مريم نجمة
الحوار المتمدّن – العدد 1829
لقد تابعت على شاشة التلفاز حفل إحياء ذكرى شهيد لبنان .. رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري .. بعد مرور عامين على إغتياله / 14 / 2 / 2005
زحفت جموع لبنانية كبيرة من مناطق لبنان كافّة لتشارك في هذه الذكرى , رغم الترهيب الذي حصل في جريمة ( عين علق ) قبل يوم واحد من الإحتفال ؟
وقد ألقيت خلال هذه المناسبة الأليمة أكثر من 17 كلمة وخطاب من كافة الإتجاهات والتنظيمات .. كل عبّر عن همومه وهواجسه , خوفه ووجعه , عواطفه ومشاعره كلها حملت في طيّاتها التركيز على السيادة والإستقلال وحب الوطن والسير بالمحكمة ذات الطابع الدولي حتى النهاية دون إبطاء خدمة للعدالة وحماية لأمن لبنان المهدد . وهذا رائع وجيّد يشكرون عليه , نحييهم على هذه المواقف الوطنية واللغة الهادئة والروح التضامنية .. تعبيرا عن الحزن العميق على فقدان ( كوكبة الشهداء ) رفيق الحريري جورج حاوي سمير قصير جبران تويني وبيير جميّل والعشرات غيرهم ..والتصميم الوطني على تبديل الأوضاع والحالة المخيفة الذي يعيشها لبنان بعد
إغتيال المشروع و البناء الإقتصادي النهضوي .. الحلم , والكوادر ” الأعمدة ” الأخرى السياسية , والفكرية , والثقافية والإعلامية , والصناعية , بالتناوب شهرا بعد شهر وعاما بعد عام , لتأتي اّخرها ( متفجّرة بكفيا ) لتطال المدنيين العزّل – تعازينا الحارة لأهالي الشهداء جميعا الجدد والقدامى – وشبح خوف الحروب ( الاّخرين ) يسيطر من جديد , مع التهجير المستمر, ليوقف عملية بناء الوطن وتفريغه وشلّه وتعطيله عن دوره في المنطقة والعالم ..
لأوّل مرّة أشاهد وأستمع للشيخ الجليل والمفكّر الحكيم مفتي صور وجبل عامل .. تحية كبيرة .. على كلمته الرائعة الرزينة الهادئة والعميقة , في تشخيص العلّة , ووصف الدواء .
الكلمة الموضوعية بلغّتها البعيدة عن المذهبية والطائفية , مملؤة بروح العلم والوطنية الصادقة ..
وتأييدا للشرعية ومؤسسات الدولة – دولة القانون والديمقراطية –
لقد رثى وأبّن شهيد لبنان رفيق الحريري .. بلغة الوقائع والأفعال والأعمال نقتطف منها بعض المقاطع الهامة المعبّرة عن اّمال واّلام الشعب اللبناني الواحد المنكوب بتدخّل الاّخرين بشؤونه الداخلية ..
( …… لأنك غدوت مشروع أحلام واّمال لكل أبناء وطنك لكل لبنان بكل فئاته وطوائفه وجماعاته . لأنك كنت الرجل الذي عبر حدود المناطق ليصل إلى رحاب الوطنية الشاملة والإنسانية الجامعة ..
أيها الأهل الكرام …. إن الأوطان ونشوءها يتم من خلال عاملين مع بقائها واستمرارها . إن نشوء الأوطان وقيام الدول يحتاج إلى الوفاق والإتّفاق , ويحتاج إلى بقائه واستمراره إلى العدالة . إن الإتفاق الذي لابد منه لقيامة الوطن قد طبعه رفيق الحريري في إتفّاق الطائف . فهو الذي صنع لنا السلام عندما كانوا يتحاربون , وهو الذي صنع لنا الإتفاق عندما كانوا يختلفون , صنع لنا الإعمار عندما صنعوا لنا الدمار والخراب …
لن يسأل – رفيق الحريري – عن دماء سفكها !؟
لن يسأل عن بلاد خرّبها !؟
لن يسأل عن شعب جعله شيعا وأحزابا !؟
جعل لبنان الواحد , وأعاد القيامة للوطن الواحد
وأطلق مشروع الوطن الدولة .. القانون والمؤسّسات … من أجل المنطق والحوار وإلى مؤسّسات الدولة وتفعيلها .. لا يمكن أن يصل الخلاف إلى شئ , سينسف الخلاف كل شئ .. ولكننا بالإتّفاق نحصل على كل شئ …. العودة إلى منطق الدولة والمؤسّسات في كل العالم .. )
النقطة الثانية الهامة التي ركّز عليها وأشارلها بلغتّه البليغة هي العدالة :
( .. المنطق الاّخر والعامل الاّخر هو عامل العدالة .. والقانون . إن العدالة ركن أساسي في البقاء والإستمرار طالبنا في هذه العدالة شرط بقاء الأوطان …
من غرائب الأمور أن يقف المرء في وجه عدالة تريد أن تكشف الجناة , وتمنع مخطّط الإغتيالات , وإنما يستهدف كذلك الوطن برمّته وليس الشخص فقط !!؟؟
المحكمة ذات الطابع الدولي هي التي تشكّل الضمانة لمعاقبة الجناة وتحقيق العدالة .. ليس الهدف هو الثأر بل هو العدالة …. ” كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا ” ” إن في العدل سعة ” في وصية الإمام علي للحسن والحسين – بهذه الكلمات المأثورة .. الحكيمة .. اختتم كلمته الجميلة …
لعمري .. متى نمشي على خطى الحكماء والمجرّبين المخضرمين من العقلاء في كل وطن وما أحوجنا لمثل هذه الأصوات الخيّرة .. التي تجمع ولا تفرّق , توحّد ولا تشرذم تاّخي ولا تفتّت تبني و لاتهدّم ؟
بارك الله فيك يا شيخنا المهيب .. نتمنى لكم الصحّة وطول العمر ومتابعة رسالتكم بكل همّة ونشاط , لتكون قدوة لرجال الدين المتحررّين من الطائفية والتعصّب , الأوفياء للوحدة الوطنية , ليبقى لبنان شعلة الحرية والحضارة والعلم …. ومثالا للعالم المتمدّن .. في التلاقي والوفاق .. والعدالة .. والسلام .