نظرة فقهية في الزواج المختلط
جريدة البيرق الاسترالية – الخميس 9 آذار 1995 – حوار مع الزميل الاستاذ علي وهبي.
جريدة الديار اللبنانية – الاثنين 3 نيسان 1995
من كلام للعلامة الجتهد السيد علي الأمين
ينظر الإسلام الى الزواج نظرة موضوعية هادفة الى البناء المتماسك و التربية الصالحة و تشكل الحياة الزوجية عنده المدرسة الإجتماعية الأولى التي تنبثق عنها مؤسسة الأسرة و العائله و لذلك يهتم الإسلام و يعتني بإستمرار الزواج كما يعطي العناية و الإهتمام بحدوثه و حصوله فعن حدوث الزواج يقول الإسلام:
( الزواج سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ) و هذه الرواية عن لسان النبي محمد (ص).
و عنه أيضاً (شرار أمتي عزابها ).
و عن إستمرار الزواج يقول ( تزوجوا و لا تطلقوا فإن الطلاق أبغض الحلال الى الله).
و لذلك سعى الإسلام الى توفير عناصر الإستمرار و الإستقرار في العلاقة الزوجية فليس المهم في نظر الإسلام أن يحصل الزواج اليوم و غداً يحصل الخلاف و الفراق الذي يهدم تلك العلاقات و ينسف أسس العائلة و من أجل أن يدفع الإسلام ضرر الفراق والإختلاف عن الحياة الزوجية و أن يحفظ لها نوعاً من الإستقرار إعتبر الإسلام في حصول العلاقة الزوجية جملة من الأمور تساهم في بقاء الحياة الزوجية بمنأى عن الخلافات و النزاعات.
و من هذه الأمور التوافق العقائدي بين الزوجين لأن الإختلاف في العقيدة بين الرجل و المرأة يشكل المناخ الملائم للخلاف و النزاع بينهما و ينعكس ذلك على الحياة الزوجية فيكدر صفائها و يمنع استقرارها و بالتأكيد سيكون أثره سلبياً على الأسرة فيما بعد فيثير المشاكل و الإختلافات بين أفراد الأسرة و يمنع من تماسكها بل يؤدي الى تمزيقها و تفتيتها و منعاً لحصول هذه الأمور أشترط الإسلام التوافق في الدين و العقيدة بين الرجل و المرأة في حصول الزواج.
وعلى هذا الأساس شرع الإسلام الزواج بين المسلم و المرأة المسيحية و اليهودية من أهل الكتاب لوجود اتفاق من طرف الزوج المسلم مع زوجته المسيحية أو اليهودية فهو كمسلم لا توجد مشكلة دينية بينه و بين زوجته لأنه لا يكون مسلماً إلا إذا آمن بالشرائع السابقة و احترمها فهو يحترم معتقد زوجته و هي بمقتضى علاقة الزوجية واختيارها له زوجاً ستبادله نفس الإحترام لعقيدته و حينئذ لن تقع مشكلة بينهما من هذه الناحيه .
و أما إذا كانت المرأة مسلمة و الرجل مسيحياً من أهل الكتاب فإن رفض الزوج لمعتقد زوجته يكون منشأً لحصول الخلاف بينهما في أغلب الأحيان و قد يتحول الرفض لمعتقد زوجته الى مبادلة منها في رفض معتقده أو عدم إحترامه و حينئذ تكون المشكلة قد حصلت و ليس رفض المعتقد مشكلة عابرة ليتم التفاوض عليها بل هي مشكلة تضرب صميم الحياة الزوجية و تمنعها من الإستمرار.
وعندما أفتى الفقهاء بمنع تزويج المرأة المسلمة من الرجل المسيحي أو غيره من أهل الكتاب ليس لنقص في بشرية الزوج و إنسانيته بل هو إنسان بكل ما للكلمة من معنى و له نفس الحقوق التي يستحقها غيره و لكن مسألة المنع ترتبط بتنظيم الحياة الزوجية والمحافظة على إستمرارها بهدوء و سعادة . و هناك وجهة نظر على المستوى الفقهي لم تتبلور بعد و لم تصل الى درجة الفتوى و هي موضوعة على بساط البحث الفقهي لدى المرجعية الدينية و هذه النظرية تقول أن الرجل المسيحي و الذي هو من أهل الكتاب على قسمين:
قسم يرفض معتقد الملرأة المسلمة و لا يحترمه و هذا هو الذي تشمله أدلة المنع من تزويج المسلمة بالمسيحي. و قسم آخر من أهل الكتاب لا يرفض معتقد الغير بل يحترم عقيدة الآخرين. فليس صحيحاً أن كل مسيحي يرفض معتقد الإسلام و الله يقول في القرآن الكريم:
( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله و ما أنزل إليكم و ما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب) ، سورة آل عمران آيه( 199) .
و على هذا الأساس القرآني لا يكون كل رجل مسيحي رافضاً لمعتقد المرأة المسلمة فإذا كان يحترم عقيدتها ولا يرفضها وهي تبادله نفس الإحترام لعقيدته لكونها تؤمن بمعتقده لأن طبيعة إسلامها تلزمها بإحترام الدين المسيحي و الكتب السماوية فحينئذ تزول المشكلة بينهما من الناحية الدينية التي كانت محور الأدلة المعتمدة في منع تزويج المرأة المسلمة من الرجل المسيحي و أقوى تلك الأدله الإجماع الذي ادّعاه غير واحد من الفقهاء و المحققين و القرآن الكريم وهو المصدر التشريعي الأول لم يتعرض الى المنع من هذا الزواج و لا النصوص الدينية الأخرى ، و تقول وجهة النظر المذكورة بأنه بالامكان من الناحية العلمية الفقهية أن نحمل الإجماع المدعى و غيره من الأدلة على منع المرأة المسلمة من التزويج بالمسيحي إذا كان لا يحترم معتقد المرأة المسلمة و يرفضه و لا تشمل هذه الأدله الرجل المسيحي الذي يحترم معتقد المرأ’ة المسلمة و لا يرفضه وعلى كل حال فإن هذه مجرد وجهة نظر فقهية لم تصل الى درجة الفتوى و هي موضوع بحث و دراسة من المرجعية الدينية ( قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا و من اتّبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين ) صدق الله العظيم سورة يوسف آية (108 ) .