) بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الأعزاء في موقع الفضيخ السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
لقد وردني سؤالكم عن الإمامة وأنّها هل هي منصب سياسي أو منصب إلهي؟
و الجواب: أن الإمامة بمعنى السّبق و التقدّم في رتبة المنضوين في دعوة من الدعوات الفكرية و العلمية أو الدينية سواء كانت دعوة حقّ أو دعوة باطل فإن السّابق في مثل هذه الدعوات والحامل لرايتها والرّائد لحركتها يطلق عليه إسم إمام وقد جاءت هذه التسمية في قول الله تعالى:
( وجعلناهم ائمة يدعون إلى النّار ويوم القيامة لا ينصرون) القصص :41 ،
وقوله تعالى ( وقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) التوبة: 12 ،
وقوله تعالى: ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) الأنبياء: 73 ،
وقوله تعالى: ( والّذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريّاتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) الفرقان: 74.
والإمامة بهذا المعنى الوارد في الآيات القرآنية تنقسم إلى قسمين بلحاظ الأفراد إلى سابق في دعوة الباطل وإلى سابق في دعوة الحقّ وهي في كلا القسمين المذكورين تكون عنواناً اكتسابياً زائداً يكتسبه صاحبها من السّبق و التقدّم النّاشئين من أفعاله في مجال الدّعوة التي يحملها ويدعو النّاس إليها. فعنوان الإمام يكون صفة كسائر الصّفات كالمؤمن والفاسق والمسلم والكافر والظالم والعادل الّتي يوصف بها الإنسان من خلال قيامه بتلك الأعمال وتلبّسه بها فتنتزع منها الصّفة و تنطبق عليه ولكن الفرق بين عنوان الإمام وبينها أنّ معنى الإمام أخذ فيه معى السّبق والتقدّم كما يطلق على الإمام في صلاة الجماعة باعتباره يتقدّم على المصلّين في الصّلاة. وكما يقال عنه إمام المسجد باعتبار أنّه يؤمّ المصلّين فيه.
وقد أطلقت الإمامة في الرّوايات على القيادة السياسيّة للمجتمع وهي بهذا المعنى تكون منصباً سياسياً لإدارة شؤون المجتمع الّذي يحتاج إلى قائدٍ ينظّم الأمر لعدم انتظام الحياة الإجتماعيّة بدون سائس يسوسها كما جاء في قول الإمام علي (ع) ( وإنّه لا بدّ للنّاس من أمير ..) وقوله ( .. لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامّة النّاس فما إلى ذلك من سبيل ، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثمّ ليس للشاهد أن يرجع ولا للغاائب أن يختار..) وقوله ( … إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجلٍ وسموه إماماً كان ذلك لله رضىً …) فالمقصود من الإمامة هنا المنصب السّياسي وهي شان بشريّ يعطيه البشر لمن اجتمعوا عليه كما يشير إلى ذلك قوله عليه السلام ( … فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه إماماً ) فهي تسمية نشأت من اختيار البشر وهي تعني المنصب السياسي الّذي يحتاجه العقلاء لتنظيم أمور مجتمعاتهم وهي بهذا المعنى السّياسي تكون ضرورة تنظيميّة لا بدّ منها والدّين قد ايّد هذه الضّرورة القياديّة التي لا يستغنى عنها حفظاً لمصالح البلاد والعباد والفقهاء الّذين قالوا بان أهل الحلّ و العقد قد اتّفقوا على أن الإمامة لا بدّ منها قد نظروا جميعاً إلى هذه الإمامة بالمعنى السياسي حفظاً لنظام الجماعة وهي بهذا المعنى السياسي تعتبر من المسائل المتفق عليها بين المذاهب الإسلامية كلّها وهي بهذا المعنى السياسي المتفق عليه عندهم لا تنحصر بأشخاص ولا بعصر من الأعصار ولا بمصرٍ من الأمصار بل هي حكم عام في عموم الأزمان والأمكنة والمجتمعات لأنّه منبثق عن المصلحة التي يدركها العقلاء والتي أكدت عليها الشريعة السمحاء وباعتبار كونها منصباً سياسياً مرتبطاً بما يجب أن يفعله الناس جعلوا مسألة الإمامة السياسيّة من مسائل الفروع الدّينيّة ليس من باب التّقليل من أهميتها ودورها وإنّما من باب تصنيف المسائل الدينيّة وتقسيمها بلحاظ ما يجب الإعتقاد به كالتوحيد و النبوة واليوم الآخر وبلحاظ ما يجب العمل به كالصّلاة والصّيام والحجّ والزّكاة والجهاد فإن الصلاة عمود الدّين كما ورد في الحديث ومع ذلك لم تكن عند الفقهاء من أصول الدّين بل جعلوها من فروع الدّين.
والحاصل أن الإمامة التي نقلتم عن ابن تيمية وابن حنبل و غيرهما اتفاق أهل الحلّ و العقد عليها هي الإمامة الناظمة للأمر وهي الّتي يجب حصولها في المجتمع درءاً لمفاسد الفراغ في القيادة السياسية وهذه تسمّى بالإمامة الحاكمة وأما الإمامة الّتي أشرتم إليها في السؤال بقوله تعالى ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) الأنبياء: 73، فهذه هي الإمامة الهادية وهي شاملة للأنبياء والأوصياء و الصالحين الّذين حازوا قصب السّبق في هداية أممهم وشعوبهم وحملوا الرّسالات وبلّغوها للنّاس وهي ليست ناظرة إلى الإمامة بالمعنى السياسي المتقدّم فأئمة الهدى الذين يرشدون إلى الحقّ والّذين يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة هم الذين يشكلون سلسلة من حجج الله على عباده ومنارات الهداية للمجتمع البشري وهذا من معاني الحديث الذي ذكرتموه أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجّة وقد كانوا حججاً لله على العباد ولم يكن أكثرهم حكاماً بالمعنى السياسي وفقنا الله وإياكم لما يحب و يرضى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.