السنة والشيعة أمة واحدة
الأستاذ جعفر الشايب* – موقع التجديد العربي – مدارات
هذا عنوان لكتاب ثري وشامل ومعاصر يتناول موضوعا غاية في الأهمية، لشخصية علمائية شيعية لبنانية عرفت بمواقفها الواضحة والجرئية تجاه القضايا السياسية والدينية المعاصرة، هو العلامة السيد علي الأمين.
المؤلف هو مرجع شيعي لبناني ومفتي صور وجبل عامل ومدّرس لاصول الفقه وبحث الخارج (الاستدلال)، وداعية تعايش بين الطوائف اللبنانية ومقرّب بين أتباع الدّيانات، وهوعضو مجلس حكماء المسلمين وهو منظمة دولية يرأسها شيخ الأزهر. له بحوث ومؤلفات علمية، كما وله مئات الندوات الفكرية والمحاضرات في مختلف الدول العربية. يدعو العلامة الأمين إلى إلغاء التعليم الديني من المدارس الأكاديمية واستبداله بمنهج يعزز القيم والأخلاق، كما يدعو أيضا إلى تنظيم المال الشرعي والانتقال في الحالة الدينية من مرجعية الفرد إلى مرجعية المؤسسة.
قدم الأمين العديد من الاطروحات الفكرية والسياسية تميزت بالاستقلالية والوضوح، وخاصة في عدة قضايا معاصرة شائكة كوضع المؤسسة الدينية ومنهجية قراءة الموروث، وحدود ولاية الفقهاء ونظرية الحكم، ومكانة الوطن في المنظومة الفكرية وصيغ العلاقة بين المواطنين والأنظمة السياسية.
في مقابل اللغو واللغط الذي يدور في النقاشات المذهبية وعبر القنوات الطائفية ومختلف وسائل الإعلام المتحيز، يأتي هذا الصوت المعتدل مع غيره من أصوات الإعتدال في الوسط الشيعي كي يعيد تأكيد المسلك العلمي والواعي في التعاطي مع الشأن المذهبي بين المسلمين. السيد الأمين يضع تعريفا لكتابه المؤلف من 238 صفحة والصادر في طبعته الثانية عام 2015م، بأنه “دراسة فقهية وكلامية في مسألة الخلافة والإمامة تسقط أسباب الخلاف وتثبت حق الإختلاف، بحوث جادة في حوار التقريب بين المذاهب الإسلامية”.
يناقش الكاتب عدة قضايا شائكة لدى الشيعة ابرزها قضية “الإمامة بين الدين والسياسة” نافيا أن يكون للإمامة المنصوص عليها لديهم أي علاقة بالشأن السياسي العام، وأنها مقتصرة على البعد الديني. ويراجع حول هذه القضية المفصلية العديد من النقولات والاستشهادات المتواترة ويناقشها بعلمية وموضوعية، ليفكك مفاهيم التولي والتبري والعديد من المواقف التاريخية ذات العلاقة.
يأخذك الكتاب في عرض هادئ ليسبر منقولات التراث الشيعي واستدلالاته، ليضيف لها معان أكثر معاصرة وواقعية ويقدم تفسيرات لبعض المواقف والحوادث اتاريخية التي يستند عليها البعض كأدلة إثبات بينما يراها خلاف ذلك، حيث يضعها ضمن سياقها التاريخي بعيدا عن مسحة التقديس وتاطيرها ضمن اتجاهات محددة.
نصف الكتاب تقريبا يجمع حوارات للمؤلف مع العديد من القراء والمتابعين المهتمين حول مختلف القضايا والمواضيع الشائكة والمختلف عليها، والمطروحة بحدة في قنوات التواصل. لكنه يبسط في الطرح ويجيب بوضوح وبصراحة حول مختلف هذه القضايا وبصورة مقنعة محاولا توضيح مكامن الإشكالات القائمة، وتبسيط الطرح كي يكون مستوعبا ومقبولا دون أي مجاملة أو لبس.
الكتاب يشكل إضافة مهمة في المكتبة الاسلامية ودعوة صادقة نحو الاعتدال، وعدم التشدد أو الانجرار لصراعات على أساس مذهبي وخاصة في ظل انتشار ظاهرة التكفير المتبادل وحالات الغلو والتمسك بالمقولات المتوارثة دون وعي. يأتي هذا الكتاب ليشكل بصيص من نور في آخر النفق المظلم التي نمر به جميعا في هذه المرحلة، ويجيب بكل صراحة عن العديد من الإشكالات والقضايا المتداولة.
*كاتب وراعي منتدى الثلاثاء الثقافي، وعضو المجلس البلدي بمحافظة القطيف