الجمعة , نوفمبر 29 2024
الامين | ضعف الدور المسيحي الذي يطالب بالشرعية وبالدولة والمؤسسات والقانون 2

ضعف الدور المسيحي الذي يطالب بالشرعية وبالدولة والمؤسسات والقانون

مؤكدًا أنّ السعودية تمكنت من نقل الحوار من الإطار المحلي الضيق إلى الإطار العالمي

ضعف الدور المسيحي الذي يطالب بالشرعية وبالدولة والمؤسسات والقانون

أكد العلامة المفتي السيد علي الأمين أنّ “المملكة العربية السعودية تمكنت من ان تسجل انجازًا كبيرًا من خلال دفع الحوار لكي يصبح حوارًا عالميًا منتقلًا من الاطار المحلي الضيق الى الاطار العالمي الذي تتبناه الامم المتحدة”، آملًا في ان “يجني العالم منه ثمارًا طيبةً من خلال المزيد من التفاهم والمزيد من ثقافة التسامح والتعارف بين الامم والشعوب”.

العلامة السيد الأمين وفي حديث لـ”nowlebanon.com” أعرب عن اعتقاده بأنّ حوار الأديان الذي عُقد برعاية الأمم المتحدة في نيويورك سيكون له “مفاعيل هامة ومؤثرة على صعيد الثقافات والنظرة الى الآخر في العالم وبين الامم والشعوب وسيخرج الكثير من القضايا من طور النزاعات والصراعات الى طور الحوار” مشددًا على أنه “يسجل للملكة العربية السعودية انها تمكنت من ان توصل صوت الاسلام الى هذا المنبر العالمي وهذا ما سيساهم في نشر مبادئ الاسلام السمحة وسيساهم في تعريف العالم بالإسلام وجوهره الذي يلتقي مع سائر الاديان في الدعوة الى الخالق الواحد وتكريم المخلوق الذي هو الانسان”. وقال “نحن طبعا كان لدينا اقتراح في اثناء انعقاد هذا المؤتمر، اننا نريد ان يتحول الحوار بين اتباع الديانات والثقافات المتعددة الى مادة عالمية تدرس في المدارس، وان تنشئ الامم المتحدة كتاباً يدرّس مثل هذا الحوار الذي يفتح المجال على الآخر والاطلاع عليه وعلى مقدساته ومعتقداته والتركيز على القواسم المشتركة بين الاديان، وبالتالي ان تكون هذه المادة الزامية في كل بلاد العالم  وان يكون اسمها مادة الحوار، ونحن نأمل من الامم المتحدة ان ترعى مثل هذا الامر بدل ان تُدرّس حالات التعصب في كثير من المدارس وفي بعض الدول حيث تدرس وجهة نظر آحادية لدينها الواحد او لمذهبها الواحد او لحزبها الواحد”.

وحول ما رافق هذا المؤتمر من انتقادات للمشاركة اليهودية فيه أجاب السيد الأمين “الحوار لا يكون بطبيعة الحال الا مع من نختلف معهم.. الحوار مع الخصم او مع العدو ليس إقرارًا بممارسات العدو انما محاولة لإيصال الصوت عن قرب الى هذا العدو والقول له أنت مخطئ.. والله تحاور مع إبليس وتحدث معه وهو الله سبحانه وتعالى وذاك ابليس وما ادراك ما ابليس”، مشيرًا إلى ان “العقلية القائلة بألا أتحاور مع الخصم تعني ابقاء العداوة الى الابد وهذا ليس منطقا لحل الخصومات والعداوات، أنا احاور خصمي ولست خجولا بما احمله من فكر ومن قيم ومن مبادئ ومن مضمون فأوصل هذا المضمون وهذا الفكر الى الآخر لعله يتذكر او يخشى على قاعدة ذهاب موسى وهارون الى فرعون”.

وعن الدعوة لأن يكون لبنان مركزًا لحوار الأديان قال السيّد الأمين “حبّذا ان يكون لبنان مركزًا لمثل هذا الامر، لكن المسألة لم تعد مجرد عنوان إذ كانت هناك دعوات سابقة لجهة أن لبنان بلد العيش المشترك، بلد التسامح، بلد الانفتاح.. إلى آخره، لكن طبعا الصراعات والنزاعات التي حصلت بين مختلف الاطراف واكتسبت رداءً دينيًا في بعض الاحيان، وطائفيا أحيانًا أخرى وسياسيًا في أحيان عديدة، هذا الأمر أضعف مكانة لبنان كصورة لمركز للحوار اذ كيف يمكننا ان نعطي صورة للحوار بين الاديان والثقافات والعالم وبالأمس نتذكر ما جرى في 7 من آيار بالإضافة إلى ما نشهده طبعا من جلسات حوار عقيمة بين مختلف الاطراف الذين يتمثلون في هذا الحوار،.. مع الأخذ في عين الاعتبار عمليات الفرز التي جرت في الكثير من المناطق، فنحن نعلم ان في لبنان الكثير من المناطق التي اصبحت، بعد ان كانت مساحة للعيش المشترك وللتواصل، مقتصرة على فريق معين او مذهب معين او طائفة معينة، لذلك لا يوجد لدينا الان فعلا ما يشجع على ان يقبل العالم بأن يتحول لبنان الى مركز حوار بين الاديان، ولذلك من الافضل ان يعطى هذا الدور للأمم المتحدة ويمكن للبنان ان يستفيد مما سوف تقوم به الامم المتحدة بهذا الشأن”، مشددًا في الوقت عينه على أنه “يفترض باللبنانيين ان يعطوا الصورة التي تشجع العالم على ان تعتمد بلدهم مركزًا لحوار الاديان، اما وهم لا يتحاورون ولا يتفاهمون وهم يسيئون الى صيغة العيش المشترك في وطنهم ومناطقهم من خلال سياساتهم، فكيف يمكن ان يصدق العالم بأنهم جادون لمثل هذه الدعوة؟”.

وتحدث السيد الأمين عن الواقع الحالي للطائفة الشيعية فقال “نستطيع الآن ان نقول ان نموًا للرأي الآخر بدأ داخل الطائفة الشيعية وأصبحت هناك عمليات ممكن ان نسميها بالحراك النقدي داخل الطائفة الشيعية الذي بدأ يتسع وينتقد الواجهة السياسية التي احتكرت قرار الطائفة الشيعية عقودًا وفترات طويلة من الزمن نتيجة الوضع في لبنان، فباتت هناك فعلا شريحة تتبنى وجهة النظر الاخرى للطائفة الشيعية والتي من ثوابتها مشروع الدولة والمؤسسات والمحافظة على العيش المشترك بين مختلف الطوائف اللبنانية، وبالتالي يرفضون ما قامت به هذه الواجهة السياسية من ربط الطائفة الشيعية بالمشاريع الخارجية الخارجة عن الساحة اللبنانية، ونحن نتوقع ان تتسع مثل هذه الحالة وان يعيدوا النظر اولئك الذين سيطروا على الطائفة الشيعية في تلك السياسة التي اعتمدوها وأدت الى زعزعزة الثقة برؤية الطائفة الشيعية”، مضيفًا “كانوا سابقا ينتقدوننا على ما نقوم به من صلة وصل بين مختلف الطوائف والمذاهب والاحزاب، وسابقا كان اذا قام علي الامين وصلى وراء سماحة المفتي يُنتقد، وإذا صلى في السرايا كان يُنتقد، أما الآن فهم بدأوا يذهبون للصلاة في طرابلس وفي بيروت ويسبقوننا على مثل هذه الاماكن، وهذا أمر نعتبره بدايةً للتغيير”، وأكّد أنّ “هناك مواضيع كثيرة لا تزال عالقة وما اتفق عليه هو مجرد تهدئة وهو على امور لم تكن موضع اختلاف،.. إذ إنّ الخلاف كان على مشروع الدولة وهل ان الدولة هي التي تشكل المرجعية الوحيدة في شتى الامور أم أن يكون هذا الحزب او ذلك او الارتباط الاقليمي هو المرجع. اختلفنا على السلاح وعلى ضرورة ضبطه، أي انه لا بد من ضبط السلاح وربطه بشكل من الاشكال بالدولة اللبنانية بحيث تصبح هي وحدها المسؤولة عن الامن والدفاع، كل الخطوات التي اتخذت هي للتهدئة أما الحلول للقضايا الشائكة والجوهرية التي اختلفنا عليها فلا تزال على الطاولة عالقة ولم تُحلّ بعد”.

وإذ وصف الدور الايراني في لبنان بأنه “دور مؤثر وفعال من خلال “حزب الله” الذي لا يخفي ارتباطه بالدولة الايرانية، وهو ارتباط ليس ارتباطا روحيًا فقط كما يقال وانما هو ارتباط سياسي، لأن الارتباط الروحي لا تنشأ عنه قوة عسكرية وقوة اقتصادية”، وصف السيد الأمين “حزب الله” بأنه “يشكل ذراع الدولة الايرانية في المنطقة على إعتبار المشروع الجهادي الكبير الذي تدعو اليه ايران في المنطقة”، رافضًا في المقابل هذا الدور الإيراني “لكوننا كما هو معروف نرفض ان يكون لإيران ولغير ايران دور في لبنان، وإنما نريد لبنان ان يكون دولة ذات سيادة ووطنًا مستقلا… ولا يصح ان تكون علاقة لبنان بإيران من خلال “حزب الله” او من خلال طائفة شيعية معينة او فريق من الطائفة الشيعية (…) هذه هي ملاحظاتنا على الدور الايراني لجهة ضرورة ان تعيد الدولة الايرانية النظر في هذا الدور الذي تقوم به في لبنان او في المنطقة، وما يعنينا نحن في لبنان أننا نريد ان تكون هذه العلاقة في الوقت نفسه ودية وندية”.

وشدد السيد الأمين في السياق نفسه على أنّ “إيران خلطت بين السياسة وبين الدين في عملية العلاقة معها، ولا شك بأن إيران، نتيجة لطموحاتها السياسية، تحاول ان توظف العصب الديني لهذا المشروع السياسي عبر علاقتها بالشيعة في لبنان او بالشيعة في الوطن العربي، فيما لا يجوز ان تكون هناك علاقة مباشرة معهم لأنها تضرهم وتؤدي الى عزل الشيعة في اوطانهم وعزلهم عن شعوبهم، لأن الشيعة إن كان في لبنان او في الوطن العربي هم جزء لا يتجزأ من الوطن العربي ومن الشعوب العربية، وانظمتهم السياسية هي التي تكون وليةً عليهم وليس ايران التي تحاول ان تمدد ولاياتها السياسية على الشيعة في لبنان أو غيرهم من خلال بعض المفاهيم الدينية التي لا تصلح لبلادنا أصلا، مثل مشروع ولاية الفقيه وغيره، فحتى في ايران ولاية الفقيه محل جدل ونقاش ولولا السلطة العسكرية لا تنجح كمشروع سياسي، وبالتالي لا يمكن ان ينجح هكذا مشروع في لبنان.. يجب على ايران ان تعيد النظر في مثل طرح هذه المشاريع خارج حدودها، لأن ولاية الفقيه ليست ولاية عابرة للحدود والقارات…، السيد خامنيئي اختاره الايرانيون فكيف يكون له ولاية على اللبنانيين او على الكويتيين او على السعوديين”.

وعن جهود الجهات الشيعية المعارضة لسياسة “حزب الله” أجاب السيد الأمين “عندما يكتشف كل فرد من هذه الجهات انهم ولو اجتمعوا فلن يكون تأثيرهم ذلك التأثير الكبير فكيف لو أنهم تفرقوا؟. الانسان عادة يؤمن بالمنطق المحسوس ومن خلال التجربة سترى هذه العناوين المتعددة بأنه لا يمكنها فعلا من خلال ذلك ان توجد حالة من التنسيق على الاقل فيما بينها من أجل ان تحدث ثغرة في مثل هذا الجدار، ولعل خلال الاستحقاق المقبل او قبله تكون هناك خطوة لجمع مختلف الاطراف وهذا متروك لإختيار الناس… وكما كان اعتراضنا لماذا على الطائفة الشيعية ان تنحصر رؤيتها بـ”حزب الله” و”أمل”، أيضًا الرأي الآخر لا يجب ان ينحصر بفلان وفلان، ومن الممكن ان تنشأ جبهة موحدة تضم الوجوه والآراء المتعددة في إطار تجمع معين، ونأمل أن يكون هناك تعاون وليس انصهارًا”.
السيد الأمين أكد في حديثه على أنّ “الدور المسيحي هو دور وطني يجب ان يكون في هذا الظرف، وهم طبعا في مختلف الظروف والمراحل كان لأهلنا المسيحيين دور وطني متميز. الآن ونتيجة الخلافات التي حصلت تمكن “حزب الله” من ان يأخذ فريق من المسيحيين ليدعم وجهة نظره ومن هنا ضعف الدور المسيحي الذي يطالب بالشرعية وبالدولة والمؤسسات والقانون، فأصبح هناك فريق متمثل بالجنرال عون له وجهة نظر خاصة بهذا السلاح الخارج عن مشروع الدولة او عن الشرعية او عن الانضباط، وهذا ما ادى الى ضعف الدورين المسيحي والاسلامي”.

وفيما يلي نص المقابلة الكامل مع العلامة المفتي السيد علي الأمين

كيف تقيمون المبادرة التي قامت بها المملكة العربية السعودية لعقد مؤتمر “حوار الأديان” بالرمزية التي تمثلها المملكة على الصعيد الاسلامي والسني تحديدًا؟

لا شك ان هذا المؤتمر الذي دعت اليه المملكة العربية السعودية يشكل محطة هامة وتاريخية في تاريخ الحوار بين اتباع الديانات واصحاب الثقافات المتعددة، اولاً: لأن المملكة العربية السعودية تشكل من خلال احتضانها لأعظم المقدسات الاسلامية مركزًا اسلاميا مهما في العالم الاسلامي يتوجه اليه كل المسلمين وهذا في الحقيقة ما يعطيها المكانة لكي تقوم بهذه الخطوة الفعالة والهامة، ثانياً: لأن المملكة العربية السعودية ومن خلال هذه الخطوة وبتوجيه وقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله تتمكن من دفع الحوار من الاطر المحلية الضيقة والتوجّه بحوار الاديان الى اعلى منبر في العالم، فسابقًا نحن نعلم ان الحوار كان يجري في كثير من المنتديات في بعض الدول على مستوى ضيق ومحدود، لكن المملكة العربية السعودية تمكنت من ان تسجل انجازًا كبيرًا على هذا الصعيد من خلال دفع هذا الحوار لكي يصبح حوارًا عالميًا منتقلًا من الاطار المحلي الضيق الى الاطار العالمي الذي تتبناه الامم المتحدة، وهذا طبعا نأمل في ان يجني العالم منه ثمارًا طيبةً من خلال المزيد من التفاهم والمزيد من ثقافة التسامح والتعارف بين الامم والشعوب.

هل هذا النوع من المؤتمرات يساهم في تصحيح سوء الفهم بين الغرب والشرق؟

طبعًا سوف يكون لهذا المؤتمر مفاعيل هامة ومؤثرة على صعيد الثقافات والنظرة الى الآخر  في العالم وبين الامم والشعوب وسيخرج الكثير من القضايا من طور النزاعات والصراعات الى طور الحوار، هناك الكثير من القضايا في العالم قد تكون محلاً للحروب والنزاعات، وهذا المؤتمر الحواري الذي دُعي اليه سيُخرج تلك القضايا من ساحات الوغى والحرب والصراع الى ساحات الحوار، وهذا قطعا سيعطي للعالم المزيد من فرص السلام فيما بين الشعوب والتعايش الذي يقوم على الاحترام المتبادل والتفاهم.

هل هذا المؤتمر  يساهم بنزع فكرة إلصاق الإرهاب بالإسلام؟

لعل هذا الامر ايضا يسجل للملكة العربية السعودية على مستوى الدعوة للإسلام في انها تمكنت من ان توصل صوت الاسلام الى هذا المنبر العالمي وهذا ما سيساهم في نشر مبادئ الاسلام السمحة وسيساهم في تعريف العالم بالإسلام وجوهره الذي يلتقي مع سائر الاديان في الدعوة الى الخالق الواحد وتكريم المخلوق الذي هو الانسان، ومن هنا تكون المملكة قد حققت سبقا كبيرا على مستوى الدعوة الى الله والى الاسلام بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.

خرج المؤتمر بما سمي “بإعلان نيويورك” ولكنه لم يتجاوز العموميات. كيف برأيكم نستطيع ان نفّعل نتائج هذا المؤتمر على الصعيد العملاني؟ أي بخطوات عملية تتعلق بحماية الأقليات في الشرق الأوسط؟

نحن طبعا كان لدينا اقتراح في اثناء انعقاد هذا المؤتمر، اننا نريد من خلال هذا المؤتمر ان يتحول الحوار بين اتباع الديانات والثقافات المتعددة الى مادة عالمية تدرس في المدارس، وان تنشئ الامم المتحدة كتاباً يدرّس مثل هذا الحوار الذي يفتح المجال على الآخر والاطلاع عليه وعلى مقدساته ومعتقداته والتركيز على القواسم المشتركة بين الاديان، وبالتالي ان يصبح هناك كتاب يُدرّس في كل مدارس العالم بشكل يؤدي طبعا الى تغيير الكثير من الرؤية وتكريس ثقافة الحوار بين المجتماعات والدول والشعوب، ومن هنا جاء اقتراحنا ان تكون هذه المادة الزامية في كل بلاد العالم  وان يكون اسمها مادة الحوار، ونحن نأمل من الامم المتحدة ان ترعى مثل هذا الامر بدل ان تدرس حالات التعصب في كثير من المدارس كما نعلم وفي بعض الدول حيث تدرس وجهة نظر آحادية لدينها الواحد او لمذهبها الواحد او لحزبها الواحد، في حين عندما تدرس مادة الحوار تنشأ لدينا نظرة موحدة للآخر بما يساعد كثيرا على حماية الاقليات وحماية التعددية الموجودة في الكثير من المجتمعات ويبعد الكثير من التعصب، إذ إنه وفي كثير من الاحيان ينشأ التعصب او الارهاب من خلال تدريس فكرة النظرة الواحدة والرؤية الواحدة.

ما هو تعليقكم على البلبلة التي رافقت  الحضور اليهودي في المؤتمر؟

لعل هذا الإنجاز الكبير الذي حققته المملكة العربية السعودية بحيث تمكنت من ان تنقل حوار الأديان والثقافات من منتديات ضيقة وحتى حزبية في بعض الاحيان الى اكبر منتدى عالمي، ولعل هذا شكل مادة من اجل توجيه الانتقاد الى المملكة فيما الحوار لا يكون بطبيعة الحال الا مع من نختلف معهم، وفي تاريخنا الاسلامي فإنّ النبي عليه افضل الصلاة والسلام تحاور مع نصارى نجران عندما جاؤوا للمدينة المنورة كما انه تحاور مع الكثير من اليهود وغيرهم، حتى ان النبي موسى أمره الله سبحانه وتعالى ان يذهب مع اخيه هارون الى فرعون ولذلك جاء في القرآن الكريم قوله مخاطبا موسى وهارون: }اذهبا الى فرعون انه طغا وقولا له قولاً لينا لعله يتذكر او يخشى{، وهو فرعون طبعا، إذن موجود في تاريخنا ان حوار الانسان يجوز مع خصمه وعدوه، إذ إنّ فرعون كان عدوًا لموسى ومع ذلك امره الله ان يذهب الى فرعون. اذن يتحاور الانسان مع من يمثل المجتمعات الاخرى، وجهة النظر الأخرى والبحث في كيفية أن أوصل اليه وجهة نظري، ومع الاختلاف في الدين والسياسة ولكن يمكننا ان نوصل صوتنا، والامم المتحدة تجمع كل الامم ومنبرها لا يسمى منبر الامم الاسلامية او ما شابه وبالتالي ليس هناك من اشكالية في ان يجتمع طرف مع غيره في مثل هذا المنتدى من اجل ان ايصال الصوت الى الطرف الاخر.

الحوار مع الخصم او مع العدو ليس إقرارًا بممارسات العدو انما محاولة لإيصال الصوت عن قرب الى هذا العدو والقول له “أنت مخطئ”، ونحن من نملك وجهة نظر ومبادرة سلام عربية، ليس شرطًا دائمًا أن يكون من تتحاور معه موافقا معك والا يفقد الحوار قيمته. الله سبحانه وتعالى حاور حتى ابليس في القرآن الكريم قال: }ما منعك الا تسجد اذ امرتك{، يعني عندما امر الله الملائكة ان يسجدوا لآدم تكريما لآدم واحتراما لآدم ودور الانسان على الارض كخليفة، رفض ابليس أن تعطى هذه المكانة لآدم على الارض، فخاطبه الله وتحاور معه وتحدث معه وهو الله سبحانه وتعالى وذاك ابليس وما ادراك ما ابليس.
المقصود ان العقلية القائلة بألا أتحاور مع الخصم تعني ابقاء العداوة الى الابد وهذا ليس منطقا لحل الخصومات والعداوات، أنا احاور خصمي ولست خجولا بما احمله من فكر ومن قيم ومن مبادئ ومن مضمون فأوصل هذا المضمون وهذا الفكر الى الآخر لعله يتذكر او يخشى على قاعدة ذهاب موسى وهارون الى فرعون.

هل تؤيدون الجهود الآيلة إلى جعل لبنان مركزًا دائمًا لحوار الأديان؟

حبّذا ان يكون لبنان مركزًا لمثل هذا الامر، لكن المسألة لم تعد مجرد عنوان إذ كانت هناك دعوات سابقة لجهة أن لبنان بلد العيش المشترك، بلد التسامح، بلد الانفتاح إلى آخره، لكن طبعا الصراعات والنزعات التي حصلت بين مختلف الاطراف واكتسبت رداءً دينيًا في بعض الاحيان، وطائفيا أحيانًا أخرى وسياسيًا في أحيان عديدة، هذا الأمر أضعف مكانة لبنان كصورة لمركز للحوار اذ كيف يمكننا ان نعطي صورة للحوار بين الاديان والثقافات والعالم وبالأمس نتذكر ما جرى في 7 من آيار بالإضافة إلى ما نشهده طبعا من جلسات حوار عقيمة بين مختلف الاطراف الذين يتمثلون في هذا الحوار، خصوصا ان هناك احزابًا دينية موجودة في هذه الجلسات التي تكون في اغلبها عقيمة وغير مفيدة، مع الأخذ في عين الاعتبار عمليلت الفرز التي جرت في الكثير من المناطق.

نحن نعلم ان في لبنان الكثير من المناطق التي اصبحت، بعد ان كانت مساحة للعيش المشترك وللتواصل، مقتصرة على فريق معين او مذهب معين او طائفة معينة، لذلك لا يوجد لدينا الان فعلا ما يشجع على ان يقبل العالم بأن يتحول لبنان الى مركز حوار بين الاديان، ولذلك من الافضل ان يعطى هذا الدور للأمم المتحدة ويمكن للبنان ان يستفيد مما سوف تقوم به الامم المتحدة بهذا الشأن، اذن يفترض باللبنانيين ان يعطوا الصورة التي تشجع العالم على ان تعتمده مركزًا لحوار الاديان، اما وهم لا يتحاورون ولا يتفاهمون وهم يسيئون الى صيغة العيش المشترك في وطنهم ومناطقهم من خلال سياساتهم، فكيف يمكن ان يصدق العالم بأنهم جادون لمثل هذه الدعوة. عليهم أن يعطوا للعالم صورة واضحة بأنهم فعلا مجتمع متعدد يحافظ على العيش المشترك وان لديه مؤسسات تحترم الرأي الاخر وتدافع عن التعددية الفكرية والدينية، وحاليًا هذه مجرد دعاية ليس لها مضمون.

كيف تصفون واقع الطائفة الشيعية في لبنان اليوم؟

لا شك بأن الواجهة السياسية التي احتكرت قرار الطائفة الشيعية عقودًا وفترات طويلة من الزمن نتيجة الوضع في لبنان، نستطيع الآن ان نقول ان نموًا للرأي الآخر بدأ داخل الطائفة الشيعية وأصبحت هناك عمليات ممكن ان نسميها بالحراك النقدي داخل الطائفة الشيعية الذي بدأ يتسع وينتقد هذه الواجهة السياسية التي شكلت الوكالة الحصرية، فباتت هناك فعلا شريحة تتبنى وجهة النظر الاخرى للطائفة الشيعية والتي من ثوابتها مشروع الدولة والمؤسسات والمحافظة على العيش المشترك بين مختلف الطوائف اللبنانية، وبالتالي يرفضون ما قامت به هذه الواجهة السياسية من ربط الطائفة الشيعية بالمشاريع الخارجية الخارجة عن الساحة اللبنانية، ونحن نتوقع ان تتسع مثل هذه الحالة وان يعيدوا النظر اولئك الذين سيطروا على الطائفة الشيعية في تلك السياسة التي اعتمدوها وأدت الى زعزعزة الثقة برؤية الطائفة الشيعية.

يعيدون النظر كيف؟

هم يبدون الآن من خلال ممارستهم وكأنهم بدأوا بإعادة حسابات ما قاموا به. كانوا سابقا ينتقدوننا على ما نقوم به من صلة وصل بين مختلف الطوائف والمذاهب والاحزاب، وسابقا كان اذا قام علي الامين وصلى وراء سماحة المفتي يُنتقد، وإذا صلى في السرايا كان يُنتقد، أما الآن فهم بدأوا يذهبون للصلاة في طرابلس وفي بيروت ويسبقوننا على مثل هذه الاماكن، وهذا أمر نعتبره بدايةً للتغيير.

نحن قلنا لهم ان ما تقومون به اليوم  من مصالحات إن كانت صحيحة، اي هذا التواصل ولو بهذا الشكل الظاهري، فقد سبقناكم اليه مع فريق كبير من الطائفة الشيعية وان كان ما تقومون به خطأ اليوم فأنتم شركاؤنا في الخطأ، من هنا نحن نقول من خلال اللغة التي نسمعها بأنّ الأمر ينمّ عن وجود إعادة حساب في الاخطاء السابقة وانهم يريدون ان يغيروا ذلك المسار. ولكن بكل الاحوال نحن لا نريد ان نعتمد على اعادة حساباتهم فهناك مواضيع كثيرة لا تزال عالقة وما اتفق عليه هو مجرد تهدئة وهو على امور لم تكن موضع اختلاف، فمثلًا اتفقوا في بعض المراحل على نزع الصور، فيما الصور لم تكن موضع خلاف ولكن مع ذلك ما زلنا نراها داخل الضاحية وخارج بيروت اكثر فأكثر، أما النقاط الجوهرية التي اختلفنا عليها فلم يقاربها الجميع، إذ إنّ الخلاف كان على مشروع الدولة وهل ان الدولة هي التي تشكل المرجعية الوحيدة في شتى الامور أم أن يكون هذا الحزب او ذلك او الارتباط الاقليمي هو المرجع. اختلفنا على السلاح وعلى ضرورة ضبطه، أي انه لا بد من ضبط السلاح وربطه بشكل من الاشكال بالدولة اللبنانية بحيث تصبح هي وحدها المسؤولة عن الامن والدفاع، كل الخطوات التي اتخذت هي للتهدئة أما الحلول للقضايا الشائكة والجوهرية التي اختلفنا عليها فلا تزال على الطاولة عالقة ولم تُحلّ بعد.

كيف ترون الدور الايراني في لبنان؟

الدور الايراني طبعًا هو دور مؤثر وفعال من خلال “حزب الله” الذي لا يخفي ارتباطه بالدولة الايرانية، وهو ارتباط ليس ارتباطا روحيًا فقط كما يقال وانما هو ارتباط سياسي، لأن الارتباط الروحي لا تنشأ عنه قوة عسكرية وقوة اقتصادية، وبالتالي فإنّ الدور الايراني هو دور مؤثر وفعال من خلال “حزب الله” الذي يشكل ذراع الدولة الايرانية في المنطقة على إعتبار المشروع الجهادي الكبير الذي تدعو اليه ايران في المنطقة، ونحن طبعا نرفض هذا الدور لكوننا كما هو معروف نرفض ان يكون لإيران ولغير ايران دور في لبنان، وإنما نريد لبنان ان يكون دولة ذات سيادة ووطنًا مستقلا وان تكون العلاقة بين ايران ولبنان علاقة دولة بدولة، ولا يصح ان تكون علاقة لبنان بإيران من خلال “حزب الله” او من خلال طائفة شيعية معينة او فريق من الطائفة الشيعية، العلاقات بين الدول تقوم من خلال المؤسسات وليس من خلال جماعات من هنا او جماعات من هناك، هذه هي ملاحظاتنا على الدور الايراني لجهة ضرورة ان تعيد الدولة الايرانية النظر في هذا الدور الذي تقوم به في لبنان او في المنطقة، وما يعنينا نحن في لبنان أننا نريد ان تكون العلاقة في الوقت نفسه ودية وندية.

ما تأثير هذا الدور على التراث الشيعي اللبناني؟

إيران خلطت بين السياسة وبين الدين في عملية العلاقة معها، ولا شك بأن إيران، نتيجة لطموحاتها السياسية، تحاول ان توظف العصب الديني لهذا المشروع السياسي عبر علاقتها بالشيعة في لبنان او بالشيعة في الوطن العربي، فيما لا يجوز ان تكون هناك علاقة مباشرة معهم لأنها تضرهم وتؤدي الى عزل الشيعة في اوطانهم وعزلهم عن شعوبهم لأن الشيعة إن كان في لبنان او في الوطن العربي هم جزء لا يتجزأ من الوطن العربي ومن الشعوب العربية، وانظمتهم السياسية هي التي تكون وليةً عليهم وليس ايران التي تحاول ان تمدد ولاياتها السياسية على الشيعة في لبنان أو غيرهم من خلال بعض المفاهيم الدينية التي لا تصلح لبلادنا أصلا، مثل مشروع ولاية الفقيه وغيره، فحتى في ايران ولاية الفقيه محل جدل ونقاش ولولا السلطة العسكرية لا تنجح كمشروع سياسي، وبالتالي لا يمكن ان ينجح هكذا مشروع في لبنان.

أجدد القول إنه يجب على ايران ان تعيد النظر في مثل طرح هذه المشاريع خارج حدودها، لأن ولاية الفقيه ليست ولاية عابرة للحدود والقارات، إنما هي مشروع فلنقل على الأقل ان الشعب الايراني إختاره، واذا اختار الشعب الايراني بأكثريته فقيها ان يكون حاكمًا لهم لكنّ الشعوب الاسلامية الاخرى التي لم تختر أن يحكمها هذا الفقيه فكيف يكون له ولاية خارج حدوده؟ السيد خامنيئي اختاره الايرانيون فكيف يكون له ولاية على اللبنانيين او على الكويتيين او على السعوديين.

ما هي الأسباب التي تمنع توحيد جهود الجهات الشيعية المعارضة لسياسة “حزب الله”؟

بإعتبار هذه المرحلة مرحلة اختبار هذه التعددية، بالعناوين على الاقل، من الممكن ان تكون خطوة نحو المستقبل. عندما يكتشف كل فرد من هذه الجهات انهم ولو اجتمعوا فلن يكون تأثيرهم ذلك التأثير الكبير فكيف لو أنهم تفرقوا؟. الانسان عادة يؤمن بالمنطق المحسوس ومن خلال التجربة سترى هذه العناوين المتعددة بأنه لا يمكنها فعلا من خلال ذلك ان توجد حالة من التنسيق على الاقل فيما بينها من أجل ان تحدث ثغرة في مثل هذا الجدار، ولعل خلال الاستحقاق المقبل او قبله تكون هناك خطوة لجمع مختلف الاطراف وهذا متروك لإختيار الناس.

التعددية امر جيد، وكما كان اعتراضنا لماذا على الطائفة الشيعية ان تنحصر رؤيتها بـ”حزب الله” و”أمل”، أيضًا الرأي الآخر لا يجب ان ينحصر بفلان وفلان، من الممكن ان تنشأ جبهة موحدة تضم الوجوه والآراء المتعددة في إطار تجمع معين، ونأمل أن يكون هناك تعاون وليس انصهارًا.

بين سلاح “حزب الله” وسلاح التطرف السني اين ترون الدور المسيحي؟

الدور المسيحي دور وطني يجب ان يكون في هذا الظرف، وطبعا في مختلف الظروف والمراحل كان لأهلنا المسيحيين دور وطني متميز. ولكن الآن ونتيجة الخلافات التي حصلت تمكن “حزب الله” من ان يأخذ فريق من المسيحيين ليدعم وجهة نظره ومن هنا ضعف الدور المسيحي الذي يطالب بالشرعية وبالدولة والمؤسسات والقانون، فأصبح هناك فريق متمثل بالجنرال عون له وجهة نظر خاصة بهذا السلاح الخارج عن مشروع الدولة او عن الشرعية او عن الانضباط، وهذا ما ادى الى ضعف الدورين المسيحي والاسلامي.