمل بأعمال الفجار كالمراصدين لمثوبتك بوسائل الأبرار، نتمنى عليك العظائم، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة عظمت رزيتها، وساء ثوابها، وظل عقابها، وطال عذابها، إن لم تتفضل بعفوك ربنا، فتبسط آمالنا، وفي وعدك العفو عن زللنا.

رجونا إقالتك وقد جاهرناك بالكبائر، واستخفينا فيها من أصاغر خلقك، ولا نحن راقبناك خوفا منك وأنت معنا، ولا استحيينا منك وأنت ترانا، ولا رعينا حق حرمتك.

أي رب فبأي وجه عز وجهك نلقاك؟ أو بأي لسان نناجيك وقد نقضنا العهود بعد توكيدها وجعلناك علينا كفيلا؟! ثم دعوناك عند البلية ونحن مقتحمون في الخطيئة، فأجبت دعوتنا وكشفت كربتنا، ورحمت فقرنا وفاقتنا، فيا سوأتاه ويا سوء صنيعاه، بأي حالة عليك اجترأنا؟ وأي تغرير بمهجنا غررنا؟

 أي رب بأنفسنا استخففنا عند معصيتك لا بعظمتك، وبجهلنا اغتررنا لا بحلمك، وحقنا أضعنا لا كبير حقك، وأنفسنا ظلمنا، ورحمتك رجونا، فارحم تضرعنا وكبونا لوجهك وجوهنا المسودة من ذنوبنا. فنسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تصل خوفنا بأمنك، ووحشتنا بأنسك، ووحدتنا بصحبتك، وفناءنا ببقائك، وذلنا بعزك، وضعفنا بقوتك، فإنه لا ضيعة على من حفظت، ولا ضعف على من قويت، ولا وهن على من أعنت.

نسألك يا واسع البركات، ويا قاضي الحاجات، ويا منجح الطلبات، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترزقنا خوفا وحزنا تشغلنا بهما عن لذات الدنيا وشهواتها، وما يعترض لنا فيها عن العمل بطاعتك، إنه لا ينبغي لمن حملته من نعمك ما حملتنا أن يغفل عن شكرك، وأن يتشاغل بشيء غيرك، يا من هو عوض من كل شيء وليس منه عوض.

ربنا فداونا قبل التعلل، واستعملنا بطاعتك قبل انصرام الأجل، وارحمنا قبل أن يحجب دعاؤنا فيما نسأل، وامنن علينا بالنشاط، وأعذنا من الفشل والكسل والعجز، والعلل والضرر، والضجر والملل، والرياء والسمعة، والهوى والشهوة، والأشر والبطر، والمرح والخيلاء والجدال والمراء، والسفه والعجب والطيش، وسوء الخلق والغدر، وكثرة الكلام فيما لا تحب، والتشاغل بما لا يعود علينا نفعه، وطهرنا من اتباع الهوى ومخالطة السفهاء، وعصيان العلماء والرغبة عن القراء، ومجالسة الدناة، واجعلنا ممن يجالس أولياءك ولا تجعلنا من المقارنين لأعدائك، وأحينا حياة الصالحين، وارزقنا قلوب الخائفين، وحذر أهل اليقين، وصبر الزاهدين، وخوف المتقين، وقناعة المنيبين ويقين الصابرين، وأعمال العابدين، وحرص المشتاقين، حتى توردنا جنتك غير معذبين. اللهم إني أسألك العمل بفرائضك، والتمسك بسنتك، والوقوف عند نهيك، والطاعة لأهل طاعتك، والانتهاء عن محارمك.

 اللهم ارزقنا معروفا في غير أذى ولا منة، وعزا بك في غير ضلالة، وتثبيتا ويقينا وتذكرا وقناعة وتعففا وغنى عن الحاجة إلى المخلوقين، ولا تجعل وجوهنا مبذولة لأحد من العالمين، فإنه من حمل فضل غيره من الآدميين خضع له، فلهم ينهه عن باطل ولم يبغضه على معصية، بل اجعل أرزاقنا من عندك دارة وأعمالنا مبرورة، وأعذنا من الميل إلى أهل الدنيا، والتصنع لهم بشيء من الأشياء.

اللهم وما أجريت على ألسنتنا من نور البيان، وإيضاح البرهان، فاجعله نورا لنا في قبورنا ومبعثنا، ومحيانا ومماتنا، وعزا لنا لا ذلا علينا وأمنا لنا من محذور الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين. اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين أسرعت أرواحهم في العلى، وخطت هممهم في عز الورى، فلم تزل قلوبهم والهة طائرة، حتى أناخوا في رياض النعيم، وجنوا من ثمار النسيم، وشربوا بكأس العيش، وخاضوا لجة السرور، وغاضوا في بحر الحياة واستظلوا في ظل الكرامة، آمين رب العالمين.

اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا ممن جاسوا خلال ديار الظالمين واستوحشوا من مؤانسة الجاهلين، وسموا إلى العلو بنور الاخلاص، وركبوا في سفينة النجاة، وأقلعوا بريح اليقين، وأرسوا بشط بحار الرضا يا أرحم الراحمين.

 اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين غلقوا باب الشهوة من قلوبهم، واستنقذوا من الغفلة أنفسهم، واستعذبوا مرارة العيش، واستلانوا البسط، وظفروا بحبل النجاة، وعروة السلامة والمقام في دار الكرامة.

اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين تمسكوا بعروة العلم، وأدبوا أنفسهم بالفهم، وقرأوا صحيفة السيئات، ونشروا ديوان الخطيئات، وتجرعوا مرارة الكمد حتى سلموا من الآفات، ووجدوا الراحة في المنقلب.

اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين غرسوا أشجار الخطايا نصب روامق القلوب، وسقوها من ماء التوبة حتى أثمرت لهم الندامة، فأطلعتهم على ستور خفيات العلى، وآمنتهم من المخاوف والأحزان والغموم والأشجان ونظروا في مرآة الفكر، فأبصروا جسيم الفطنة، ولبسوا ثوب الخدمة. اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين شربوا بكأس الصفاء فأورثتهم الصبر على طول البلاء، فقرت أعينهم بما وجدوا من العين حتى تولهت قلوبهم في الملكوت وجالت بين سرائر حجب الجبروت، ومالت أرواحهم إلى ظل برد المشتاقين، في رياض الراحة، ومعدن العز، وعرصات المخلدين.

اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين رتعوا في زهرة ربيع الفهم حتى تسامى بهم السمو إلى أعلى عليين، فرسموا ذكر هيبتك في قلوبهم، حتى ناجتك ألسنة القلوب الخفية، بطول استغفار الوحدة في محاريب قدس رهبانية الخاشعين، وحتى لاذت أبصار القلوب نحو السماء، وعبرت أعين النواحين بين مصاف الكروبيين ومجالسة الروحانيين، لهم زفرات أحرقت القلوب عند إرسال الفكر في مراتع الاحسان بين يديك، وأنضجت نار الخشية منابت الشهوات من قلوبهم، وسكنت بين خوافي طابق العضلات من صدورهم، فأنبه الذكر رقاد قلوبهم .

اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين اشتغلوا بالذكر عن الشهوات، وخالفوا دواعي العزة بواضحات المعرفة، وأطفأوا نار الشهوات بنصح ماء التوبة، وغسلوا أوعية الجهل بصفو ماء الحياة، حتى جالت في مجالس الذكر رطوبة ألسنة الذاكرين. اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا ممن سهلت له طريق الطاعة بالتوفيق في منازل الأبرار، فحيوا وقربوا وأكرموا وزينوا بخدمتك.

اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين أرسلت عليهم ستور عصمة الأولياء، وخصت قلوبهم بطهارة الصفاء، وزينتها بالفهم والحياء في منزل الأصفياء، وسيرت هممهم في ملكوت سماواتك حجبا حجبا، حتى ينتهي إليك واردها، ومتع أبصارنا بالجولان في جلالك، لتسهرنا عما نامت عنه قلوب الغافلين، واجعل قلوبنا معقودة بسلاسل النور، وعلقها من أركان عرشك بأطناب الذكر، واشغلها بالنظر إليك عن شر مواقف المختانين وأطلقها من الأسر لتجول في خدمتك من الجوالين، واجعلنا بخدمتك للعباد والأبدال في أقطارنا طلابا، وللخاصة من أصفيائك أصحابا، وللمريدين المتعلقين ببابك أحبابا.

اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين عرفوا أنفسهم، وأيقنوا بمستقرهم، فكانت أعمارهم في طاعتك تفنى، وقد نحلت أجسادهم بالحزن وإن لم تبل، وهدت إلى ذكرك وإن لم تبلغ إلى مستراح الهدى.

 اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا من الذين فتقت لهم رتق عظيم حواشي جفون حدق عيوب القلوب حتى نظروا إلى تدابير حكمتك، وشواهد حجج بيناتك، فعرفوك بمحصول فطن القلوب، وأنت في غوامض سترات حجب الغيوب فسبحانك أي عين يرمى بها نصب نورك، أم ترقى إلى نور ضياء قدسك؟!

أو أي فهم يفهم ما دون ذلك إلا الأبصار التي كشفت عنها حجب العمية؟! فرقت أرواحهم على أجنحة الملائكة، فسماهم أهل الملكوت زوارا، وأسماهم أهل الجبروت عمارا، فترددوا في مصاف المسبحين، وتعلقوا بحجاب القدرة، وناجوا ربهم عند كل شهوة، فخرقت قلوبهم حجب النور، حتى نظروا بعين القلوب إلى عز الجلال في عظم الملكوت، فرجعت القلوب إلى الصدور على النيات بمعرفة توحيدك، فلا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، تعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا. إلهي في هذه الدنيا هموم وأحزان وغموم وبلاء، وفي الآخرة حساب وعقاب. فأين الراحة والفرج؟ إلهي خلقتني بغير أمري، وتميتني بغير إذني، ووكلت بي عدوا لي له علي سلطان يسلك بي البلايا مغرورا، وقلت لي: استمسك فكيف أستمسك إن لم تمسكني؟!

اللهم صل على محمد وآل محمد وثبتني بالقول الثابت في الدنيا والآخرة، وثبتني بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها يا أرحم الراحمين. يا من قال ادعوني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان وقد دعوتك يا إلهي كما أمرتني، فاستجب لي كما وعدتني إنك لا تخلف الميعاد.

اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لي ولوالدي وما ولدا، ومن ولدت وما توالدوا، ولأهلي وولدي وأقاربي وإخواني فيك وجيراني من المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم .