الثلاثاء , أكتوبر 15 2024

عاشوراء كما يراها العلاّمة المجتهد السيد علي الأمين

عاشوراء كما يراها العلاّمة المجتهد السيد علي الأمين

٢٣ كانون الاول ٢٠٠٩

::غسان عبد القادر::

على هامش إحياء مراسم عاشوراء، ثمة مظاهر لا علاقة لها بالمناسبة وقد تصل هذه المظاهر إلى ذروتها يوم العاشر من محرم فتأخذ أشكال الضرب على الرؤوس وإدمائها وغيرها من العادات التي أفتى الكثير من علماء المذهب الشيعي بعدم جوازها ونهوا عنها كما نهى عنها أهل البيت. إزاء هذه العادات، توجهنا للمرجع الديني السيد علي الأمين، مفتي صور وجبل عامل سابقاً، الذي أبدى العديد من الآراء الجريئة في هذا الخصوص وكان له مواقف تنم عن رؤية حضارية لقضية عاشوراء بعيداً عن البدع والعادات. فذكرى الإمام حسين، لدى السيد علي الأمين، منهي عن إستغلالها أو تحويلها حجة لإشعال الحروب والفتن، بل هي مدرسة في العطاء والتضحية. وابرز ما دعا سماحة المفتي الشيعة إليه هو عدم إتّباع أحزابهم وتنظيماتهم بل إطاعة أهل البيت الذين رفضوا إستغلال ذكرى الإمام الحسين.

الإمام الحسين نهى عن إيذاء النفس لأنها بدعة لا تمت للدين بصلة

سألنا السيد علي الأمين عن رأيه بعادات ضرب الصدور وإدماء الرؤوس التي ترافق اليوم العاشر وتحت أي خانة تندرج وعما إذا كانت تشكل جزأً من الأعمال التي تقرب الإنسان لربه. فأجاب السيّد الأمين إنّ الكثير من الممارسات التي تجري في مراسم عاشوراء أصبحت من العادات التي لا دليل عليها في أصل الشرع ولم يمارسها أهل البيت بعد استشهاد الإمام الحسين. ويروي أصحاب السيرة الحسينية في مجالسهم وصية الإمام الحسين لأخته السيدة زينب وفيها النهي عن خدش الوجه وشقّ الجيب وغير ذلك من مظاهر الجزع عند المصاب التي ورد النّهي عنها في الشرع.

عدم قيام العلماء بالدور المطلوب في تعليم الناس
واضاف سماحته لقد ترسّخت هذه العادات عبر قرون من الزّمن من منطلقات عاطفيّة ولكنّ العلماء بشكل عام لم يتصدّوا إلى تهذيب هذه العادات وتعليم الناس ما ينبغي أن يقوموا به في هذه المناسبات ممّا أوحى لكثير من النّاس أنّها عادات موافقة للشّرع مع أنّ كثيراً من العلماء الكبار لا يمارسون تلك الأعمال ولا يحبِّذونها. وهنا يذكر السيد الأمين العالم المجتهد الشيخ محمد جواد مغنيّة رحمه الله اذي علق على تلك العادات معتبراً أنّ العادات و التقاليد المتبعة عند العوام لا يصحّ أن تكون مصدراً للعقيدة لأن الكثير منها لا يقرّه الدّين الذي ينتمون إليه حتى ولو أيّدها وساندها شيوخ يتسمون بسمة الدّين. ومنها ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان و العراق وإيران من لبس الأكفان وضرب الرؤوس و الجباه بالسيوف في اليوم العاشر من محرم.

وتابع السيد الأمين قائلاً إنّ هذه العادة المشينة بدعة في الدين والمذهب وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون أن يأذن بها إمام او عالم كبير كما هو الشأن في كلّ دين ومذهب حيث توجد به عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الإهانة والضرر ولم يجرؤ على مجابهتها ومحاربتها أحد في أيامنا إلا قليل من العلماء وفي طليعتهم المرحوم السيد محسن الأمين الذي ألف رسالة خاصّة في تحريم هذه العادة وبدعتها وأسمى الرسالة التنزيه لأعمال الشبيه.

الشتم والتكفير أمران غير جائزان

وعن شتم بعض صحابة رسول الله (ص) خلال عاشوراء في بعض الأماكن وما يرافقه ذلك من تكفير لهم، فأجاب بأنّ منطق السبّ والشّتم هو منطق غير أخلاقي وغير ديني ولذلك لا نجد له أثرأ في كلام الأئمة وغيرهم من السلف الصالح الذين تخرجوا من مدرسة الإسلام وكانوا النموذج المثالي في أخلاقهم وعلاقاتهم وكلماتهم. وتابع سماحته وقد روي أن الإمام علياً (ع) سمع قوماً في حرب صفين يشتمون ويسبّون فنهاهم عن ذلك بقوله (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين) وقد جاء في الحديث عن النبي (ص) أنه قال ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وقد ورد عن الإمام زين العابدين في الصحيفة السجادية قوله:

 ( اللهم صل على أتباع الرسل وأصحاب محمد خاصّة الذين أحسنوا البلاء وصلّ على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الديّن ). ولذلك لا يجوز السب و اللعن لأن الشريعة تنهى عن هذا السلوك البعيد عن الأصول والقيم الإسلامية الّذي لا يؤدّي إلاّ إلى المزيد من الفرقة والإنقسام بين أبناء الأمة الواحدة.

وفي السياق ذاته، اشار السيد الأمين إلى عدم جواز تكفير المسلم لأخيه المسلم لأن ذلك مخالف لكتاب الله الذي جاء فيه : ( إنما المؤمنون إخوة ) ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً ..) فما دام المسلم مقرّاً بالشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فهو مسلم وأخ للمسلم وكما جاء في الحديث عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ( المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يخذله ولا يكذبه )، معتبراً أنّ التكفير الذي حصل في فترة من الفترات المظلمة بين المذاهب الإسلامية كان بدعة من البدع التي لا يجوز العودة إليها ولذلك اتفق العلماء من كلّ المذاهب على عدم جواز تكفير أهل القبلة بذنب لأن الإسلام الحاصل بالشهادتين يجمع كلّ المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

كما أوضح سماحته حقيقة المقترحات العديدة التي سبق له أن تقدم بها خلال بعض مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية ومنها إنشاء معهد جامعي للدراسات الإسلامية تدرس فيه جميع المذاهب الإسلامية يعيش فيه الطلاب والمشايخ بعضهم مع البعض الآخر وكذلك اعادة النظر في مناهج الدراسة الدينية.

(الإسلام كما جاء)

هذه هي دروس كربلاء الحقيقية

وعن الدروس المستفادة من كربلاء، رأى سماحة السيد الأمين في عاشوراء محطة أليمة في التاريخ الإسلامي فاقت كلّ التوقّعات حيث بلغت الجرأة على سفك الدّماء التي حرّم الله سفكها بنصّ الكتاب والسنّة حدّاً وصلت فيه إلى رموز دينية كبرى كانت لها مكانتها المقدّسة في نفوس المسلمين جميعاً فأصابت الإمام الحسين ابن بنت رسول الله وأهل بيته وأصحابه ولذلك كانت فاجعة كربلاء فاجعة عظمى على كلّ المسلمين وقد كان السبب في إقامة هذه الذكرى سنويّاً لإظهار مدى فظاعة هذه الجريمة حتّى لا تتكرّر المأساة في حياة المسلمين حقناً للدّماء لأن دماء الإمام الحسين إذا ذهبت بدون تنديد واستنكار متواصلين ، لا تبقى قيمة لدماء المسلمين.

الخروج ليس قاعدة عامة عند الأئمة

 

وأعتبر سماحته أنّ كربلاء تظل مدرسة نتعلم منها دروساً في الصبر و التضحية والفداء ورفض القهر و الظلم ونموذجاً لكلمة الحق التي واجهها الحاكم بالسيوف وقطع الرؤوس. وتبقى الأسباب والظروف التي أحاطت بالإمام الحسين عليه السلام ودفعته للخروج مع اطّلاعه على النّتائج خاصّة بالإمام الحسين فهي قضيّة في واقعة وتكليف خاصّ بالإمام الحسين وهذا ما فهمه أئمة أهل البيت بعد استشهاد الإمام الحسين فلم تؤسس حركة الإمام الحسين عندهم لقاعدة عامّة في الخروج على الحاكم ولذلك لم تتكرّر كربلاء في حياة الأئمة مع أنّ أسباب الظلم و القهر لم تتغيّر في كثير من مراحل حياتهم.

المطلوب من الشيعة إتباع أهل البيت وليس أحزابهم

كذلك، نبّه سماحته إلى أمر بالغ الأهمية، فقال انّ أئمة أهل البيت وقفوا موقفاً متشدداً من الذين حاولوا أن يستغلوا دماء الإمام الحسين ورفعوا شعارات (يا لثارات الحسين) ليشعلوا نار الحروب والفتن بين المسلمين، فقال الإمام جعفر الصادق لهم إن الحسين ليس ثأراً لأشخاص ولا لقبيلة ولا لعشيرة إنه ثار الله فالشهيد عندما يسقط في سبيل الله فإن الله تعالى هو الذي يتولى أخذ ثأره من الظالمين من خلال أحكامه وقوانينه التي يسقط بها عروش الطّغاة فالإمام الحسين ليس ثأراً لبني هاشم وليس ثأراً لطائفة ومذهب والذين قتلوه أصبحوا في محكمة الله تعالى والإمام الحسين قد استشهد وهو ثأر الله والله خير الحاكمين.

وختم سماحته الحديث متوجهاً إلى الشيعة قائلاً المطلوب من الشيعة اليوم أن يعيدوا النظر في هذه العادات والشعارات وأن يدرسوا حياة أئمة أهل البيت(ع) وأن يرجعوا إلى مسيرتهم في ممارسة الشعائر لأنهم هم القدوة والمرجعية الصالحة في هذه القضيّة وغيرها ولا ينبغي أن يرجعوا فيها إلى أحزابهم وتنظيماتهم وعواطفهم وعاداتهم الموروثة فالشيعة كما وصفهم الإمام الباقر (هم سلم لمن خالطوا وبركة على من جاوروا وإذا رضوا لم يسرفوا وإذا غضبوا لم يظلموا) وقد روي عن الإمام علي (ع) قوله ( انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردىً – فإن نهضوا فانهضوا وإن لبدوا فالبدوا ولا تتقدموهم فتضلّوا ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا).

المصدر : خاص موقع 14 آذار