الثلاثاء , أكتوبر 15 2024

رسالة مفتوحة من طلاب علم الى قبلان :قراركم بحق الأمين منهي عنه في شرعنا

رسالة مفتوحة من طلاب علم الى قبلان:
قراركم بحق الأمين “مُنهيّ عنه في شرعنا”

المستقبل – الثلاثاء 19 آب 2008 – العدد 3051 – شؤون لبنانية – صفحة 6

وجهت مجموعة من أهل العلم رسالة مفتوحة الى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبدالأمير قبلان جاء فيها:
“الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين.
حضرة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة الشيخ عبدالأمير قبلان المحترم.
نتقدم بمراسلة سماحتكم طالبين من وراء ذلك الوقوف على جادة الصواب من موقع إدراكنا كطلاب علم ديني للمسؤولية الملقاة على عاتقنا وبعد الحيرة والعجب مما جرى بين جمادي ورجب قررنا أن نكتب لسماحتكم هذه الرسالة آملين منكم الإجابة على أسئلتنا المتعلقة بما حصل في التاسع من شهر أيار في دار الإفتاء الجعفري في صور وما صدر عنكم بعد ذلك من قرارات تتعلق بهذا الشأن.
سماحة الشيخ لقد قرأنا رسالتكم التي بعثتم بها الى سماحة الحجة السيد علي الأمين والتي تتضمن ما لم نألفه منكم وما لم نسمعه عنكم من ذي قبل وهي رسالة تتضمن نصوصاً وضعية ذات أرقام مختلفة وكلمات مستغربة استندتم إليها في قراركم الذي اتخذتموه بحق عالم رباني يقر بفضله واجتهاده الفقهاء الأعلام والعقلاء الكرام وهو فقيه له حجته وبرهانه ويقول إنه بهذا يلقى وجه ربه آمناً مطمئناً، وهنا لا نريد أن نمارس دور رجال القانون لمناقشة شرعية القوانين التي اعتمدتم عليها والتي تحمل أرقاماً حتماً هي ليست أرقام آيات من كتاب الله ولا أرقام أحاديث من سنة رسول الله (ص) ولذلك فإننا نسأل سماحتكم عن المستند الشرعي الذي اعتمدتم عليه من موقع كونكم مستأمنين على شرع الله تعالى لإحراز براءة الذمة فيما أقدمتم عليه من عمل وذلك لأننا فهمنا من خلال نهج السلف الصالح أن أهم الأدوار التي يجب على رجل الدين القيام بها خاصة إذا كان في موقع السلطة هي إقامة الحق والعدل وتطبيق دعوة الإمام علي (ع) الذي أوصى الحسن والحسين (ع) في آخر ساعات حياته كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً وقد جاء في مروية ابن عباس أنه دخل على أمير المؤمنين (ع) بذي قار فوجده يخصف نعله فقال له الإمام ما قيمة هذه النعل يا ابن عباس؟
قال لا شيء يا أمير المؤمنين.
فقال الإمام علي (ع) والله لهي أحب إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً.
واستناداً الى هذه الرواية المشهورة نسأل سماحتكم أين هو الحق الذي دافعتم عنه والباطل الذي دفعتموه في دعمكم للمعتدين على دار الإفتاء الجعفري في صور.
سماحة الشيخ ألا ترون أن قراركم الذي اتخذتموه بحق العلامة الحجة السيد علي الأمين يندرج في خانة الظلم المنهي عنه في شرعنا الحنيف بأدلة مقطوعة الصدور كما جاء في قول الإمام (ع) من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان لله حرباً حتى ينزع ويتوب، وليس شيء أدعى الى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد…
وبعد هذا الدليل الواضح في نصه ومدلوله والذي نجزم أنه لا يخفى عليكم كما أنه أيضاً لا يغيب عنكم قوله (ع) والله لإن أبيت على حسك السعدان مسهداً وأجر في الأغلال مصفداً أحب إليّ من أن ألقى الله ورسوله (ص) يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصباً لشيء من الحطام وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع الى البلى قفولها ويطول في الثرى حلولها……
سماحة الشيخ، هل يوجد آية في كتاب الله أو حديث في سنة رسول الله (ص) يحرم الاختلاف بالرأي ويأمر بمعاقبة من خالف مذاهبكم السياسية وروابطكم الاجتماعية، أوليس مذهبنا قائماً على مبدء الاجتهاد وتعدد الآراء ووجهات النظر؟
هل الإمرة والسلطة يا سماحة الشيخ التي أنتم فيها هي قوة ونفوذ لمحاسبة الناس على آرائها الفكرية وعلاقاتها الاجتماعية والتي قد تكون في الواقع مطابقة للحق والحقيقة.
سماحة الشيخ هل ترون أن مجرد امتلاك الإنسان للقوة يجعله صاحب الرأي الصائب وكل ما عداه خطأ وفاسد، لسنا ندري كيف يكون هذا ووصية الإمام علي (ع) واضحة فقد ذكر في عهده لمالك الأشتر قوله:
ولا تقولن إني مؤمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الغير وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر الى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك……..
بعد هذا النص كيف يمكننا أن نخالف أوضح الأحكام الشرعية ونحن المستأمنين على حفظها وتطبيقها؟
وبالعودة الى الحديث عن قرارك المستغرب فإنه لا فرق على مستوى النتائج بين أن تكون حراً مختاراً أو مجبراً مضطراً فهي أحوال مختلفة وصور متعددة ذات هوية واحدة يرفضها الإمام علي (ع) في قوله:
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت وإن دنياكم لأهون عندي من ورقة في فم جرادة تقضمها……
مولانا الجليل بعد هذه الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة والحجج الدامغة التي نقطع بعدم غيابها عنكم ونستغرب تجاوزكم لها وهي أدلة لو توفر لفقيه مثلها في أي واقعة لجزم على نحو القطع واليقين بالمنع والردع والزجر والنهي عن الإقدام على ما أقدمتم عليه.
سماحة الشيخ مما لا شك فيه أن قراركم شكل غطاء شرعياً للمسلحين وقيادتهم التي تقدمتهم في الهجوم العسكري على دار الإفتاء الجعفري في صور وما حصل فليس بالأمر العادي لأن أناساً كنا نعتقد بحكمتهم ووعيهم ورفقة التضحيات معهم لم نكن نتوقع بأنهم سيحملون أسلحتهم الحربية ويصوبوها الى صدور إخوانهم وأقدموا بعد ذلك على طردهم بعد إرعابهم وشتمهم بكلمات نترفع في هذا المقام عن ذكرها وقد أقدموا على سرقة العديد من محتويات البيت والمكاتب وكسروا وأتلفوا أشياء أخرى واحتلوا بيت فقيه من كبار علمائنا وكنا ننتظر من سماحتكم قبل مفاجئتنا بقرارك أن تقف موقف الرافض والمستنكر لتلك الأعمال البربرية. فأين أنتم في قراركم وغطائكم الشرعي لاحتلال بيت العلامة الأمين من أدلة الغصب وأحكامه التي غصت بها كتب الفقهاء الذين دونوا في رسائلهم العملية أن لو دخل شخص المسجد للصلاة ووضع علامة على حيازة مكان فلا تصح صلاة غيره فيه فكيف بمن غصب بيتاً وممتلكات خاصة كما لا يخفى عليكم.
سماحة الشيخ لم نعرف حتى الآن على أي دليل اعتمدتم في قراركم بحق العلامة السيد علي الأمين وفي تغيير وجهة استعمال الوقف في دار الإفتاء الجعفري من مقر ديني الى مقر حزبي تماماً كما فعلتم في معهد الإمام الصدر للدراسات الإسلامية حيث رخصتم تحويله من معهد موقوف استخدامه على التعليم الديني الى مؤسسة ذات ريع خاص.
سماحة الشيخ إن هذه القرارات المستغربة والصادرة عنكم لم يسبق أن أقدم على مثلها أحد من علماء جبل عامل عبر تاريخهم المليء بالتضحيات والمواقف المشرفة وقد ورد في تاريخ علماء جبل عامل سنة 1915م وفي ظل الحكم العثماني فرض الحاكم نظام الالتزام والأعشار على الفلاحين وكان الوالي يومها كامل بك الأسعد فشكل ذلك الفرض جوراً وظلماً ارتد على الفلاحين في جبل عامل فلجأوا الى المقدس العلامة السيد محمد نجيب فضل الله وشكوا له أمرهم فأرسل العلامة فضل الله رسالة الى كامل بك الأسعد، كتب له فيها: بسم الله قاسم الجبارين فرعون البلاد وطاغية العباد وجرثومة الفساد كامل الأسعد، وختم رسالته الأقل محمد نجيب فضل الله.
وصلت الرسالة الى الأسعد الذي غضب شديد الغضب وذهب شاكياً للمقدس العلامة السيد علي محمود الأمين في بلدة شقراء. لما علم السيد سبب الزيارة رفض استقبال الأسعد وطلب منه المصالحة مع المقدس فضل الله. لم يجد الأسعد أمامه طريقاً إلا أن يفعل ما طلبه السيد الأمين منه فقصد بيت المقدس فضل الله في عيناتا ولما أخبر السيد عن وصول الأسعد الى داره رفض أن يستقبله قبل أن يأخذ قراراً برفع المظلومية عن الفلاحين في جبل عامل، عندها هدد الأسعد بقتل نفسه إن لم يستقبله السيد في بيته فوافق عندئذٍ المقدس فضل الله على دخول الأسعد الى البيت ولما دخل الأسعد ديوان المقدس فضل الله اختار أن يتقدم من السيد راكعاً وانحنى على يده ليقبلها وأبدى له الاستعداد لفعل ما يأمر.
هذا ما قرأناه في تاريخ علماء وزعماء جبل عامل وهناك مئات القصص المشابهة لما ذكرناه وبمثل هذه المواقف دخل علماؤنا التاريخ فهل تقبل أنت يا سماحة الشيخ أن يكتب في صفحات تاريخك ما حصل في 9 أيار وما بعده في دار الإفتاء الجعفري بغطاء شرعي وقانوني منك؟ أفيدنا أفادك الله.
سماحة الشيخ، إننا نرى في موقف العلامة السيد علي الأمين رحلة أبي ذر الغفاري الذي أبرق إليه الإمام علي (ع) قائلاً له: يا أبا ذر إنك غضبت لله فارجُ من غضبت له، إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فاترك في أيديهم ما خافوك عليه واهرب منهم بما خفتهم عليه فما أحوجهم الى ما منعتهم وما أغناك عما منعوك وستعلم من الرابح غداً والأكثر حسداً ولو أن السموات والأراضين كانتا على عبد رتقاً ثم اتقى الله لجعل له منهما مخرجاً ولا يؤنسك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل فلو قبلت دنياهم لأحبوك ولو قرضت منها لأمنوك.
سماحة الشيخ، المهم جداً أن نعرف نحن المكلفين والمستأمنين على رسالة رسول الله (ص) كيف نرد معالم الدين لنعرف حلال الله من حرامه حتى ننجو من بحر آثامنا ونبلغ شاطئ الرضا الرباني آمنين مطمئنين وأن نفوز يوم الحشر الأكبر فإنه يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا جاه ولا سلطان ولا ثأر ولا انتقام شيء واحد ينفع الإنسان في ذلك المقام وهو أن يفد على ربه بقلب سليم، هذا ما وددنا قوله وننتظر أجوبته من سماحتكم والله عليم بذات الصدور\”.