مشتاق اللواتي – عمان:
سماحة العلامة السيد علي الأمين المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، و بعد فلقد تلقيت جوابكم و لا يسعني إلا أن أشكركم على الرد و الإهتمام .سماحة السيد ، ما درسناه و تعلمناه على أعلام الفكر الإسلامي الإمامي و اقتنعنا به بعد البحث و الدرس ، أن النص الوارد على الإمام علي عليه السلام في القرآن و السنة ليس خاصا بالإمامة الدينية وحدها ، بل يشمل الإمامة الدينية و تولي منصب الخلافة السياسية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . غاية ما في الأمر لما لم يتح لأمير المؤمنين علي (ع) تولي المنصب السياسي ،لأسباب و ظروف تاريخية معروفة ، و كذا للأئمة من بعده ، فإنهم إكتفوا بمزاولة دور الإمامة الدينية و تبليغ الأحكام و رد الشبهات و تصحيح الإنحرافات الفكرية و الفقهية و غيرها . ولكن هذا الواقع التاريخي لا يغير من كون منصب الخلافة السياسية في الأصل من مناصبهم ، بحسب نصوص الولاية و الإمامة و الخلافة الثابتة ، و ان الأمة هي التي تخلت عنهم لظروف و أسباب تاريخية و سياسية .و لا يمكن القول بأن الإمام علي (ع) تخلى عن منصب الخلافة إبتداءا بعد وفاة النبي (ص) لأن الثابت تاريخيا بأنه تمسك بأحقيته و طالب المسلمين ببيعته ، فقال لهم “أنتم أحق بالبيعة لي ” و حاججهم بقوله ” احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة ” و رفض مبايعتهم لعدة أشهر كما هو ثابت في صحيحي البخاري و مسلم و تاريخ الطبري والإمامة و السياسة لابن قتيبة وأساب الأشراف للبلاذري غيرها من المصادر العامة و الخاصة ، باستثناء رواية شاذة عن سيف بن عمرو المعروف بكذبه و المخالفة للواقع و التاريخ .
كما انه أكد في أكثر من خطبة و قول سواء في نهج البلاغة أو غيره ، على حقه الثابت ، ففي الشقشقية ” أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة و انه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى ” و قال “و طفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء …فرأيت ان الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى و في الحلق شجى أرى تراثي نهبا ” كما احتج في واقعة الرحبة بما ورد فيه نصوص عن النبي ص) حسب ما أورد جمع من المحدثين مثل أحمد في مسنده . نعم لما رأى عليه السلام ، الأخطار المحدقة بالإسلام و المسلمين من الداخل و الخارج تقتضي عليه أن يرجح المصالح الكبرى و يحافظ على كيان المسلمين ، فعل ذلك ، كما أوضح ” و لما رأيت راجعة الناس قد رجعت تريد محق دين محمد سلمت بالأمر ” و قال ” لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين
و لكنه في نفس الوقت أكد على أحقيته و أصر على هذه الحقيقة حتى في زمن خلافته و بعد مرور أكثر من خمس و ثلاثين عاما على تلكم الحوادث . و قد قال في إحدى رسائله الجوابية على معاوية و التي أوردها المعتزلي في شرحه ” و ذكرت اني كنت أقاد كالجمل المخشوش لأبايع أبابكر ، و لعمري لقد أردت أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحت ..”
و بعد هذا لا يصح أن يقال ، بأن الخلافة لوكانت نصا لما تخلى عنها علي عليه السلام .
سماحة السيد ، اننا لا نريد بذلك أن نثير خلافات تاريخية بين المسلمين ، و إن كانت بعض الفضائيات و بعض المؤسسات و الاذاعات تسعى إلى ذلك ، منها المستقلة ، و لكن حين يطرح الموضوع التاريخي ، فلا بد من تأكيد الحقائق .
سماحة السيد ، لقد سبق بعض المعتزلة إلى طرح رؤية توفيقية ، ففرقوا بين الإمامة والوصية الدينية و المنصب السياسي ، و اعتبروا النص من النبي (ص) بمثابة الترشيح ، و ان القرار النهائي متروك للأمة . و لكن ألسنة النصوص ومواقف الإمام علي (ع)و السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، خصوصا في خطبتها الثانية أمام نساء المهاجرين و الأنصار ،و طلبها النصرة منهم مع الإمام علي في قضية الخلافة تأبى ذلك أشد الإباء .
ثم كيف نفهم قوله في حادثة الدار “ان هذا أخي ووصيي و خليفتي فيكم ، فاسمعوا له و أطعيوه ” و قوله ” أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي ” و قوله في الغدير ” ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا بلى ، فقال :فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه …” و قوله كما في الكافي و الشافي ” سلموا على علي بأمرة المؤمنين ” و قوله “انت ولي كل مؤمن بعدي ” و ما شابه . إن كل تلكم النصوص تؤكد ان لعلي (ع) ولاية على النفوس كما كانت للنبي (ص) بمقتضى قوله تعالى ” النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ” . أما كون ان كثيرا من الأنبياء لم يتولوا الحكم و الخلافة الظاهرية ، فإنه أجنبي عن المقام ، أولا لأن ذلك لا يدل على انها ليست من حقهم و اختصاصهم ، خصوصا أولي العزم ، غاية ما في الأمر ، انها سالبة بانتفاء الموضوع ، و عدم المكنة و الظروف . و ثانيا ، فإن النبي محمد (ص) قد زاول السلطة الدينية و السياسية ، و أنه نصب عليا ليكون خليفته من بعده ، و لازمه ثبوت الخلافة العامة له عليه السلام.
سماحة السيد إننا نرى و تبعا لقادة الفكر من علمائنا أمثال السيد محسن الأمين و السيد شرف الدين و السيد البروجردي و الشيخ كاشف الغطاء و غيرهم ، ضرورة العمل على التقارب و التفاهم بين المسلمين و تبادل الإحترام و المودة ، و لكن على ان تكون من الجهتين . على الجهتين ان يتركوا التكفير و التضليل و التبديع للبعض . لا شك انكم تابعتم التصريحات الصحفية التي نشرت منذ مدة للشيخ القرضاوي ، وهو ممن نحترمه ، و التي صرح فيها بأن الشيعة الإثني عشرية مسلمون و لكنهم من أهل الإبتداع و انهم من الفرق الهالكة !!كما بالأمس طرح خطيب الحرم المكي الجديد عادل الكلباني في وسائل الاعلام تكفيرا للمسلمين الشيعة ، مما دعا فضيلة الشيخ حسن الصفار لمطالبته بالإعتذار أو طالب المسؤولين في المملكة عزله من منصب إمامة المسلمين في الحرم المكي .
سماحة السيد إننا نطالبكم و جميع العلماء الداعين إلى التقارب و التفاهم بين المذاهب ، أن تدعوا الجميع و ليس إلقاء اللائمة على طرف واحد ، و أن تتم الإدانة لكل التصريحات التكفيرية و التبديعية و التضليلية ، سواء الصادرة من هنا أو من هناك ، و الدعوة إلى كلمة سواء بين المسلمين ، فضلا بينهم و بين أهل الكتاب .
سماحة السيد الأمين ، إننا نطالب الجميع باليقظة و الوعي و الانتباه للألاعيب الأعلامية ، و السعي لوحدة المسلمين .
ختاما أشكركم على صدركم الرحب ،و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته .
جواب: بسم الله الرحمن الرحيم
” الأخ العزيز الشيخ مشتاق اللواتي دام فضله
وصلتني رسالتك الثّانية حول ما جرى في مقابلة قناة المستقلّة من حديث وأودّ أن أذكّرك بأن الموضوع الأساسي في البحث كان حول ما نقل عن الشيخ المفيد رحمه الله من ذهابه إلى تكفير الصحابة وما نقل عن السيد السيستاني دام ظلّه من تأييده في ذلك والحكم بارتدادهم عن الإسلام وقد عرفت رأينا في ذلك وهو عدم القبول بهذا الرأي لعدم موافقته للقواعد الفقهيّة المستنبطة من مدرسة اهل البيت عليهم السلام أضف إلى ذلك سيرتهم العمليّة القطعيّة مع الخلفاء الراشدين والحكّام الاخرين فلم تكن معاملتهم لهم معاملة الكافرين وقلنا بأنّ قول الشيخ المفيد ومن وافقه من علماء المذهب لا يكون حجّة علينا ولا على المقلّدين في مختلف الأعصار لأنّ المسألة تندرج تحت موضوعات الأحكام الشرعيّة وهي لا تقليد فيها لأنّ التقليد منحصر عند الفقهاء في الأحكام الشرعيّة غير اليقينيّة وأمّا تطبيقات عناوين الموضوعات على أفرادها فهو متروك للمقلّدين الّذين يتساوون في هذا الأمر مع المجتهدين. هذا هو موضوع البحث ولم تكن مسألة الخلافة واردة فيه إلا عرضاً لأنّ مسألة التكفير لها آثار عمليّة سلبيّة في حياة المسلمين اليوم وأمّا مسألة الخلافة وإنتاج السلطة بعد وفاة رسول الله (ص) فهي قد أصبحت مسألة بلا موضوع وليس لها اليوم من أثر عملي في حياة المسلمين وصار البحث عنها يشبه البحث التاريخي الذي ينطبق عليه قول الله تعالى : ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون). ولم يعد لهذا البحث من هذه الناحية تأثير في دولنا وشعوبنا ومجتمعاتنا المتعدّدة الأديان والطوائف والمذاهب حيث أصبح من اللازم والمهمّ أن نبحث عن طريقة إنتاج السلطة والحكم بما ينسجم مع واقعنا المعاصر دون أولويّة طائفة على أخرى ولا مذهب على آخر ولا شعب على آخر حيث لم يبق معنى للأولويّة المتنازع عليها بعد وفاة رسول الله (ص) في عصرنا الحاضر وصولاً إلى عصر بداية الغيبة مع أنّ هذه الأولويّة لم تمنع من اعتراف الأولى والأفضل عندنا بسلطة المفضول والتعايش معه في كلّ العهود وإذا كان خوف الفتنة بين المسلمين – كما تقول – هو ما دفع عليّاً عليه السلام إلى عدم المطالبة بحقّه في الخلافة ، فإنّنا نسألك أيها الأخ العزيز أليس هذا الخوف من الفتنة لا يزال قائماً ؟! ولماذا لا نتّبع الإمام عليّاً (ع) في ذلك؟! وهل الخلاف المستمر حول هذه المسألة يرجع الحق الذي تركه صاحبه ؟! وهو الّذي طوى عنه كشحاً وأسدل دونه ثوباً وقال: ( أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود النّاصر وما أخذ الله على العلماء ألاّ يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها … إلى آخر ما قاله عليه السلام بهذا الشأن في خطبة الشقشقيّة وغيرها، فإذا كانت هذه أهميّة الخلافة السياسيّة عنده ، فهل نكون أكثر اهتماما بها منه؟ّ!.
هذا بعض ما تسنّى لي من الوقت للإجابة على بعض تساؤلاتك وأمّا ما ذكرته في رسالتك من شمول الإمامة للقيادة السياسيّة فهي موضع تأمّل في دلالتها مع غضّ النّظر عن وجود المعارض لها. ولماذا الإصرار على أنّ الصّيغة الدّينيّة لملأ الفراغ السياسي لا تكتمل شرعيّتها ومحاسنها إلاّ بإلغاء إرادات النّاس واختياراتهم وكأنّ الأمر يطرح لمجرّد إلقاء الحجّة على النّاس، وماذا نصنع بعد انتهاء المدّة المحدودة لحياة الأئمّة عليهم السلام ؟ وما هي الصّيغة المعتمدة في زمن غيبة الإمام (عج) فهل نقبل بما يختاره النّاس أخيراً؟ وهل أصبح اختيارهم شرعيّاً ومشروعاً بعد ان كان ممنوعاً؟! هذه أمور يجب التأمّل وإمعان النّظر فيها عسى أن تتاح لنا فرصة أخرى للمزيد من إلقاء الضّوء عليها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”