الخميس , مارس 28 2024

المنهج السياسي عند أهل البيت (ع) إطلالة على كتاب العلامة السيد علي الأمين : الأحزاب الدينية

     بقلم: الشيخ حسين عليان

 إزدحمت الآراء في قضية فهم حركة الأئمة (ع) ودورهم على المستويين الديني والسياسي، ونشأ وسط هذا الإزدحام مدارس ذات اتجاهات مختلفة وصل الإختلاف بالرأي فيما بينها في بعض القضايا والطروحات الى حد التباين. والبارز المخيف في هذه المسألة هو ترتيب سلوك عملي بناء على ذلك الفهم الذي لم يبق مجرد حركة فكرية فحسب بل توسع إلى دور ميداني في السلطة والحكم يستمد شرعيته وحجيته بحسب رأي قادته من الإمام المعصوم لأنه يشكل إمتداداً لخطه الرسالي، وقد ازدادت المسألة تعقيداً عند دخول الأحزاب الدينية في معركة السلطة والحكم معتمدة على العمل المسلح بغية تحقيق ما تراه واجباً غير قابل للسقوط بغض النظر عن الظروف والتبعات المترتبة على تحقيقه والتي قد يصل بعضها إلى ما يعتبر من وجهة نظرهم قضاءً حتماً وقدراً لازماً. 

وفي أجواء هذه المطالعة نجد الكثير من الناس وقفت حائرة من قضية لها ارتباط بدنياها وآخرتها، ولعل منشأ هذا الإرباك غياب الوضوح على مستوى فهم المراد الشرعي لأئمة أهل البيت (ع) إن في توجيه الشيعة لكيفية العلاقة مع خلطائهم أو سلوكهم السياسي ونظرتهم لمسألة السلطة والحكم وطبيعة العلاقة والتعامل مع السلاطين والحكام، وفي ظل هذا الواقع الفكري والسلوكي المتزلزل يأتي كتاب سماحة العلامة السيد علي الأمين الذي يحمل عنوان: ((الأحزاب الدينية الشيعية بين شهوة السلطة ورسالية الأئمة)) ليلقي الضوء على جوهر هذا الخلاف وليقدم وجهة نظر قائمة على أساس الأدلة النقلية والعقلية وترجمة دلالتها بما ينسجم مع السيرة العملية لحياة أهل البيت (ع)، فيتحدث في مقدمة كتابه عن بداية نشأة الأحزاب الدينية في القرن المنصرم والتي كان أولها حركة الاخوان المسلمين التي ولدت إثر سقوط الدولة العثمانية، ويرجع سماحته أسباب الولادة الحزبية الدينية إلى التأثر بالواقع الذي بدأت تتألف فيه حركات وتنظيمات وأحزاب في عالمنا العربي والإسلامي، ويرى انه من الطبيعي في ظل هذا الواقع ان تتأثر بهذا المناخ الحزبي الجديد الحوزات الدينية التي ولد من رحمها حزب الدعوة الإسلامية وسط معارضة واسعة النطاق وشديدة الرفض من قبل أكثر مراجع الدين المشهورين بالعلم في النجف الأشرف، ورغم هذه الموجة الإعتراضية تمكن قادة الفكرة الحزبية من شق طريقهم وتسويق نظرياتهم التي حظيت بتأييد ديني من شخصيات حوزوية مشهورة ومن ثم انتقلت هذه التجربة الى الكثير من البلدان في عالمنا العربي والإسلامي وصارت هذه الأحزاب تمارس دورها تحت عنوان الشرعية الدينية المستندة في الإستنباط والإستدلال لسيرة الأئمة، وفي هذا المقام يعتبر العلامة الأمين ان هذا الدور في الإستنباط والإستدلال لم يرتكز إلى مراجعة حقيقية ودراسة جادة لحياة الأئمة السياسية مما أدى الى تأثير مباشر على العلاقات والروابط في محيط التواجد وبين الشعوب التي تشكلت منها الأحزاب الدينية وأصبحت النظرة لهذه الأحزاب كأصحاب مشاريع خاصة لا تحمل صفة الشراكة في الحكم والإدارة وأحياناً يطغى على نظرياتها وسلوكياتها منطق الفصل المذهبـي وربط أتباعها بمشاريع خارج إطار أوطانهم وبالتالي هي لا تتمتع بالرضا والقبول من عموم مكونات المجتمع في الإتجاهين الديني والعلماني، هذا فضلاً عن مسألة فرض الفكر والمشروع على الآخرين بالقوة وهذا ما يراه العلامة الأمين مخالفاً للمنهج السياسي الذي اعتمده أهل البيت (ع) في حياتهم وطريقة تعاملهم مع أهل السلطة والحكم، حيث يؤكد سماحته ان الأئمة الذين قادوا حركة التشيع بعد الإمام الحسين (ع) كانوا حريصين على إبقاء هذه الحركة في الدائرة الفكرية تمارس دورها الرسالي في الأمة بالدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة بعيداً عن العمل المسلح، ويتوقف سماحته عند هذه النقطة مبيناً موقف الأئمة السلبـي من الإنتفاضات الشيعية المسلحة التي تحركت من المنطلقات العاطفية والثأرية أو الطموحات السلطوية. وحتى لا يبقى الشائع والراكز في الأذهان ان المسلكيات التي سلكتها الأحزاب الدينية خاضعة لمستند شرعي غير قابل للتبديل والتغيير ولا الجدل والنقاش وكأنها جزء من صلب الدين والعقيدة يلفت العلامة الأمين النظر في كتابه إلى ان المرجع الشرعي الذي استندت إليه الأحزاب الدينية في حركتها السياسية هو الفهم الخاطىء للحياة السياسية التي مارسها الأئمة (ع)، ولأن هذا النوع من النظريات والمفاهيم ذات الأهمية البالغة يشكل مصدراً من مصادر الدعوة الدينية وفقهاً سياسياً يتم وفق أحكامه تحديد نوع العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد وبين الشعوب المتعددة والدول وبين الحاكم والمحكوم، وبالتالي فإن هذه الأحكام قد تصل درجة مرتبتها الى تحديد المصير حياةً وموتاً بناءً على القرارات التي يمكن ان تؤخذ في محطات مفصلية ومصيرية، ولأجل ذلك كله فقد بذل العلامة الأمين جهوداً كبيرة في بحوث كتابه الأحزاب الدينية حيث ألقى الضوء على هذه المفاهيم ومستندها الشرعي ببيان واضح وصريح وبين الإتجاه والسلوك السياسي الذي كان عليه الأئمة في حياتهم السياسية وبذلك نجد أنفسنا أمام مدرستين فكريتين في فهم حياة الأئمة ودورهم القيادي ومنهجهم السياسي الأول إرشادي وتوجيهي يعتمد نظرية الإندماج والمشاركة ويمنع من الإنفصال وبناء كيانات خاصة، والثاني يعتمد نظرية الصراع على السلطة ولو بالعمل المسلح. ولمزيد من التعرف على هذه القضايا ذات الأهمية الكبرى ننصح المهتمين بالعودة الى كتاب سماحة العلامة السيد علي الأمين الذي يحمل عنوان ((الأحزاب الدينية)) للتعرف على ما تضمنته مسائل بحوثه من وجهات نظر وطروحات قائمة على الأدلة والبراهين راجين من الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما فيه مصلحة العباد والبلاد إنه المولى ونعم الوكيل.

مجلّة الشراع –