العلاّمة السيد علي الأمين :
- -لقيام حوار جاد بين إيران والدول العربية لنزع فتيل الفتن الطائفية
- – إيران لن تكون بمنأى عن ارتدادادات الصراع السنّي الشيعي
- – لا يصح اختزال الطائفة الشيعية بالأحزاب التابعة لإيران
- – نرفض تدخل حزب الله في سوريا،وهو لا يمثل إلا أتباعه
- – المطلوب من القيادات الشيعية الإعلان عن رفضها لتدخل حزب الله في سوريا
- – نؤمن بولاية الدولة ونرفض ولاية الفقيه بالمعنى السياسي
- – ترسيخ المواطنة يحتاج إلى مرجعية الدولة القوية وخطاب الإعتدال من المؤسسة الدينية
حوار – محمد شعبان-روز اليوسف-١١مايو٢٠١٧-
كتب محمد شعبان : حمَّل المرجع الشيعى اللبنانى البارز السيد على الأمين إيران وثورتها مسئولية الحروب الطائفية التى باتت تخيم على المنطقة العربية موضحاً أنه قبل سيطرة النظام الثورى الإيرانى على مقاليد الحكم فى طهران كان الشيعة يعيشون جنبا إلى جنب مع إخوانهم السنة فى سلام دونما مشاكل طائفية لكن بدأت المشكلات الطائفية نتيجة توجه إيران لدعم نفوذها فى البلدان العربية من خلال دعم موالين لها بالمال والسلاح.. الأمر الذى أدى إلى تقويض السلام الأهلى الذى كان سائداً فى المجتمعات العربية وضرب مثالا لذلك بحزب الله الذى وصفه بالحزب المسلح التابع للنظام الإيرانى وكذلك حركة أمل.
وأشار الأمين إلى أن السلاح والاموال الإيرانية الطائلة جعلت حزب الله يهيمن على المشهد مما أعطى انطباعا أن شيعة لبنان تابعون لإيران وهذا غير صحيح على حد قوله.
كما شدد المرجع الشيعى البارز على أن كثيرين من شيعة لبنان رفضوا التورط فى المستنقع السورى لكن حسن نصرالله تورط فى ذلك دفاعا عن الاجندة الإيرانية فى سوريا.
وحول توصيفه لطبيعة انتمائه الشيعى قال الأمين: أنا شيعى أؤمن بولاية الدولة وأعتقد أن المسلمين سنّة وشيعة أمة واحدة وإخوان فى دين الله على اختلاف مذاهبهم.
ولم يتوقف الحوار مع المرجع الشيعى المستنير على الملف الطائفى السنى الشيعى بل تحدث عن تجديد الخطاب الدينى داعياً إلى خطاب دينى جديد يقوم على الاعتدال والتسامح بين المسلمين انفسهم بصرف النظر عن خلافاتهم المذهبية والطائفية وبين المسلمين والغرب مشددا على ضرورة تأصيل مفهوم المواطنة والعمل على تقوية الدولة لمواجهة العبث بالسلم الاهلى والامن الاجتماعى.. وفيما يلى نص الحوار:
–اولا: يحجب المشكل الطائفى السنى- الشيعى اليوم فى عالمنا العربى كل المشكلات الاخرى…برأي سماحتكم ما اسباب بروز هذا المشكل الطائفى؟ وما هو تصوركم للخروج من هذا المنزلق الخطر؟
ج- لقد ذكرنا مراراً إن السبب الرئيسي في ظهور المشكل الطائفي في مجتمعاتنا يعود إلى الصراع على السلطة والنفوذ بين دول في منطقتنا العربية جعلت من الأحزاب الدينية والجماعات السياسية في الداخل أدوات لها لتحقيق ذلك،وقد زاد من حدّته غياب العلاقات الطبيعية بين الدول العربية والإسلامية في المنطقة خصوصاً بين إيران وجيرانها العرب بعد أحداث العراق وسقوط النظام العراقي،وارتفعت الوتيرة الطائفية أخيراً بسبب الأحداث الجارية في سوريا والعراق واليمن ورفع الكثير من الأحزاب المتصارعة هناك للشعارات الطائفية في محاولة منها للحصول على الإصطفاف الطائفي من أتباع الطوائف وراء مشاريعها السياسية وطموحاتها السلطوية،وقد دأبت بعض وسائل الإعلام الأجنبية على توصيف الصراع بالعناوين الطائفية لزيادة حدة الصراع والإنقسام في مجتمعاتنا خدمة لمشاريع تفكيك أمتنا وإضعافها.
والمخرج من هذا المنزلق الطائفي الخطير على أمتنا يكون بإدراكنا لحجم هذا الشر المستطير والعمل على نشر الوعي الديني في مجتمعاتنا وإظهار الأسباب الحقيقية للصراع،وهي أسباب سياسية وليست دينية ولا طائفية،لمنع تسلح تلك الجماعات بعناوين الدين والطائفة ،وبالعمل بين المسؤولين في الدول الإسلامية والعربية على قيام الحوار الجاد فيما بينهم خصوصاً بين إيران والدول العربية في الخليج لإنهاء أسباب الخلاف والصراع والعمل على وقف تلك الحروب المندلعة في المنطقة.
–ثانيا: هل تعتقدون ان قيام الثورة الايرانية عام 1979م هو المسؤول عن شراسة الازمة الطائفية؟ ام ان تهميش الشيعة فى البلدان العربية منذ عهود سابقة هو سبب هذه الشراسة؟
ج- الشيعة العرب هم جزء من شعوب بلدانهم العربية،وقد عاشوا فيها إخواناً مع شركائهم في الوطن مع اختلاف المذهب والدين ولم تكن فيما بينهم مشاكل طائفية قبل الثورة الإيرانية وبعدها، ولكن السبب في حدوث المشكلة الطائفية أخيراً يعود إلى السياسة التي اعتمدتها إيران في المنطقة من خلال تشكيل ودعم أحزاب طائفية ترتبط بها لدعم توجهاتها في توسيع نفوذها وحضورها خارج حدودها، ونحن لا نرى أن هذه السياسة الايرانية القائمة تخدم المصالح المشتركة بينها وبين الدول العربية وشعوب المنطقة، ولا نعتقد أن إيران ستكون في منأى عن تداعيات هذه السياسة،لأن تعدد المذاهب موجود في إيران كما هو موجود في الدول العربية والإسلامية.
–ثالثا: يتحدث الجميع عن اختطاف الشيعة العرب من قبل النظام الايرانى القائم برأيك هل ينطبق هذا الوصف على كل الشيعة العرب والى اى مدى يعد هذا الوصف صحيحا؟ وما هو الحل العملى لضبط الاوضاع لإعادة الشيعة العرب الى وضعهم الطبيعى كمواطنين عرب هل بحل سياسى فى البلدان العربية ؟ ام بمحاولة اصلاح المنظومة الشيعية؟ ولماذا لا توجد حوزات او مؤسسات شيعية بارزة تظهر ولاءها العربى لان المعروف او انا شخصيا لا اعرف ان هناك منظومة شيعية بارزة تدافع عن انتماءها العربى؟
ج- نحن لا ننكر وجود أحزاب شيعية في لبنان والعراق وغيرهما مرتبطة بالنظام الإيراني، ولكن لا يصح القول بأن الشيعة العرب مختطفون من قبل النظام الإيراني،لأن هذه الأحزاب جزء من طوائفها، ولا تختزل طائفة ولا مذهب بحزب أو جماعة، والذي يوحي بالإختطاف هو امتلاك تلك الأحزاب التابعة لإيران لوسائل الإعلام والسلاح مع الإمكانات المالية التي أتاحت لها إخفاء الرأي الآخر في طوائفها في ظل الهيمنة الحزبية على قرارات الدولة التي تتواجد فيها تلك الأحزاب، وعلى سبيل المثال فالدولة اللبنانية تعتبر الثنائي الشيعي المرتبط بالسياسة الإيرانية”حزب الله وحركة أمل”هما الممثل الوحيد لطائفتهم،فكل الخدمات للطائفة الشيعية ومكاسب السلطة يجب أن تكون بأيدي هذين الحزبين،يضاف إلى ذلك غياب الإحتضان للرأي الآخر من الدول العربية،وهذا ما أظهر وكأن الشيعة العرب يتبعون كلهم السياسة الإيرانية.
وهذا ما يفسر عدم بروز مرجعيات ومؤسسات دينية مستقلة وحوزات علمية أخرى مخالفة للسلطة الحزبية،ولذلك يطغى على الرؤية السياسية والدينية لتلك المرجعيات والمؤسسات والحوزات طابع التأييد للنظام الإيراني لدى الطائفة الشيعية في لبنان خصوصاً ولدى الشيعة العرب عموماً وغيرهم.
–رابعا: القارئ او المتابع العادى لا يعرف عن شيعة لبنان سوى حزب الله وحسن نصر الله فلو اردنا ان نعرف الصورة الصحيحة كيف يمكنكم وصفها؟
وكيف ترى تدخل حزب الله فى الحرب السورية؟
ج- حزب الله لا ينكر ارتباطه بولاية الفقيه والنظام الإيراني، وأنه ليس مجرد حزب سياسي، بل هو حزب مسلّح،وقد استخدم سلاحه بمشاركة حلفائه في الداخل اللبناني ضد الدولة وضد أطراف لبنانية لا تمتلك السلاح، وقد هيمن من خلاله على الدولة اللبنانية ومنعها من اتخاذ القرارات بمنعه من استخدام السلاح في الداخل اللبناني،وكذلك هو يمنعها من اتخاذ القرارات ضد تدخله في سوريا،مع أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة كانت تجاهر بوقوفها على الحياد بشأن النزاع في سوريا والنأي بالنفس!ومن خلال هذه الهيمنة على الدولة من الطبيعي أن لا يظهر في المشهد الشيعي سوى حزب الله والمؤيدين له من الشيعة كحركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري،ونحن مراراً ومنذ إعلان حزب الله عن تدخله في سوريا قد عبّرنا عن رفضنا لتدخله في القتال على الاراضي السورية،وطالبنا القيادات الشيعية والمرجعيات الدينية في لبنان وخارجه بأن تخرج عن صمتها بإظهار موقفها الصريح والرافض لتدخل حزب الله وغيره في القتال على الاراضي السورية،وقلنا بأن تدخله في سوريا يشكل خطراً كبيراً على لبنان ويزيد من الإحتقانات الطائفية والفتن المذهبية في المنطقة، وقلنا له رداً على دعوات الجهاد بأن سوريا ليست ساحة جهاد لنا،بل ساحة جهادنا هي في بناء وطننا لبنان ودولتنا والحفاظ على وحدتنا الوطنية وعيشنا المشترك.
-خامسا: اذا كان لسماحتكم انتقادات وملاحظات على التوجه الشيعى المعاصر فما هو ملاحظاتكم الناقدة على التوجه السنى المعاصر؟
ج-المشكلة هي في الأحزاب الدينية سواء اعتمدت على التوجه الشيعي أو التوجه السنّي،لأنها ترى أنفسها هي الممثل الشرعي للدين،وأنها وحدها هي التي تستحق الحكم،سواء اعتمدت على نظرية ولاية الفقيه،أو على نظرية دولة الخلافة،وترى هذه الأحزاب بقسميها انحصار شرعية الحكم بها،وأنه لا شرعية للدولة إذا لم تكن دينية،مع أن شرعية الدولة والحاكم تستند إلى إقامة العدل بين الناس وحفظ حقوق العباد وأمن البلاد، ومن يخالف تلك الأحزاب فهو في نظرها يخالف الدين،وهذا التوجه الموجود عند الفريقين ناشئ من المناهج المعتمدة في التعليم الديني،وهو يؤدي إلى الإنقسام في المجتمع وتصنيف أفراده بين مؤمن وغير مؤمن،ومسلم وغير مسلم على أساس الإنتماء الحزبي، وهذا يشكل خطراً على وحدة الأمة والمجتمع،ولذلك دعوت الحكام والمسؤولين في دولنا العربية والإسلامية إلى الإصلاح في مناهج التعليم الديني في المؤسسة الدينية ومعاهدها وإلى إعادة النظر في قوانين تشكيل الأحزاب السياسية على أسس دينية.
-سادسا: اذا اردنا ان تقدم للقارئ صورة موجزة للعقيدة الشيعية التى تؤمن بها التى تخالف الاتجاهات المتطرفة؟
ج-أنا مسلم أعتقد بأن المسلمين سنّة وشيعة أمة واحدة وإخوان في دين الله على اختلاف مذاهبهم،وأؤمن بولاية الدولة التي تعمل على حفظ حقوق العباد وأمن البلاد،وأن المواطنين فيها متساوون كما قال الإمام علي(الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) وفي المدرسة الفقهية ألتزم مدرسة الإمام جعفر الصادق التي انفتحت على الأئمة الأربعة وغيرهم من السلف الصالح وانفتحوا عليها ولم يكفر بعضهم بعضاً .
–سابعا: لو اردنا ان ننقل الحوار الى ملف الاصلاح الدينى او تجديد الخطاب الإسلامي بصفة عامة –سنيا كان ام شيعيا- ما هى الاركان او النقاط التى يحتاجها خطابنا الإسلامي ليكون عصريا؟
ج- ما نحتاج إليه في تجديد الخطاب الدّينيّ هو توجيهه نحو الإعتدال والتسامح من خلال البحث عن المسائل والموضوعات الّتي تهمّ المسلمين في هذه المرحلة،وهي المسائل المتعلٰقة بوحدتهم وعلاقات بعضهم مع البعض الآخر وبناء دولهم وأوطانهم وفي علاقات المسلمين مع شركائهم في الوطن والمصير ومع غيرهم من الشعوب،لأنّ داء التّفرّق الدّاخليّ الذي يطلّ برأسه يهدّد مجتمعاتنا في أمنها ووحدتها واستقرارها، وقد أوجد خطاب التطرّف مشكلة كبرى للمسلمين الذين يعيشون في بلاد الإغتراب مع غيرهم من الأمم والشّعوب الأخرى وانعكس ذلك على علاقات الإسلام مع الغرب، وهي مشاكل نشأت من الفهم الخاطئ لبعض الجماعات لجملة من المسائل المرتبطة بالعلاقة مع الآخر وهو ما نسميه بفقه الدولة والمواطنة وثقافة الحوار، ومهمّة تصحيح الفهم الخاطئ هذا تقع على عاتق المجتهدين وعلماء الأمّة،ولذلك اقترحنا إنشاء جامعة مشتركة ينتمي إليها الطلاب من مختلف المذاهب تؤسس لاجتهادات عابرة للمدارس المذهبية الموروثة.
–ثامنا: هل ترى سماحتكم ان للمؤسسات الدينية اهمية فى عصرنا الراهن ام اننا نحتاج الى تقوية كيان الدولة ليكون هو الكيان الوحيد الذى يحتكم اليه الجميع ايا كان دينه او مذهبه؟
ج-نحن بحاجة إلى الأمرين معاً إلى قوة الدولة الناظمة للأمر والمرتكزة على قاعدة المواطنة وإلى مرجعيتها الوحيدة في الحكم بين المواطنين بالعدل، ونحتاج أيضاً إلى المؤسسة الدينية التي تبيّن للناس أحكام الشريعة وتنشر الوعي الديني بينهم لمنع استغلال الدين في السياسة وتشويه صورته في النفوس من خلال الأفكار والأعمال التي تزرع الكراهية والبغضاء بين الناس باسم الدين.
–تاسعا: شاركتم مؤخرا فى مؤتمر الازهر عن المواطنة …ما هى معوقات استقرار فكرة المواطنة فى عالمنا العربى هل السبب دينى ام اجتماعى ام سياسي؟ وكيف يمكن تعميق او زرع هذا المصطلح واقعيا؟
ج-لا شك في وضوح المقصود من مفهوم المواطنة كما هو ممارس في كثير من دول العالم اليوم،وقد عشنا هذه المواطنة في عالمنا العربي،ولكن الذي حصل في السنوات الماضية من صراعات وحروب أهلية في بعض الدول العربية والإسلامية وبينها أضعف تلك الدول وقدرتها عل تطبيق القوانين وحماية المواطنين من العابثين بالأمن،وهذا ما أوجد مساحة للتطرّف لزرع الكراهة والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد على أساس ديني ومذهبي فضعفت بتبع ضعف الدولة فكرة المواطنة،ولذلك فإن قوة الدولة وضربها بيد من حديد على أيدي الخارجين على القانون يعتبر من أهم العوامل لاستقرار فكرة المواطنة وترسيخها في مجتمعاتنا،وقد ورد في الحديث(أن السلطان وزعة الله في أرضه)و(أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).